البوصلة الإماراتية تعود لمساراتها التاريخية مع إيران

تاج الدين عبد الحق

النشرة الدولية –

طهران هي المحطة الأخيرة للدبلوماسية الإماراتية النشطة، باتجاه مراجعة علاقات أبوظبي الإقليمية، التي ظلت تشهد خلال السنوات القليلة الماضية توترات تَفاوتَ التقدير في أبعادها، وتَباينَ التفسير في أهدافها.

ولعل زيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الإماراتي لإيران، هي الحلقة الأهم في تلك المراجعة، التي شملت حتى الآن تركيا وسوريا وقطر، وهي المراجعة التي جاءت لعدة أسباب أهمها أن ثمة مزاجا سياسيا مختلفا في المنطقة، بعد أن أخذت التطورات السياسية والأمنية التي حكمت المنطقة خلال السنوات التي تلت موجة الربيع العربي بالانحسار، ساحبة ما خلفته، من ندوب على العلاقات الإقليمية، وما سببته من اضطرابات في تلك العلاقات.

ومع أن الإمارات بدت في نشاطها الدبلوماسي اللافت كما لو أنها كانت مبادِرة لفتح قنوات الاتصال الجديدة، مع العواصم التي شهدت تحركها الدبلوماسي، إلا أنها في الواقع لم تغيّر وحدها، ومن طرف واحد، أسلوب تعاطيها مع المستجدات الإقليمية بل كانت تحاول بمبادراتها الدبلوماسية الجديدة الاستجابة للمتغيرات، التي شهدتها سياسات، وتوجهات دول الإقليم الأخرى.

والذي يُكسب زيارة الشيخ طحنون لطهران أهمية خاصة، أنها لا تعالج خلافا طارئا أو تتعامل مع حالة سياسية عابرة أو معزولة عن عمقها التاريخي والإقليمي. فالعلاقات الإماراتية الإيرانية ظلت قادرة على التعايش دون انقطاع، مع إرث تاريخي طويل من الخلافات السياسية والقانونية بين البلدين سببه قضية الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، التي تحتلها إيران منذ خمسة عقود. كما أن تلك العلاقات تعايشت مع سجل حافل بالتباينات حول بعض الملفات المتصلة بأمن المنطقة، وحول قضايا إقليمية ودولية مختلفة.

لكن تلك الخلافات والتباينات لم تحل دون قيام علاقات تعاون وحسن جوار بين البلدين الجارين، فظلت القضايا الخلافية تعالج بمعزل عن الروابط العديدة بين البلدين، فلم تؤد الخلافات إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وظلت العلاقات الاقتصادية نشطة حتى أنها جعلت من إيران شريكا تجاريا وازنا في بعض الأحيان، كما استمرت الزيارات على المستوى الرسمي الحكومي، وعلى مستوى رجال الأعمال، فكانت الإمارات _في كثير من الحالات_ بوابة لتجارة إيران الدولية، وتعاملاتها المصرفية.

ومع أن استمرار العلاقات مع طهران، طوال تلك السنوات كان يعرّض الإمارات إلى انتقاد من بعض الأصوات المغرضة التي رأت فيها تناقضا في المواقف، وازدواجية في السلوك، إلا أن أبو ظبي لم تلتفت لتلك الأصوات، واستمرت في تلك العلاقات بل وعززتها في بعض الأحيان؛ لأنها كانت تدرك أن علاقاتها بالضفة الأخرى من الخليج هي علاقة قَدرية يفرضها تاريخ طويل حافل بالكثير من الروابط، وتفرضها جغرافيا مشتركة لا يمكن الانفلات منها.

وحتى في المرات التي عبَّرت فيها دولة الإمارات دبلوماسيا أو إعلاميا عن خلافاتها مع إيران، إلا أنها ظلت تعبر عن ذلك بشكل سلمي، بعيدا عن لغة التهديد والوعيد، آخذة بالاعتبار المصالح المشتركة، وملتزمة بالحوار منهجا، وبالقانون الدولي والاتفاقيات المبرمة مرجعا لحل أي خلاف ومعالجة أي اختلاف.

لم تقل الإمارات ولا مرة واحدة إن لديها نية للدخول في مواجهة مع إيران تحت أي مسمى، ولم تسمح بأن تُستدرج بإغراء استعادة حقوقها بالجزر الثلاث، إلى صراع مع الجانب الإيراني، رغم أن منطقة الخليج منذ الحرب العراقية الإيرانية في نهاية السبعينيات ومراحل تالية وضعت هذا الخيار أمام الإمارات، من خلال استفزاز الحس الوطني الإماراتي تجاه قضية الجزر.

في ضوء ذلك كله، فإن زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي لطهران، لا تُعدّ انقلابا في الدبلوماسية الإماراتية، ولا تَغيرًا في النهج، بل هي محاولة لإعادة بوصلة تلك العلاقات لمساراتها التاريخية، واستعادة الحرارة لِما انقطع من خيوط اتصال بين البلدين، واحتواء ما تفاقم من خلافات خلال السنوات العجاف، فضلاً عن محاولة استجلاء الفرص التي يمكن أن يتيحها التغير المحتمل في الأجواء الإقليمية، خاصة إذا ما انتهى الحوار بين الولايات المتحدة وإيران بالعودة للاتفاق النووي، والذي قد يفتح الطريق أمام رفع الحصار والعقوبات عن المؤسسات الإيرانية المتعطشة للعودة للأسواق العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى