الصحافيّة العراقيّة جمانة ممتاز: عملنا محفوف بالمخاطر وثمّة تشكيك مسبق بكفاءة المرأة
النشرة الدولية –
النهار العربي – روزي الخوري –
في عالم الإعلام العراقي لها بصمتها، وتسعى إلى بصمة مماثلة في عالم الرواية أيضاً. هي الصحافية العراقية جمانة ممتاز التي تجد في المجال الأدبي عالمها العميق. قدّمت برامج تلفزيونية عديدة وتضع نصب عينيها حقوق الإنسان والحريات العامة. حملت لواء ملف الانتحار، وهو أحد أكثر الملفات المؤرقة لها، وكتبت عنه في مؤلفها الذي سيصدر قريباً، وقبله تناولت في كتاب لها قضيّة العنف الأسري.
عن عالمها الأدبي والإعلامي والإنساني تحدثت الى “النهار العربي”.
- أين تعبّرين عن نفسك أكثر في مهنة الإعلام أم الكتابة؟ وما قصّة الرواية الثانية التي ستنشر قريباً؟
– بعيداً من الإعلام، أستطيع أن أصف الأدب بأنه عالمي العميق، حيث أعبّر بحرية عن انفعالاتي ومشاعري ومخاوفي والقضايا التي تشغل تفكيري، من دون أن يمارس علي أحد دور الرقيب القهري. وأحياناً أضيع لأني لا أعرف من منا يعبّر عن الآخر، هل الشخصيات التي أكتب عنها تستخدمني وسيلة لنقل معاناتها، أم أنني أتخفى خلفها للحديث عما يؤرقني؟ الشخصيات التي أكتب عنها هي في الغالب واقعية وقد تكون من عوالم مختلفة، لكني أجمعها في رواية واحدة.
أوّل رواية لي كانت بعنوان “فوضت أمري للنسيان”، وتتحدث بلسان شابة تعاني العنف الأسري والمجتمعي، أما اليوم، فقد انتهيت من روايتي الثانية بعنوان “أخف من الحلم”، وأنا في صدد التعاقد مع دار نشر، وتناولتُ فيها قضية انتحار النساء وتداعيات الحروب على المجتمع النسوي، وهذا موضوع سبق أن أعددت تحقيقاً صحافياً عنه ولكني لم أكتفِ، وظل عالقاً في رأسي وشعرتُ بأنه لا بد من أن أصف ظروفه الفظيعة بلغة أدبية تفيض عاطفة إنسانية، وليس مجرد حديث صحافي إخباري معلوماتي بلا مشاعر. لا بد أن نقترب من هؤلاء النساء المقهورات ونعرف الأسباب الخفية التي تدفعهن الى التفكير في إنهاء عذاباتهن بهذه الطريقة.
- أنت من المدافعين عن حرية التعبير في العراق، إلى أيّ مدى هذه الحرية مصانة، خصوصاً في الإعلام؟
– لا نستطيع أن نقول إن حرية التعبير في الإعلام معدومة، هناك مساحة لا يستهان بها من الحرية، ولكنها أحياناً تأتي ضمن الفوضى التي تسود الإعلام العراقي، إذ يستطيع أي شخص أن يمسك الهاتف ويكتب أو يصور نفسه ويقول ما يشاء، شرط ألا يتحدث عن الفساد، ولا عن أداء بعض الشخصيات السياسية أو بعض الأحزاب وأجنحتها المسلحة، فهذه القضايا تعتبر خطوطاً حمراً لا يمكن مقاربتها. يراد منا أن نسكت ونتفرج على انهيار أوطاننا دونما تعليق. أما ما دون ذلك، أو أي شيء يمس هيبة الدولة أو النسيج الاجتماعي أو الهوية الوطنية فلا أحد يعيره الاهتمام! وهذا لا يعتبر حرية تعبير، بل حرية تدمير، هذا الإفراط في تحطيم كل الرمزيات الوطنية والعلاقات الاجتماعية يغذي المواطنين بالإحباط والخذلان. ولكن في المقابل إذا تم نقد الخطوط الحمر ولو بشكل بنّاء ولمصلحة الوطن فهذا يعني أن الصحافي أو المدوّن أو الناشط سيلاحق.
