جولة “أوّليّة” في السعودية على محنة لبنان “المصادَر”
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

كثّفت مجموعات لبنانية من المقيمين في عدد من الدول الخليجية، لا سيما في المملكة العربية السعودية، عمليات التسجيل على المنصة الانتخابية الخاصة بالمغتربين، من أجل المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة.

وتضاعفت أرقام المسجلين عمّا كانت عليه في الدورة السابقة، على الرغم من تشكيك كثيرين بإمكان حصول الانتخابات.

وبحسب بعض من سجّلوا أنفسهم على المنصة، فإنّ هدفهم الأساس يتخطى مفهوم المشاركة في الانتخابات ليصل الى مستوى توجيه رسالة الى الدول التي تستضيفهم بأنّهم مستاؤون من النهج الذي تعتمده الأكثريّة النيابية في لبنان المنضوية تحت راية “حزب الله”، وتالياً فهم جزء لا يتجزأ من ديناميكية التغيير الضروري.

وقد تلمستُ، في الأيّام الثلاثة الأخيرة من إقامتي في الرياض، في سياق زيارة عائلية – سياحية، من خلال عيّنة معتبرة، مدى قلق اللبنانيين المقيمين في الرياض على مستقبلهم، في ضوء التطورات التي أدّت الى قطع السعودية وعدد من الدول الخليجية علاقاتها الدبلوماسية والتجارية بلبنان.

وعلى الرغم من تكرار التأكيدات الرسمية السعودية بالفصل بين النظرة الى اللبنانيين العاملين فيها والنظرة الى الحكومة اللبنانية التي يتحكّم بها “حزب الله”، إلّا أنّ هؤلاء يخشون من أن ينعكس، في غفلة من الزمن، سلوك “محور الممانعة” سلباً عليهم، ايماناً منهم بأنّ “حزب الله” الذي يستخف بالكارثة التي تصيب أهاليهم في لبنان، لن يحرص على ألّا يتسبّب بكارثة لهم، ظهرت واحدة من معالمها في توقّف الكويت عن منح كل أنواع التأشيرات للبنانيين، بعد اكتشاف سلطاتها شبكة إرهابية مرتبطة، وفق التحقيقات، بـ”حزب الله”.

ويعتبر هؤلاء أنّهم، في وقت يئسوا فيه من قدرة السلطات اللبنانية على إصلاح ما أفسده “حزب الله” وما يمكن أن يُفسده، فإنّ عليهم بذل ما يكفي من الجهود، لإثبات معارضتهم لهذا النهج، ويدرجون الاستعداد للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، كخطوة في هذا المسار “التصحيحي”، بحيث يقابلون “الكلمات الطيّبة” التي يبلّغهم إيّاها السعوديون، بفعل تغييري ديموقراطي.

ووفق هؤلاء اللبنانيين، فهم حتى الساعة يسمعون من الجهات السعودية التي يتعاملون معها ما يمكن تلخيصه بالآتي: أنتم ضحايا “حزب الله” والمخططات الإيرانية، وتدابيرنا ضد دولتكم الخاضعة لهذه المخططات، تهدف الى منع بلادنا من أن تكون، بدورها، ضحية لذلك.

وقلق اللبنانيين على أنفسهم ممّا جنته سلطة بلادهم عليهم مبرّر. وسائل الإعلام السعودية، على اختلافها، تسلّط الضوء، بوتيرة شبه يومية، على المخاطر التي يصدّرها لبنان الساقط في قبضة “حزب الله” إليهم، سواء على المستوى الاستراتيجي، من خلال الدعم العسكري لـ”حوثيّي” اليمن أم على المستوى المجتمعي، من خلال محاولات إغراق المملكة بالمواد المخدّرة.

ووفق صحيفة “الرياض” التي سلّطت، في صفحتها الأولى، في عددها الصادر أوّل من أمس، الضوء على هذا الموضوع، لا تتعاطى السلطات السعودية مع تهريب المخدّرات إليها، على قاعدة جنائية – ربحية، بل على أساس أنّه جزء من خطة الحرب الإيرانيّة على المملكة العربية السعودية.

ولسان حال المسؤولين السعوديين يشير الى أنّ “لبنان بات مصدر حرب مباشرة ضد السعودية حكومة وشعباً، ونحن نعلم أنّ “الحرس الثوري الإيرانيّ” يستعمل شبكات تهريب المخدرات في حربه ضد خصومه وفي توفير التمويل اللازم له ولميليشياته مثل “حزب الله” في لبنان و”الحوثي” في اليمن وغيرهما”.

وبغض النظر عن حجم المساعدات المالية المباشرة التي قدّمتها للبنان منذ العام 1990 حتى الأمس القريب، وفاقت السبعين مليار دولار أميركي، فإنّ المهارات اللبنانية تنظر، باهتمام وجودي، الى المملكة العربية السعودية التي تشهد ورشة تطوير إنمائية وإعمارية وثقافية قد تكون الأكبر في العالم، وهذا ما تشهد عليه المشاريع الضخمة التي تنتشر في مختلف أنحاء الرياض وتستقطب اهتمام غالبية دول العالم، بحكوماتها وشركاتها وكفاءاتها.

من حق اللبنانيين الذين يجدون في السعودية حاضرهم ومستقبلهم أن يخشوا على أنفسهم من دولتهم التي بدل أن تبذل ما يكفي من جهود لحمايتهم، تظهر عاجزة أمام مخطط “حزب الله” الذي بات يشكّل خطراً كبيراً ليس على وجودهم وحياتهم وارتباطاتهم ومصالحهم فحسب، بل على سمعتهم أيضاً.

إنّ لبنان في السعودية وغيرها من دول الخليج لم يعد يحكى عنه، على قاعدة أنّه بلد الحرية والجمال والفن والإبداع والثقافة، بل على أساس أنّه بلد الميليشيات والمخدرات والعجز والفساد.

وكلّما قارنتَ ما ينطق به سياسيو لبنان عموماً و “حزب الله” خصوصاً بما يصيب اللبنانيين، سواء أكانوا مقيمين أم مغتربين، بسببهم، تدرك أنّ الكارثة في مكان وهؤلاء في أماكن أخرى.

ولم يصب أحد في توصيف هؤلاء كما أصاب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر، في مقابلة مع “رويترز” في ختام مهمة استمرت أسبوعين لدراسة الفقر في لبنان: “يعيشون في عالم خيالي… وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة الى مستقبل البلاد”.

إنّ من يُحصي الخسائر الفادحة التي أصابت اللبنانيين وتصيبهم، والكارثة التي تلحق بسمعة لبنان، لا يساوره الشك في أنّ كل من يستسلم للنهج المتّبع، يستحق الإعدام في الساحات العامة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى