هذه الحقبة الجديدة من المواجهة بين روسيا والغرب لا تمثل عودة إلى الحرب الباردة تماماً، بل يمكن وصفها بالسلام الحار. فعلى العكس مما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة، لم يعد الكرملين يروج لأيديولوجية لها جاذبية على نطاق عالمي. صحيح أن قوة روسيا تتنامى اقتصاديا وعسكريا، لكنها لم تستطع الوصول إلى وضع القوة العظمى كما كان عليه الاتحاد السوفيتي.
كما أن العالم ليس منقسما بين اللونين الأزرق (الرأسمالي) والأحمر (الشيوعي)، ذلك الانقسام الذي كانت تدعمه التحالفات المتعارضة. فليس لروسيا سوى القليل من الحلفاء اليوم. ومع ذلك، فإن حقبة السلام الحار الحالية أحيت الذكريات المريرة للحرب الباردة في الوقت الذي أضافت أبعاداً جديدة الى المواجهة. لقد برز صراع ايديولوجي جديد بين روسيا والغرب ليس بين الشيوعية والرأسمالية، بل بين الديموقراطية والدكتاتورية.
يقول مايكل ماكفول مؤلف كتاب “من الحرب الباردة إلى السلام الحار العربي” : ما إن بدأت العمل في البيت الابيض حتى ادركت ان منع ايران من امتلاك السلاح النووي يمثل الاولوية القصوى للسياسة الخارجية لإدارة الرئيس اوباما. ولتحقيق هذا الهدف، بلورنا استراتيجية للتواصل مع القادة الايرانيين (المسار الدبلوماسي) تتبعها العقوبات (مسار الضغط على ايران) اذا فشل المسار الاول، على ان تلعب روسيا دوراً حاسماً في كلا المسارين.
في الاشهر الاولى من عام 2009، بدأنا اتصالاتنا بنظام الملالي، بمن فيهم المرشد الاعلى آية الله خامنئي. هذا النهج الدبلوماسي أتى ثماره مع روسيا وبورما وكوبا، وبعد اسابيع على تنصيبه، بعث الرئيس اوباما برسالة لخامنئي، وفي شهر مارس، سجل اوباما رسالة الى الشعب الايراني بمناسبة عيد النيروز أعرب فيها عن استعداده لمدّ يد الصداقة لإيران.
ولتحويل الاقوال الى افعال، عكفت الادارة الاميركية، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على اعداد مقترحات عملية تتعلق بالمفاعلات النووية الايرانية، اقترحت الولايات المتحدة والوكالة الدولية على الحكومة الايرانية ان تشحن اليورانيوم المنخفض التخصيب الى روسيا، التي ستقوم بتخصيبه الى مستويات اعلى وترسله الى فرنسا لتحوله الى قضبان وقود يتعذر استخدامها في صناعة قنبلة نووية.
علاقات طيبة
وكنا نعتقد ان الدور الروسي حاسم في اقناع الايرانيين بالتفاوض، لا سيما أن علاقات طيبة تربط موسكو بطهران على العكس من حالة عدم الثقة بين الولايات المتحدة وطهران حتى انه لا يوجد تمثيل دبلوماسي بين البلدين. كما ان روسيا تمتلك الامكانات التقنية لتنفيذ الاقتراح. أبلغ ميدفيديف الرئيس اوباما ان روسيا ليس لها مصلحة في حصول ايران على السلاح النووي، لكن كان لديها مصلحة في تطوير ايران برنامجاً نووياً، كما كانت ترغب في بناء المزيد من المفاعلات النووية في ايران وكان لا مانع لدى الولايات المتحدة في ذلك.
في النهاية اعتمدنا نهج تزّعم روسيا للمفاوضات النووية مع طهران ولقي هذا النهج تأييداً من الايرانيين والصينيين والاتحاد الاوروبي وحظي بدعم اوباما.
