الإستنفار لانتخاب المغتربين طبخة بحص بشهادة الأرقام والوقائع
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
“أسمع ضجيجاً ولا أرى طحيناً” هو واقع حال تعاطي المسؤولين ورؤساء الاحزاب مع تصويت المغتربين في بلدان انتشارهم على مشارف الانتخابات النيابية. تصريحات ومواقف تحث المغتربين على تسجيل اسمائهم للاقتراع في دورة الانتخابات المقبلة، ومحاولة شد العصب وتكبير الحجر حتى يخال للمرء ان اصوات المغتربين ستقلب الميمنة على الميسرة في الانتخابات المقبلة، بينما لا تعدو قصة انتخاب المغتربين والسجال الحاصل بشأنهم في قانون الانتخاب اكثر من طبخة بحص، فالمغترب لن يكون بيضة القبان في الدورة الانتخابية المقبلة بالنظر لتدني نسب المقترعين وتراجع الحماس، وهذا ما تؤكده الارقام والوقائع.
عشية انتهاء موعد إغلاق باب التسجيل لاقتراع المغتربين، بلغ عدد المسجلين عموما 109824، توزعوا على الشكل التالي: أوقيانيا: 10118، أميركا اللاتينية: 2582، أميركا الشمالية: 23277، أوروبا: 36997، أفريقيا: 9850 وآسيا: 27000 وهو العدد الاقل على ما تظهر الارقام.
أقرّ مجلس النواب، تشريع تصويت المغتربين لـ128 نائباً وألغى المادة التي تمنح المغتربين حق انتخاب ستة نواب في الخارج. كانت التعديلات التي اضيفت على قانون الانتخاب مثار جدل وانقسام واسعين بين الاحزاب السياسية، حيث احتلّ اللبنانيون من غير المقيمين صدارة اهتمام الاحزاب السياسية، التي تعتبر ان لهؤلاء حقهم في انتخاب من يمثلهم في الخارج وليس انتخاب 128 نائباً، وجهة نظر اخرى اعتبرت ان حقهم مصان اكثر بتحويلهم الى عنصر مشارك وفعال في انتخاب 128 نائباً. حالياً ليست محسومة بعد وجهة القانون بعد اقراره، مع تقدم “التيار الوطني الحر” عما قريب بالطعن في التعديلات التي اضافها مجلس النواب على قانون الانتخاب لناحية حق المغتربين.
دخل اللبنانيون من غير المقيمين البازار السياسي من أوسع أبوابه. أول المهتمين هم الاحزاب المسيحية التي تولي اهمية لحشد اصواتهم وحثهم على التسجيل، على اساس ما يشكلون من قوة تغييرية مهمة، فيما تتعاطى احزاب اخرى ببرودة تامة لسببين: الأول عدم حاجتها الى اصوات هؤلاء في مناطق نفوذها حيث التأييد الواسع وصعوبة الخرق، والثاني تجنباً لاحراج هؤلاء في التعبير عن خياراتهم السياسية ما قد يعرض مصالحهم ووجودهم حيث هم للخطر، ولكن ما حقيقة ان يشكل المغتربون فرقاً في نتائج الانتخابات بحيث يمكن ان تحدث تبدلاً في خريطة النواب في البرلمان، في ما لو شارك هؤلاء في العملية الانتخابية من أماكن إقامتهم؟
بدليل الارقام فان اقتراع غير المقيمين لم يكن ليحدث فرقاً في النتائج التي لم تكن مشجعة حيث شهد استحقاق العام 2018، مشاركة خجولة، إذ بلغ عدد الناخبين المسجّلين في الخارج 82965 ناخباً اقترع منهم 46799 مقترعاً، بلغت نسبة اقتراع غير المقيمين 57.2 بالمئة من إجمالي المسجّلين، بنسبة لا تزيد عن 2.5% من إجمالي المقترعين الموزعين في كل الدوائر.
في الموسوعة الانتخابية التي اعدها الباحث الانتخابي كمال فغالي عن انتخابات العام 2018 ورد في قائمة المستفيدين من اقتراع المغتربين:
– “القوات اللبنانية”، “التيار الوطني الحر”، “الطاشناق”، “جمعية المشاريع الإسلامية” ولوائح المجتمع المدني التي حققت فارقاً إيجابياً في كل الدوائر.
