أردوغان «الجديد»: مُساومات أم.. «استدِارات» مُؤقتة؟
بقلم: محمد خرّوب
النشرة الدولية –
لفتت المواقف الجديدة التي أعلنها الرئيس التركي أردوغان, في شأن سياسته الشرق أوسطية خصوصاً العربية, والانفتاح النسبي الذي استبطنته تصريحاته الصحافية الأخيرة أنظار المتابعين للمشهدين.. الإقليمي والدولي.
في الوقت ذاته الذي ما يزال أردوغان فيه يحاول ضبط الانهيار الكارثي المتدحرج لليرة التركية في مواجهة الدولار الأميركي، خاصّة أنّه ما يزال يتمسّك برأيه بشأن استمرار خفض سعر الفائدة، رغم معارضة الذين جاء بهم إلى قيادة البنك المركزي وقيامه لاحقاً بإقالتهم بعد أشهر قليلة من تعيينهم، ما عكسَ ضمن أمور أخرى اضطراباً في الرؤية الرئاسية التي تلحظ حجم الانعكاس السلبي لهذه السياسة الاقتصادية المُرتبكة، والمتمثلة بارتفاع مستوى التضخم وأسعار السلع واتّساع دائرة الفقر والبطالة، دفعت جميعها إلى خروج مظاهرات احتجاج شعبية, مرشحة هي الأخرى إلى الاتّساع أفقياً وعمودياً.
ما علينا..
تطبيع العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي بعد طول تنافس، بل تنافر وصل تخوم القطيعة، أسّس كما يبدو إلى فصل جديد في الدبلوماسية التركية, كشفتها تصريحات أردوغان لقناة تلفزيونية تركية/TRT وإعلانه أنّه سيفعل ذلك (أي تطبيع العلاقات) مع مصر وإسرائيل (ويُتوقع ربما لاحقاً أو بالتوازي مع السعودية)، ما يدفع للتساؤل عمّا إذا تخلّى الرئيس التركي عن مخططاته ومشروعاته الإقليمية السابقة، خاصّة أنّ القطيعة التي ميّزت علاقاته مع مصر لم تكن فقط في شأن موقفه من سقوط نظام الإخوان المسلمين في المحروسة, بل تجاوزتها إلى ملفات إقليمية ساخنة مثل ليبيا وسوريا فضلاً عن قطاع غزّة والعلاقة مع حركة حماس، زد على ذلك مسألة خلافاته (المُعلنة على الأقل) مع دولة الاحتلال, وتذبذب تلك المواقف بين التوتر ومحاولة رأب الصدع, فيما تواصلت كما هو معروف ومُعترف به لدى الجانبين التركي/والصهيوني.. العلاقات الأمنية/الاستخبارية وتلك التجارية التي تجاوزت حدود خمسة مليارات دولار. مع استمرار الرحلات السياحية الإسرائيلية إلى الشواطئ التركية وإن بأعداد أقل جراء جائحة كورونا, إلى أن جاءت «حكاية» الزوجيْن الإسرائيليْين اللذيْن تمّ احتجازهما بتهمة تصوير بيت الرئيس التركي، ثمّ ما طرأ من تحسّن مفاجئ على علاقاتهما بعد إفراج أنقرة عنهما, بتدخّل من الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ ولاحقاً اتصاله الدافئ مع رئيس الحكومة بينيت، ما أسهم في انفراج واضح في علاقاتهما بدأه بالطبع أو ربما اغتنمه أردوغان, الذي يسارع الآن إلى شمل إسرائيل بمواقفه الجديدة «المُطبّعة» مع عواصم عربية.
هنا -على سبيل المثال- تقول صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: إنّ أردوغان لم يغادر المنطقة بأحلامه ومشروعاته، فهل تغفل العواصم العربية المعنية عن ذلك؟
بالتأكيد لا، لكن وعلى قاعدة أن «لا عداء دائماً ولا صداقة متواصلة، بل هي المصالح تتقدم»، يمكن تفسير ما حدث ويحدث. ما يجعل التنبؤ بنجاح استدارة أردوغان أو فشلها مسألة صعبة. خاصّة أنّ تنازلات مطلوبة من الأطراف كافّة, وهذا يعتمد على حجمها وأكلافها وتواريخ استحقاقها. إذ لم يتمّ إغلاق ملفات الخلاف ناهيك أنّ الوصول إلى تنازلات كهذه, يستوجب لعبة معقدة من المساومات قد يطول أمدها، فيما يمكن أن تستجدّ مواقف أو تحدث تغييرات إقليمية/أو دولية قد تسهم في تسريع عملية تطبيع العلاقات أو تطيحها بشكل نهائي.
على سبيل المثال في حال نجحت الجولة السابعة أو الثامنة المُرجّحة من مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني, أو بدأت تظهر مؤشرات على أنّ نجاحها بات مسألة وقت ليس إلا. ما سيُسهم في إحداث تغيير على موازين القوى، ونحسب أن تركيا ستكون أكثر المتضررين منه على أكثر من صعيد، خاصّة في الملف السوري (ربما ليبيا حال تأكّد موعد الانتخابات في 25 الجاري). وإذ من المبكر التكهن بالمدى الذي سيذهب إليه أردوغان في «تطبيع» علاقاته مع الدول الثلاث المعنية، مصر، السعودية وإسرائيل. وما إذا كانت تلك الدول ستُبدي حماسة في هذا الشأن أو تلجأ إلى دبلوماسية الانتظار لمعرفة ما سيحدث في فيينا، فإنّ ما لفت الانتباه أيضاً هو «العرْض» غير المسبوق الذي قدّمه أردوغان لـ”التوسّط» بين «موسكو/وكييف”, وكيف سارعت الأولى/موسكو إلى إعلان أن ليس لديها مشكلة مع أوكرانيا, بل هي مشكلة أوكرانية داخلية، أي بين حكومتها وجزء من شعبها (في الدونباس), إضافة إلى أنّ موسكو تعتبر أنقرة أحد أطراف النّزاع في المنطقة، كونها تزوّد أوكرانيا بالأسلحة خاصة الطائرات المُسيّرة، فضلاً عن تضارب في المصالح والرؤى بين موسكو وأنقرة, سواء في ليبيا أم خصوصاً في سوريا وآسيا الوسطى حيث أطماع أردوغان في القوقاز ودول آسيا الوسطى, وأحلامه بالوصول إلى بحر قزوين عبر حليفته أذربيجان, بعدما ساندها في حرب ناغورنو كاراباخ الأخيرة.