- برامج عديدة قدّمتها في إطار دفاعك عن حقوق الإنسان، أيّ قضية هي الأكثر إلحاحاً لمعالجتها؟ وهل تلقى هذه المطالب آذاناً صاغية؟
– كل القضايا الإنسانية في حاجة الى خطط وطنية للحد منها، لأن كل قضية أو ملف إنساني فيه ضحايا ينتظرون من يربت على أكتافهم ويخفف عنهم وطأة مأساتهم ويحل مشكلاتهم، بدءاً من ملف الأطفال الى النازحين الى العنف الأسري والفقراء. في النهاية ماذا يريد الناس أكثر من مكان يؤويهم وعمل يؤمن حياتهم وقانون يحميهم؟ إذا استطاع أي بلد أن يوفر الحاجات الأولية والأساسية للناس فإن الكثير من المشكلات ستخف.
أعتقد أن موضوع النساء من أهم المواضيع التي تحتاج الى دعم حقيقي وخطة وطنية لحماية المرأة. أنا لا أتحدث عن النساء اللاتي يتمتعن بهامش من الحريات مثلي أو مثلك، بل عن نساء مجبرات على السكوت وتحمل عناء الحياة وتحدياتها بأنين صامت. واحد من أكثر الملفات التي أتعبتني نفسياً وكتبت عنه هو أسباب الانتحار، وقد اكتشفت من خلال العينات التي بحثت في قصصها أنها مرتبطة ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر بتداعيات الحروب. عاش العراق 4 عقود من الحروب والصراعات الطاحنة، وكل حرب أو صراع يخلّف العديد من المشكلات الاجتماعية المعقدة التي عادةً تتحمل المرأة العبء الأكبر فيها، لأن المجتمع أولاً يفرض عليها قيوداً من ناحية العمل أو الدراسة أو الظهور، وحتماً في اختيار الشريك المناسب، فتخيلي أن تكون أم أرملة أو مطلقة أو معنفة أو مراهقة من عائلة منهكة أو مفككة أو شابة في حاجة الى حماية! ما أريد أن أقوله إن الضغط عامل مخيف لأنه قد يدفع بعض النساء للتفكير في الموت.
ستسألينني لماذا قلت أنا أو أنت نتمتع بهامش من الحريات؟ لأننا إذا كنا نحظى بالحرية داخل عائلاتنا فنحن نصطدم بالتضييق من المجتمع أو في العمل أو من منظومة القوانين!
- حصلت على لقب أفضل إعلامية من فئة الشباب عام 2014، ما الذي خوّلك الحصول على هذا اللقب؟ وكيف تطوّرتِ في المهنة بعده؟ وبين تقديم البرامج والعمل الميداني، أين تجدين نفسك؟
– أحب تقديم البرامج ولكني أجد هويتي الحقيقية في العمل الميداني أكثر، فأنا من الشخصيات الشغوفة التي تحب الاستكشاف والبحث والوصول الى نتائج، ندمتُ على حلقات ميدانية قدمتها لأني كنتُ في بداياتي قليلة المهارة، وكانت هذه الأماكن التي زرتها أو الناس الذين التقيتهم فرصة ثمينة بالنسبة إلي، أما لو عاد بي الزمن الآن فحتماً سأقدمها بعمق أكثر، لأن تقادم السنوات والقراءات والإنصات الى الآخرين كلها تمنح الصحافي الخبرة، ولكن العمل الميداني محفوف بالمخاطر ولا يحظى بحماية، وهذه مشكلته.
