عقل وقلب المنتفع الأكبر
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
انتهى «عقد الإدارة BOT» لإحدى القطع من منطقة صبحان التخزينية مع الشركة المديرة وأعيدت الأرض، بما عليها، إلى هيئة الصناعة.
اكتشف أحد «المنتفعين» بمخازن المنطقة أن الشركة المديرة قامت بأخذ كل عدادات الكهرباء معها، وأبقت التيار الكهربائي موصولاً إلى كل المخازن مجاناً.
إحساس هذا «المنتفع» بالمسؤولية دفعه إلى رفض الوضع، ليس فقط لما يمثله من سرقة للمال العام، بل وأيضاً لعدم أخلاقيته، وقام بإبلاغ مسؤولي وزارة الكهرباء بالأمر، لكنهم تجاهلوه.
لم ييأس المنتفع بل زاد من جهوده، مواجهاً مصاعب جمة، ووجد من ينصحه بترك الوضع على حاله طالما أنه مستفيد من تيار كهربائي بالمجان، لكنه أصر على إكمال رحلة عذاب مكلفة أخذت منه جهداً ووقتاً في مراجعة عشرات المسؤولين على مدى سنوات، واضطر في النهاية إلى دفع مبلغ يقارب 30 ألف دينار لعمل مخططات جديدة للمنطقة ولكهرباء كل مخزن، إضافة لرسوم تركيب العدادات والتأمين، وكل ذلك من أجل إرضاء ضميره وتعديل وضع غير قانوني ولا أخلاقي، وارتاح بعد أن تم في النهاية تركيب العدادات لمخازن المنطقة، والبدء باحتساب تكلفة استهلاك الكهرباء، بعد ضياع مال عام بعشرات ملايين الدنانير.
***
سيُفاجئ موضوع هذا المقال بعض مستغلي قسائم تلك القطعة في صبحان، الذين كانوا يحصلون على التيار الكهربائي مجاناً لسنوات، وكان من الممكن استمرار الوضع للأبد، لولا «لقافتي» وتدخلي!
***
يبدو الكلام أعلاه ضرباً من الخيال، أو الخبال، في بحر الفساد واللامبالاة اللذين يعيش فيهما المجتمع. فالكل يريد أن ينهب، والكل يريد فيلا وشاليهاً، والكل يريد جاخوراً وقسيمة صناعية، والكل يريد مزرعة في العبدلي أو الوفرة!
ومن الغريب بالتالي أن يقبل مواطن بملاحقة قضية مرهقة جسدياً ونفسياً ومكلفة مالياً، وعلى مدى أربع سنوات، من دون أن يكل أو يمل، لكي يرتاح نفسياً!
فما الذي دفعه إلى القيام بذلك؟ وما هي مصلحته؟ وهو الذي سيضطر في النهاية إلى دفع ثمن غال لتعديل وضع غير صحيح، وسيجبر بعدها على دفع ثمن استهلاك تيار كهربائي كان يحصل عليه مجاناً.
***
الشهود على الكلام أعلاه، وعلى كل هذا الإهمال الحكومي، هم وكيلا وزارة الكهرباء (السابق) محمد بوشهري، و(الحالي) جاسم النوري، وثلة من الوكلاء المساعدين الآخرين، الذين لم يبذلوا ما يكفي من جهد لحل المشكلة. كما يعلم بالأمر وزير الكهرباء الحالي الأستاذ مشعان العتيبي، الذي لولا تدخله ومساعدته، وكذلك تدخل ودعم وزير العدل ونائب رئيس الوزراء الأخ الفاضل عبدالله الرومي، وجهود هيئة الصناعة، ممثلة بالمدير العام، وبالمهندس الشهم خالد خاطر، لما أغلق ملف هذا الموضوع ولما تحقق الوفر الكبير!
ومعذرة لكل المنتفعين بمخازن القطعة إياها، الذين سيضطرون أخيراً إلى دفع استهلاك كهرباء مكاتبهم ومخازنهم وبراداتهم!
***
ليس الغرض من هذا المقال ادعاء الوطنية، فلست بحاجة إلى ذلك، وما أنا إلا مواطن محب لوطنه، ولكن سعيت ودفعت الكثير لكي أثبت للمخدوعين بالرموز الجديدة بأن من يدّعون الوطنية، وأنهم أبطال الأمة وصوت أغلبيته وشرفاء مكة، وأن أيديهم غير ملوثة بسرقات المال العام، ليسوا بالضرورة بتلك الصورة النقية! فالفساد الذي خرّب البلاد على مدى نصف قرن أو أكثر، خصوصاً في السنوات الأخيرة، لم يتمثل فقط في السرقات المالية، بل وأيضاً في أشكال أكثر خطورة وأكثر ضرراً.
فسكوت من لم تمتد أيديهم إلى المال العام، كما يدعون، عن مشكلة التيار المجاني، هو الفساد بعينه.
كما أن سعي «الشرفاء»، الذين لم يسرقوا «المال العام» يوماً، لتوظيف من لا يستحق، من ناخبيهم وأهاليهم، في أخطر المناصب، هو عين الفساد!
وتوسط «شرفاء مكة» لإخراج المضبوطين، من أبناء القبيلة أو الطائفة، من المخافر بتهم اقتراف جرائم وجنح ومخالفات مرور، هو والفساد سواء.
فكل أفعالهم جريمة بحق الوطن وتخريب لنفوس من لا ظهر لهم، حتى ولو لم تمتد أيديهم إلى مال الدولة العام.
فمن يعطّل مصالح المواطنين موظف فاسد، حتى لو لم يسرق يوماً ديناراً. وقائمة من تنطبق عليهم صفة «فاسد»، ممن لم يسرقوا المال العام، بالمعنى المعروف، طويلة جداً!