لبنان ساحة لوسائل إعلام إيرانية
يملك "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية" أكثر من 210 شركات حليفة في 35 دولة
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – سوسن مهنا –
في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 أرسل إيرانيون رسائل تهديد إلى الناخبين الديمقراطيين، منتحلين صفة أعضاء في جماعة “براود بويز” القومية البيضاء المؤيدة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وفقاً للمدير السابق لأجهزة الاستخبارات الوطنية جون راتكليف.
وأدرج “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأميركية خمسة كيانات إيرانية على قائمة العقوبات بسبب استحصالها على بيانات تسجيل الناخبين الأميركيين من أجل التأثير في الانتخابات والتحريض على الاضطرابات.
وأوردت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان آنذاك، أن “النظام الإيراني استهدف العملية الانتخابية في الولايات المتحدة بمحاولات وقحة لبث التفرقة بين الناخبين من خلال نشر معلومات مضللة عبر الإنترنت وتنفيذ عمليات تأثير خبيثة لتضليلهم”.
وأضافت أن “كيانات تابعة للحكومة الإيرانية، متنكرة بهيئة وسائل إعلام، استهدفت الولايات المتحدة بغية تقويض العملية الديمقراطية الأميركية”.
لکن الناطق باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده وصف الاتهامات الأميركية بأنها ” تكرار للتقارير المفبركة” واستدعت طهران السفير السويسري الذي ترعى بلاده مصالح أميركا في إيران، للاحتجاج على هذه الاتهامات.
ويعتبر “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” (الاتحاد) أحد الجهات المسؤولة عن حملة التضليل الإعلامي، حيث يدعم ويؤسس الجزء الأكبر من القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام التي يديرها وكلاء إيران في الخارج، وهي مهمة تنسجم مع مكانة “الاتحاد” باعتباره الذراع الدعائية الرئيسية لـ “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإيراني”. هذا الخبر إن دلّ على شيء فعلى الأهمية الاستراتيجية التي توليها طهران للإعلام. وتعتبر سياسة إيران الاعلامية جزءاً لا يتجزأ من جهودها ضمن مشروعها التوسعي الإقليمي.
شبكة وسائط إعلام “محور الممانعة”
في تقرير لـ “معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى” نشر في مارس (آذار) 2021 بعنوان، “فهم شبكة الإعلام الإيرانية الواسعة في الدول العربية”، يتحدث عن تأسيس “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” في عام 2007 كهيئة تابعة لـ “وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي” الإيرانية في العراق، التي يرأسها رجل الدين الشيعي حميد الحسيني، أحد الوزراء القلائل الذين يجب أن يحصلوا على موافقة المرشد الأعلى لكي يتولّى المنصب.
وتم تكليف “الاتحاد” بنشر سردية معادية لأميركا وإسرائيل في الشرق الأوسط، وهو يعمل كمظلة لوسائل إعلام “محور المقاومة” في جميع أنحاء المنطقة. ويزود “الاتحاد” هذه المنافذ الإعلامية بالدعم المالي والتكنولوجي والتنظيمي، ويساعد في تدريب موظفيها، ويضع استراتيجية موحدة لكي تقوم بمتابعتها. وسعت طهران للتأثير بشكل مباشر في الرأي العام في الخارج قبل وقت طويل من تأسيس “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية”.
فقد كانت “الخدمة العالمية” لـ “إذاعة جمهورية إيران الإسلامية” (الإذاعة) تعمل عن كثب مع “فيلق القدس” حين أطلقت قنوات إخبارية بعدة لغات، من بينها “قناة العالم” الفضائية باللغة العربية. لكن الاستراتيجيات الإعلامية لدول أخرى، ولا سيما قطر والمملكة العربية السعودية، طغت على جهود “الإذاعة”، مما دفع النظام إلى إنشاء “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية”. واليوم، لدى “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” أكثر من 210 شركات حليفة في 35 دولة، ويضم قرابة 3000 إعلامي و110 فضائيات و30 إذاعة معظمها في الشرق الأوسط.
وتشمل هذه الشركات القنوات الفضائية ومحطات الراديو والمواقع الإخبارية ووكالات الأنباء ومراكز التدريب وشركات الإنتاج الإعلامي ومراكز البحوث. ويخضع “الاتحاد” لثلاث هيئات هيكلية جامعة.
“المجلس الأعلى”: هو هيئة رقابية مؤلفة من ثلاثة عشر عضواً، بمن فيهم الأمين العام ونائبان. ويرأسه حالياً المدير العام لـ “قناة الغدير” التلفزيونية التابعة لـ “منظمة بدر” في العراق مضر البكاء.