لكن استراتيجيتنا لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي ركزت فقط على القنوات الحكومية، لكن عاملاً غير منظور برز فجأة خلال صيف 2009 وعطل جهودنا الدبلوماسية، انه الشعب الايراني، فعلى مدى السنوات الخمس التالية، عملت التظاهرات المطالبة بالديموقراطية في ايران ومصر وليبيا وسوريا وروسيا، على تعقيد عملية ترميم العلاقات مع روسيا ثم تراجعها.
الحركة الخضراء
على الرغم من اتهامات البعض، فإن الولايات المتحدة لم تنشئ ولم ترع الحركة الخضراء في ايران، بل على العكس، كنا نحاول عقد صفقة مع النظام الايراني في الموضوع النووي. وكانت الحركة الخضراء تشوش علينا. وتنبأ بعض المسؤولين الاميركيين ان تدفع الحركة الخضراء، مسؤولي الحكومة الايرانية الى مزيد من التشدد في المفاوضات النووية.
كنت اعتقد شخصياً ان ولادة ايران الديموقراطية ستقضي على التهديد النووي الإيراني إلى الأبد، فخبراء الحد من انتشار الأسلحة النووية لم ينهوا الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، بل فعل ذلك الديموقراطيون داخل روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة. وكنت اعتقد أن الشيء نفسه ينطبق على إيران.
ولكن حين أطلقت قوات الأمن الإيرانية النار وقتلت المتظاهرين واعتقلت المعارضين، كنت أعتقد أن علينا عدم المساومة على مبادئنا من أجل المفاوضات النووية، فوافق أوباما على إصدار بيان يدين القتل، وبمنأى عن هذا البيان، كان هناك تصادم بين قيمنا ومصالحنا، وتغلبت المصالح في النهاية. فلم تكن لدينا أي خطة للتأثير في الأحداث الداخلية لإيران؛ لأننا لم نعتمد أي خطة لتعزيز الديموقراطية، وكان التركيز منصباً على المفاوضات النووية. وكان منع إيران من امتلاك السلاح النووي يحتل الأولوية القصوى.
دور محوري
مع نهاية صيف 2009 ظهر إجماع داخل الإدارة حول الحاجة إلى تغيير استراتيجيتنا من الانخراط إلى الضغط، وكان يبدو أن الحصول على تأييد الروس ضرورياً، لأن العقوبات على طهران ستؤثر على صادرات روسيا إليها، وخاصة مبيعاتها من الأسلحة الثقيلة.
ومن أجل الحصول على تأييد الروس لموقف تشديد العقوبات ضد إيران، كشفت لهم أن الإيرانيين يقومون ببناء مفاعل نووي للأغراض العسكرية بالقرب من مدينة قم وأنهم يخدعون حلفاءهم الروس.
واجهتنا مشكلة في التعاطي مع روسيا بشأن الملف النووي الإيراني، لم نكن قادرين على التحدث بها، وهي أنه كانت لدينا قناعة بأن صاحب القرار الحقيقي ليس الرئيس ميدفيديف بل بوتين، وللتغلب على هذه المشكلة اقترحنا فتح خط اتصال بين بوتين ونائب الرئيس جو بايدن، لكن رئيس الوزراء الروسي رفض الاقتراح من دون أن نفهم سبب ذلك الرفض. لقد كان الوضع شديد الحساسية وشديد الخطورة.
وتمكنا على هامش قمة الدول الصناعية الكبرى العشرين التي عقدت في مدينة سانت بطرسبيرغ، من إقناع الدول الكبرى بتأييد فرض عقوبات أشد على إيران، وساعدنا في ذلك الرئيس الفرنسي (آنذاك) نيكولا ساركوزي الذي لعب دوراً محورياً في إقناع المترددين.