– “حركة أمل” التي حققت فارقاً ايجابياً في معظم الدوائر.
في حين تضرر من اقتراع المغتربين:
– “حزب الله” الذي حقق فارقاً سلبياً في كل الدوائر باستثناء بيروت،
– “تيار المردة” الذي حقق فارقاً سلبياً في كل الدوائر،
– “تيار المستقبل” الذي حقق فارقاً سلبياً في كل الدوائر باستثناء صيدا،
– “الحزب السوري القومي الإجتماعي” الذي حقق فارقاً سلبياً في كل الدوائر باستثناء عكار،
– “المرشحون المستقلون” الذين حققوا فارقاً سلبياً في غالبية الدوائر.
وفي العودة الى المسجلين لدورة الانتخابات المقبلة عن العام 2022 يبدو ان نسبة المسجلين من المغتربين الشيعة لم تختلف عن الدورة الماضية حيث لم تسجل مشاركة كبيرة، وذلك مرتبط على الارجح بكون الاحزاب السياسية الاساسية اي الثنائي “حزب الله” و”حركة امل”، متمكنين من شارعهما وقوتهما الانتخابية في مناطق نفوذهما، مما ينفي حاجتهما لمشاركة المغتربين، فضلاً عن عامل مهم وهو عدم رغبة هؤلاء في المشاركة تجنباً لمعاقبتهم على خيارهم الانتخابي، ولذا وجدوا من الافضل ان يعود هؤلاء للادلاء بأصواتهم بحرية في لبنان، وحيث تدعو الحاجة في مناطق كالبقاع الشمالي مثلاً. واذا كانت الاميركتان واوروبا تقدمت اعداد المسجلين من غير المقيمين وغالبيتهم من المسيحيين، فإن افريقيا حيث النسب الاعلى من غير المقيمين الشيعة لم تشهد اقبالاً كبيراً على التسجيل، ففي الكونغو مثلاً لم يسجل اكثر من 260 لبنانياً من اصل 5000، بما لا يعكس اقبالاً واسعاً، وفي الدورة الماضية لم تتجاوز نسبة المقترعين 302 ناخب من اصل 7000. والمتعارف عليه ان اعداد المسيحيين المتواجدين في الخارج تفوق اعداد المسلمين، ولذا عادة ما تكون نسبة اقتراع المسيحيين اعلى من نسبة الناخبين المسلمين.
وبتأكيد مسؤولي الاحزاب والمنسقين في بلاد الاغتراب فان الحركة الانتخابية انطلقت ولكن بدرجات متفاوتة. تحل “القوات” و”التيار الوطني الحر” في المراتب الاولى من حيث العمل على حث اللبنانيين على التسجيل للمشاركة في العملية الانتخابية، فيما لا يزال الثنائي الشيعي يتعاطى ببرودة نوعاً ما، وهناك اطراف سياسية لا تضع ثقلها في حشد غير المقيمين كـ”تيار المردة” والاسباب كثيرة، اولها عدم وجود امكانيات مالية. أما “تيار المستقبل” فإن المسؤولين فيه يعملون باهتمام بالغ ولافت. ففي حين تتأكد يوماً بعد يوم نية زعيم التيار سعد الحريري في عدم الترشح، فان “المستقبل” يبدو ناشطاً اغترابياً ولا يقتصر تواصله على ابناء طائفة بعينها خلافاً للاحزاب الاخرى.
ونتيجة الظروف في لبنان تزايد عدد اللبنانيين غير المقيمين في الخارج، لكن في المقابل تزايُد شعور هؤلاء باليأس سينعكس حكماً على عدم الحماس للتسجيل والمشاركة، فضلاً عن عامل الخوف من فقدان الملاذ الاخير لهم في الغربة بعد ان خسروا وطنهم الام.
خلاصة القول انه وعلى ما يبدو فان الحشد السياسي والاستنفار الحزبي في ما يتعلق بانتخاب اللبنانيين غير المقيمين لن يؤتي اكله، لا في تزايد اعداد المسجلين التي لا تزال ضئيلة رغم قرب انتهاء المهلة القانونية، ولا في اعداد المقترعين، فلا القانون منصف ولا ارقام المشاركة تؤشر الى التغيير المنشود، هذا من دون الغوص في علّات قانون الانتخاب.