- كيف تقيّمين واقع الإعلام عموماً في العراق ودور المرأة فيه؟
– يغلب عليه طابع الفوضى، وهو متورط بشكلٍ من الأشكال في مشهد الفوضى الذي يعيشه العراق، لأن معظم القنوات عامةً ليست لديها رؤية ولا تعرف ماذا تريد من برامجها، ولماذا تبثها ولماذا تتناول هذه التقارير، كما أني أشعر أحياناً بأنها لا تفكر في المصلحة العامة التي هي مظلة لحماية الجميع. الإعلام استقطب أناساً لا كفاءة أو مهارة لهم، لا أنتقص من أحد ولكن هناك معايير يعمل بها في المؤسسات الإعلامية المحترمة عند اختيار مقدم البرامج أو المراسل، على الأقل لا بد أن يكون لديه خلفية ثقافية جيدة، أو شهادة جامعية قريبة من العلوم الإنسانية. ولكن دعيني في المقابل أخبرك أن لدينا إعلاميين مميزين يشكلون إضافات نوعية للفضائيات أو هم عامل القوة فيها، يقدمون برامج مهنية جذابة ويسلطون الضوء على قضايا مهمة ولديهم الأدوات والإمكانات للإحاطة بكل ما يطرحونه.
- هل المرأة حاصلة على مكانتها في الإعلام العراقي؟ وهل يمكنها أن تصل إلى أي مركز تريد في مجال الإعلام؟
– لو سألتني عن مقدمي البرامج المعروفين والمقدمات المعروفات لعرفتِ الفرق! المرأة في الإعلام عليها أن تناضل وتضاعف جهدها لتثبت جدارتها ولتثبت أنها كفوءة مثل زميلها الرجل لتحصل على فرصة مهنية. هناك إسقاط أو شك مسبق بكفاءتها، لذا غالباً تجدين المرأة تغيب عن البرامج السياسية والحوارية والاقتصادية والثقافية الرصينة، تُمنح برامج ترفيهية أو منوعة أو اجتماعية وحتى على مستوى التقارير السياسية والاقتصادية، فهذه حصة المراسل وليس المراسلة. في المناسبة، لدينا نقص حاد في التغطية الاقتصادية في الإعلام العراقي، وهذا الموضوع يتطلب من مدير القناة خطة لدعم الإعلاميات العراقيات ليرفعهن بمرتبة المنافسة مع نظرياتهن من مقدمات البرامج العربيات.
- ما العوائق التي يمكن أن تواجه الصحافيات في العراق؟
– العوائق كثيرة، لن أخوض في الكثير من التفاصيل، ولكن دعيني أخبركِ أن أهم عائق هو غياب الحماية إذا تعرضت الصحافية لتهديد. الدولة لا توفر الحماية ولا حتى المنظمات المدنية، ولا خطة دعم مالي تسند هذه الصحافية حتى تحل مشكلتها، ولا أي شيء! وهذا يعني إما الانسحاب من المشهد وخسارة صحافية أو المواصلة وتحمل المخاطر. أما بقية العوائق فكلها قابلة للنقاش والتفاهم.
- العمل الإنساني والدفاع عن الحريات ومهنة الصحافة، أي رابط يجمعها؟
– هذه حلقة مترابطة. عندما تعملين في الصحافة سيهمك تعزيز معدل حرية التعبير لتمارسي عملك من دون ضغوط، من أجل أن تسلطي الضوء لتخلقي رأياً عاماً حول قضايا إنسانية تحتاج الى تدخلات عاجلة أو خطط متوسطة أو طويلة المدى لمعالجتها.
- أنت متوقفة اليوم عن العمل الإعلامي، ما الذي يغريكِ للعودة؟
– أنا متوقفة عن العمل ويغريني أن أحصل على الفرصة المهنية المناسبة التي تليق باستحقاقي وكفاءتي، وسط مناخ آمن وأجواء مهنية تسخّر فيها الفضائية إمكاناتها لإنجاح البرنامج من الناحية الفنية والإدارية، لتستخرج ما عندي من طاقات وشغف بالإعلام والصحافة.