عقوبات إضافية
وبعد التوصل إلى اتفاق مع الروس على إصدار قرار مجلس الأمن 1929 بتشديد العقوبات الدولية على طهران، وقع الرئيس أوباما على مشروع قانون يقضي بفرض عقوبات مالية من طرف واحد تستهدف أفرادا وشركات إيرانية، قال أوباما انها ستجعل من الصعب على الحكومة الإيرانية شراء النفط المكرر، فضلاً عن السلع والخدمات والمواد اللازمة لتحديث صناعة النفط والغاز في إيران، وقد حذا الأوروبيون حذونا، وأسفرت هذه العقوبات عن تجميد أرصدة إيرانية بمئات المليارات من الدولارات العائدة لإيران في البنوك الأجنبية.
وكانت موسكو مستاءة من العقوبات الإضافية من طرف واحد، وفي رسالة لأوباما في الخامس من مارس 2011 تذكر الرئيس ميدفيديف أن هذه العقوبات قد تلحق أضراراً بالشركات الروسية، واحتج وزير الخارجية لافروف في لقاء مع وزيرة الخارجية كلينتون، أن الولايات المتحدة تتجاوز روسيا، وحذر من أن العقوبات الأميركية من جانب واحد تتجاوز مبدأ سيادة القانون الدولي.
دور حاسم
لقد دفعنا ثمناً في علاقتنا مع الروس، لكنهم طوال السنوات الخمس التالية لم يحاولوا إعاقة جهودنا ضد إيران في الأمم المتحدة، كما أن الشركات الروسية التزمت بالعقوبات، وقد استغرقت العقوبات بعض الوقت لتظهر آثارها على الحكومة الإيرانية، وبعد ثلاث سنوات تم التوصل إلى الاتفاق النووي بعد رضوخ طهران.
وقد تجمعت الكثير من العناصر حتى أمكن التوصل إلى الاتفاق. أولها انتخاب الرئيس حسن روحاني، الذي اختار جواد ظريف الدبلوماسي البراغماتي وزيراً للخارجية، الذي أسهم بشكل كبير في التوصل إلى الاتفاق، كما لعبت الدبلوماسية الفاعلة دوراً كبيراً، اضافة إلى الاتصالات السرية بين البلدين.
ولكن لم يكن لأي من هذه العوامل أي تأثير دون العقوبات، فقد كان ثمة حاجة ان يشعر الملالي بالضغط قبل الانخراط في العملية التفاوضية، كما لعبت روسيا دوراً حاسماً في فرض العقوبات على الرغم من تضرر الشركات الروسية، وحتى بعد عودة بوتين إلى الكرملين، واصل الدبلوماسيون الروس الاضطلاع بدور ايجابي في المفاوضات من أجل التوصل إلى الاتفاق النووي، لقد كان لتصحيح العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا دور مهم في انجاز هذه المهمة البالغة الأهمية للأمن القومي الأميركي.
سذاجة
لقد سمح بوتين خلال سنوات اصلاح العلاقات مع واشنطن لميدفيديف بالمضي قدماً في التعاون معنا، وأظن ان ذلك يعود إلى اعتقاده بأن أوباما ربما يكون مختلفاً، لكن اندلاع ثورات الربيع العربي وتدخلنا العسكري في ليبيا، أكدا النوازع الحقيقية لبوتين حيال الأميركيين وكشفا سذاجة منهج ميدفيديف تجاه الولايات المتحدة وأن الأمور في ظل رئاسة بوتين ستكون مختلفة.
التغير على مستوى السلطة في روسيا أثار قلق اوباما. سألني الرئيس على انفراد، فقلت له إن علينا التعامل مع بوتين، ولكن بتوقعات أقل بكثير. وبدا اوباما متفقا مع هذا الرأي. لكننا جميعا كنا متفقين على أن عودة بوتين ستشكل ضربة لآمال تحقيق المزيد من الاختراقات في العلاقات الأميركية – الروسية، أو أن هذه الآمال قد تأجلت إلى حين. بوتين يختلف عن ميدفيديف وينتمي إلى جيل آخر، وهو أكثر تشككا في الولايات المتحدة وأقل رغبة في دفع العلاقات. الأمور ستكون أصعب مع بوتين.