“الأمانة العامة”: مقرها في طهران ويرأسها علي كريميان، وهو رجل دين تربطه علاقات وثيقة بمكتب المرشد الأعلى، حيث يتم وضع استراتيجيات “فيلق القدس” والإشراف عليها، ونائبه هو ناصر أخضر (المعروف أيضاً باسم أبو مصطفى)، مدير البرامج السابق في شبكة تلفزيون “المنار” التابعة لـ “حزب الله” اللبناني. وأخضر مسؤول حالياً عن صياغة استراتيجية إعلامية للثوار الحوثيين في اليمن، حيث يعمل كحلقة اتصال رئيسية مع “حزب الله” وإيران. ودوره مهم للغاية لدرجة أنه رافق وفد الحوثيين في محادثات السلام اليمنية في جنيف في عام 2015.
“اللجان الدائمة”: تشمل هذه الهيئات الرقابية المتنوعة “لجنة الخطاب الديني”، و”لجنة السياسة والأخبار”، و”لجنة التدريب”، و”لجنة الإنتاج”، و”لجنة الخدمات الفنية والإذاعية”، و”لجنة الإذاعات”.
لبنان
تتمركز في بيروت أكبر محطة تلفزيونية إيرانية ناطقة باللغة العربية وهي قناة “العالم”، تتبعها قناة “المنار” الناطقة بلسان “حزب الله”، وقناة “الميادين” والتي تتلقى الدعم الأكبر من إيران.
وتتوزع ضمن المناطق الخاضعة لنفوذ “الحزب” أي الضاحية الجنوبية لبيروت ومنطقة الجناح، محطات تلفزيونية وإذاعية كثيرة تنطق بلسان السياسة الإيرانية، وهي لبنانية وعراقية ويمنية تتبع الحوثيين، وبعضها أيضاً ناطق باسم شيعة شرق السعودية، وفلسطينية تابعة لـ “حماس”، منها فضائية “الثبات”، وفضائية “القدس” وفضائية “فلسطين اليوم” التابعة لحركة الجهاد الإسلامي. إضافة إلى عدد كبير من المحطات الدينية الشيعية غير السياسية، كـ “الكوثر”، و”الصراط”، و”المعارف”، و”الأنوار”، و”الإيمان”، و”الزهراء”. وهناك فضائيات كـ “اللؤلؤة” البحرينية، و”النبأ” السعودية، و”المسيرة” اليمنية، وجميعها قنوات معارضة للحكم داخل بلادها كل بحسب جنسيتها.
وتقتصر الأخبار والبرامج السياسية على قناة “المنار” فقط، وإذاعة “النور”. وكانت قد أقفلت ومنذ 2016 عدد من القنوات منها “الاتحاد” و”آسيا” و”الاتجاه”. وتتبع هذه القنوات لما يعرف بـ “محور الممانعة”، وتحظى بحماية من حزب الله، وتمويل إيراني.
ومن يعرف هذه المحطات، يدرك جيداً أنها تتمركز في الأدوار السفلية للمباني، ولا يمكن الدخول إليها قبل المرور على حواجز أمنية للجيش و”حزب الله”.
يذكر أن طهران كانت قد افتتحت عام 2017 قناة “العالم سوريا” كامتداد لقناة “العالم” الإيرانية. وأعلن الرئيس التنفيذي لـ “اتحاد إنتاج ونشر المحتوى في الفضاء الإلكتروني” الإيراني سعيد مشهدي، في فبراير (شباط) 2021، عن افتتاح مكتب للتقنيات الإيرانية في سوريا، الذي سيبث عبره “المحتوى الديني الإيراني”، مضيفاً في تصريحات لقناة “إيكنا” الدينية الإيرانية أن شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعاونت مع نائب الرئيس للعمليات والتكنولوجيا، سورنا ساتاري، خلال زيارته إلى سوريا، الذي افتتح مركزاً للتقنيات الإيرانية في البلاد.
ويشرف “حزب الله” على كافة أنشطة “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” في لبنان، ويشمل ذلك تطوير وسائل الإعلام غير اللبنانية على غرار “قناة المسيرة” التابعة للحوثيين، وتوجد أيضاً الكيانات الأخرى التي أنشأها “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” مباشرة في الضاحية ويديرها الحزب، من بينها “مركز الاتحاد للتدريب الإعلامي” ووكالة الأنباء “يونيوز” و”مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير”، المعروف أيضاً باسم “يوفيد”.