أجندة طموحة
كانت لدينا أجندة طموحة لتطوير العلاقات مع روسيا على الرغم من ادراكنا لصعوبة المهمة. وكنت أخشى أن عودة بوتين إلى الكرملين ستجعل مهمتي كسفير أصعب. لقد نجحت في اقناع ميدفيديف وفريقه بنواياي السعي لعلاقات تعاونية مع روسيا مبنية على المصالح المشتركة. أما بوتين، فلم التقه قبل تعييني سوى مرتين. وقبل انضمامي الى العمل الحكومي، نشرت مقالات تنتقد أساليب بوتين السلطوية، وأعرف أنه لن يحبني، وحاولت الاعتذار عن قبول المنصب والبحث عن رجل آخر يكون مقبولاً للعهد الجديد في موسكو، لكن مناقشة الامر مع مسؤولي البيت الابيض اقنعتني بعدم الانسحاب؛ لأن ذلك في رأيهم سيشكل علامة ضعف من جانب أوباما.
وفي النهاية، قلت مهمتي هي تمثيل الرئيس والدفاع عن مصالح بلادي وليس بناء علاقة صداقة مع بوتين، وان معظم اتصالاتي ستكون مع وزير الخارجية أو مع مستشار بوتين للشؤون الخارجية، يوري يوشاكوف الذي أعرفه جيداً.
لم تلق أنباء نية بوتين الترشح لولاية ثالثة ترحيباً من الشعب الروسي، ففي السنوات الثماني الأولى تمكن من اقناعهم أن لديه مشروعا اقتصاديا لارساء دعائم الاستقرار، وانه كان بحاجة إلى ثماني سنوات، أما الآن فإن الامور باتت أصعب بالنسبة إلى بوتين، فالشعب أصبح يطالب بالنمو الاقتصادي والاصلاح السياسي، وبالمزيد من الحريات، لكن بوتين لم يقدم لهم أي جديد في عام 2011.
تبادل المناصب
قرار تبادل المناصب بين ميدفيديف وبوتين أغضب الكثير من شباب الطبقة الوسطى، الذين اعتبروا القرار إهانة وحرماناً لهم من حق اختيار الرئيس، لقد خذلهم ميدفيديف بعد كل وعوده بالتحديث الاقتصادي والسياسي.
أبدى معظم افراد النخبة، الذين التقيتهم في تلك الفترة، قليلاً من الحماس لعودة بوتين لاسباب كثيرة، منها أن ميدفيديف كان اكثر التزاما باقتصاد السوق، ولأن عودة بوتين ستعزز قوة انصاره على رأس مختلف المؤسسات والشركات المملوكة للدولة، كما كانوا يخشون من تفشي الفساد وضياع حقوق الملكية.
واجه إعلان بوتين نيته الترشح للانتخابات الاعتراضات من بعض كبار المسؤولين الذين عبّر بعضهم عن رأيه علانية، كما واجه استياء واسعاً على المستوى الشعبي، فقد اظهر استطلاع للرأي اجري في نوفمبر 2011 أن 34 في المئة فقط سوف يصوتون لمصلحة الرئيس بوتين في الانتخابات التي كان مقرراً اجراؤها في الربيع.
نكسة
وبعد شهر واحد، اي في ديسمبر 2011، تراجع أداء حزب بوتين (روسيا الموحدة) في الانتخابات البرلمانية على الرغم من الدعم الاعلامي والمالي الذي يحظى به من الدولة. اذ حصل على 49.3 في المئة من الاصوات، بعد ان كان قد حصل في الانتخابات السابقة على 64.3 في المئة، الامر الذي شكل نكسة كبرى للحزب الحاكم.
أدت التقارير عن وقوع تجاوزات في الانتخابات لمصلحة حزب بوتين الى خروج تظاهرات احتجاجية عارمة تزامنت مع تظاهرات الربيع العربي، فقد شاهد بوتين موجة احتجاجات تطيح بقادة دول مثل تونس ومصر واليمن وليبيا وأوشكت الاطاحة بالرئيس السوري. واشارت تحليلات اميركية الى ان بوتين ذهل على نحو خاص من سرعة تخلي النخبة، خاصة الجيش، عن مبارك، كما شعر بالقلق الشديد من قتل القذافي، فشعر بوتين بالغضب والقلق معاً من تظاهرات الاحتجاج. لقد اعتبرها بوتين خيانة له. كما انه شعر بالخوف، اذ لأول مرة يخرج المحتجون بهذه الاعداد الهائلة التي طالبت بإنهاء حكم بوتين.
عملاء للغرب
اختار بوتين قمع المتظاهرين وتشويه صورتهم واتهام الولايات المتحدة بالضلوع في هذه الاحتجاجات، وصور رموز المعارضة بأنهم عملاء للغرب، وخاصة الولايات المتحدة. لقد كان الخوف يتملك بوتين دائماً من محاولات اميركية لتقويض حكمه.
وبدأ الرئيس الروسي حتى قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2011 بالترويج لفكرة تدخل الولايات المتحدة في الوضع الداخلي الروسي. وبأن هناك من يدفع «الهبات» للمعارضين للتأثير في نتائج الانتخابات في بلادنا. واضاف ان التدخل الاميركي في الانتخابات الروسية واضح جداً بالنسبة إليه «انهم يثيرون الفوضى لدينا لتذكيرنا بمن هي القوة العظمى في هذا العالم».
وحين وقعت الاحتجاجات تعززت شكوك بوتين بشأن التدخل الاميركي ضده. واعتبر انتقادات هيلاري كلينتون للتجاوزات التي وقعت في الانتخابات البرلمانية بأنها اشارة الانطلاق للتظاهرات!
وبعد خمس سنوات انتهز الفرصة للانتقام من خلال التدخل في انتخابات الرئاسة الاميركية 2016 لترجيح كفة ترامب على كلينتون.
الانتخابات الأصعب
وصلت الى موسكو بعد عدة اسابيع على انطلاق تظاهرات ديسمبر، وعنونت صحيفة «موسكو تايمز» يومها: «وصول ماكفول لإبقاء نهج ترميم العلاقات على قيد الحياة». وبالفعل، فهذه هي المهمة التي أوكلها لي أوباما، لكن الصحافة الروسية الموالية للكرملين وضعت مهمتي على نحو مغاير، وبأن أوباما ارسلني للتآمر لتغيير النظام في موسكو، وقضيت بقية فترة مهمتي في موسكو لتبديد هذه الصورة ولم أنجح في ذلك أبداً.
وحين بدأت شخصيات اعرفها وأخرى لا أعرفها في المجتمع المدني والمعارضة السياسية تأتي إلى السفارة لزيارتي، بدأت الدعاية الحكومية تشيع أنهم يأتون إلي لتلقي المال من السفارة الأميركية والتعليمات من السفير المعين حديثاً، وزعموا انني جئت لتنظيم عملية تغيير النظام في موسكو، وأن الولايات المتحدة تمول حركة الاحتجاج الروسية. وكانت استراتيجية بوتين تتمثل في تشويه صورة المعارضة من خلال تصوير رموزها بأنهم ألعوبة بيد الغرب، وأخذ يحرض قاعدته الانتخابية ضد هؤلاء المفكرين البرجوازيين، خاصة أن البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية في عام 2012، هي الأصعب التي يخوضها بوتين على الإطلاق.
في ليلة الانتخابات التي صادفت الرابع من مارس 2012، صدرت تغريدات من حساب على «تويتر» شديد الشبه بحسابي تنتقد العملية الانتخابية قبل ان تنتهي، جن جنون الإعلام الروسي وبعض المسؤولين واتهموني علانية بالتدخل في الانتخابات الروسية.
وبعد فوزه في الانتخابات، شن بوتين حملة قمع ضد المعارضة ونجح في ذلك على المدى القصير، على الأقل، وكان اليوم الذي سبق يوم إجراء الانتخابات، أي في السادس من مايو 2012، بمنزلة نقطة تحول بين الحكومة والمعارضة. في ذلك اليوم، خرج عشرات الآلاف للتظاهر في ميدان بولوتنايا (موسكو) بالقرب من الكرملين وتصادموا مع الشرطة، وتم اعتقال 400 شخص، منهم زعيم المعارضة اليكسي نافالني. انتهز بوتين الفرصة لسن قانون يجرم التظاهر من دون تصريح، على الرغم من أن تلك التظاهرات كان مصرحاً بها. أطلق سراح نافالني لكن بقي الآخرون قيد الحبس أو الإقامة الجبرية، وأصبحت غرامة المشاركة في التظاهرات تصل إلى 9 آلاف دولار أميركي.
وظلت الولايات المتحدة هدفاً لبوتين، بعد إعادة انتخابه، وصورت الدعاية الروسية أميركا دولة امبريالية تهدد الاستقرار العالمي وتنتهك سيادة الدولة، واتهمتنا روسيا بأننا نقف وراء اندلاع ثورات الربيع العربي، ولكن الصحيح اننا شاركنا في الحرب ضد القذافي ودعمنا المعارضة للأسد، بعد اندلاع الثورات ضد هذين الزعيمين فقط، ولكننا لم نبدأ أيا من هذه الانتفاضات، كما لم نقصف قوات الأسد ولم ندعم «داعش» أو أي مجموعة ارهابية أخرى في سوريا، كما زعمت وسائل الإعلام الروسية التي تخضع لسيطرة الدولة.
تغيير دراماتيكي
يقول المؤلف: خلال الفترة من مايو 2011 حين كلفني أوباما بمنصب السفير الأميركي في موسكو لاستكمال إصلاح العلاقات بين البلدين ووصولي فعلاً إلى العاصمة الروسية في يناير 2012، تغير المشهد السياسي في روسيا بشكل دراماتيكي، فقد أعلن بوتين ترشحه لانتخابات الرئاسة للفترة الثالثة، وانطلقت موجة من التظاهرات الشعبية ضد الحكومة الروسية، هذان الحدثان وضعا حدا لعملية اصلاح العلاقات بين البلدين، فلم يكن للحكومة الأميركية أي تأثير أو سيطرة على أي من الحدثين اللذين سيصوغان فترة تولي منصب السفير.
في الرابع والعشرين من سبتمبر 2011، أعلن بوتين خوض الانتخابات الرئاسة التي كان من المعروف انه سيفوز فيها حتماً وسيعود ميدفيديف، شريكنا الأكبر لإصلاح العلاقات، إلى منصب رئيس الوزراء، كنا نحاول في العلن التقليل من أهمية ذلك على العلاقات الأميركية – الروسية، في هذه الأثناء نقلت صحيفة نيويورك تايمز تصريحات لمسؤول أميركي رفيع المستوى قال فيها ان الجميع يعلم ان بوتين هو الذي يحكم روسيا، وان ميدفيديف هو مجرد واجهة ولا يمتلك صلاحيات سياسية مستقلة، فلماذا ستشكل عودة بوتين إلى الكرملين أي تغيير؟
لكني كنت أقول في الاجتماعات الخاصة ان عودة بوتين سوف تعقد العلاقات مع الحكومة الروسية، فبوتين المدرب كضابط مخابرات في «كي.جي.بي» لديه رؤية للعالم تختلف عن رؤية ميدفيديف، وفي أوقات العلاقات الجيدة بين البلدين كان بوتين يعتبر الولايات المتحدة منافساً لبلاده، ولكن في أسوأها كان ينظر إليها عدواً.
المؤلف مايكل ماكفول
بروفيسور العلوم السياسية ومدير معهد فريمان سيوغلي للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد وباحث في مؤسسة هوفر. عمل في مجلس الأمن القومي في عهد أوباما ثم سفيرا للولايات المتحدة في موسكو. ألف وشارك في تأليف عدة كتب منها: «ثورة روسيا غير المكتملة».
وهو محلل سياسي لمحطة «إن. بي. سي» ويكتب في «واشنطن بوست».