لغة التهديد والوعيد
افتتح الإعلام اللبناني عام 2021، بخطاب لأمين عام الحزب حسن نصر الله في يناير (كانون الثاني) الماضي، بتهديد يتوعد فيه، الوسائل الإعلامية التي حملت “حزب الله” مسؤولية انفجار المرفأ واتهمته بتجارة المخدرات.
وتوجه للوسائل الإعلامية بالقول “أنتم تعتدون علينا وعلى كراماتنا، تتهموننا بأشياء بشعة ومستنكَرة ومسيئة جداً، هذا الأمر لا يجوز أن يستمر بهذه الطريقة، هذا الموضوع إذا كان القضاء يعالجه فليعالجه، وإذا كان المجلس الوطني للإعلام يعالجه فليعالجه، وإذا مطلوب من الناس أن تعالجه بتظاهرات أو باعتصام فقد يأتي يوم للمعالجة… هذا أمر لم يعد يحسن السكوت عليه على الإطلاق”.
ويتطرق نصرالله في كلّ مناسبة إلى موضوع الإعلام اللبناني، من خلال توجيه جملة اتهامات، من سياسة التمويل الخارجي للإعلام اللبناني، إلى عمل الإعلام ضمن أجندة غربية لمحاصرة “الحزب”.
وكان الحزب قد اتخذ صفة الادعاء الشخصي أمام القضاء اللبناني على شخصيات ومواقع إعلامية حملته مسؤولية انفجار مرفأ بيروت.
وبعد حادثة واقعة اغتيال الناشط السياسي والباحث لقمان سليم، المعروف بمعارضته الشرسة لحزب الله، توجهت أصابع الاتهام في عدد من الوسائل الإعلامية إلى الحزب مجدداً، لا سيما أن سليم كان قد حمل مسؤولية سلامته الشخصية لشخص أمين عام “الحزب” في بيان إعلامي وزعه عقب تهديده واقتحام منزله من قبل أنصار “حزب الله”، ولصق منشورات على جدران المنزل تدعو إلى قتله.
فما كان من الحزب إلا أن أطلق حملات إعلامية في الصحف والقنوات المحسوبة عليه ومعها الجيوش الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي لتهاجم وتخون وتتوعد الوسائل الإعلامية والإعلاميين.
وترافق ذلك مع دعوة لجنة الإعلام والاتصالات النيابية التي يرأسها النائب حسين الحاج حسن، (النائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني)، إلى جلسة قال إنها “لمعالجة” ما سماه “الظواهر الإعلامية التي تراكمت خلال الفترة الماضية”.
ولفت إلى أن حرية الإعلام لا تعني بث ما من شأنه “تهديد الاستقرار والأمن الوطني وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والاجتماعية أو القدح والذم أو الافتراء، خصوصاً الجنائي غير المستند إلى تحقيق أو معلومات أو معطيات”. خرج بعدها الإعلاميون الذين شاركوا في الجلسة بانطباع أن الجلسة كانت أشبه بـ “مذكرة جلب لتوبيخ المؤسسات الإعلامية على هامش الحرية الذي انتهجته أخيراً”.
تاريخ من المواجهات لـ”حزب الله” مع الإعلام
في المقابل، شهدت السنوات الماضية مواجهات واعتداءات من قبل “حزب الله” وجمهوره على الإعلام، حيث قطعت الطرق وقامت أعمال الشغب بسبب تقليد ساخر لشخصية نصرالله في برنامج كوميدي على قناة “LBCI”، ليتكرر الأمر نفسه وللسبب ذاته عام 2013. ويتهم أنصار الحزب بالمحاولة لإحراق مبنى قناة “الجديد” اعتراضاً على انتقادات وجهت للحزب، في حين ذكرت وسائل الإعلام المحلية في لبنان أن أحد عناصره أقدم في مرحلة سابقة على إحراق مبنى قناة وصحيفة “المستقبل” التابعة لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري، خلال أحداث 7 مايو. كذلك تتهم مجموعات من أنصار الحزب باقتحام مكاتب صحيفة “الشرق الأوسط” في بيروت بحجة رسم كاريكاتوري، إضافة إلى لائحة طويلة من الاعتداءات على المراسلين والصحافيين في الشارع وبخاصة خلال انتفاضة 17 أكتوبر.
كما بات من المعلوم أنه يجب الحصول على إذن خاص من الأمن التابع للحزب عند تسجيل أي حوار أو تقرير أو التقاط للصور، في المناطق الخاضعة لنفوذه. هذا فضلاً عن حملات التخوين والتهديد اليومية التي تمارسها جيوشه الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي.