سلاح الديمقراطية و”حدود القوة”
بقلم: رفيق خوري

من الوهم الهرب من القاعدة التي تنطبق على الجميع

النشرة الدولية –

ليس في العالم مئة دولة يمكن وضعها في خانة الديمقراطية الكاملة. لكن الرئيس جو بايدن دعا هذا العدد من الدول التي اختارها إلى “قمة الديمقراطية” الافتراضية. فهو تحدث بصراحة عن “الديمقراطية كاستثمار يصب في مصلحتنا”. وإذا كان عقد القمة في الشكل تنفيذاً لوعد انتخابي، فإنه في الجوهر توظيف الديمقراطية كسلاح في معركة جيو استراتيجية مع الأنظمة السلطوية وبالذات مع الصين وروسيا، إذ يقول الفيلسوف الروسي إيفان ألين، “الديمقراطية غير ممكنة في روسيا. الممكن هو وطنية حازمة ديكتاتورية ليبرالية”.

ولا يبدل في الأمر أن بايدن واجه مخاطر على الديمقراطية في أميركا التي كتب بول كروغمان الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، أنها “أقل ديمقراطية وأكثر أوليغارشية”. ولا كون الانقسام الشديد سياسياً وثقافياً واجتماعياً جعل أميركا “برية جديدة تصبح الديمقراطية فيها مستحيلة”، كما قالت آن أبلبوم في”أتلانتيك”. ففي كتاب “قصص من طريق طويل إلى الحرية” تعترف وزيرة الخارجية الأميركية سابقاً كوندوليزا رايس، بأن”محاولات بناء الديمقراطية في روسيا والشرق الأوسط فشلت، وما يمكن تصديره هو السلطوية لا الديمقراطية”. وأميركا المنسحبة من أفغانستان بشكل مهين لقوة عظمى ثم من العراق، تعلمت بثمن باهظ من المال والدم درساً كبيراً خلاصته ألا تحاول مرة أخرى إعادة تشكيل الشرق الأوسط الواسع على صورتها ومثالها.

وهو درس تعلمته من قبل في فيتنام، على الرغم من نصف مليون جندي بقيادة الجنرال وستمورلاند، ثم نسيته حين خاضت حرب “عاصفة الصحراء” لإخراج القوات العراقية من الكويت. موجز الدرس هو إدراك “حدود القوة”. الرئيس جورج بوش الأب التزم الدرس عندما رفض الدعوات لإكمال الحرب بالذهاب إلى العراق وإسقاط الرئيس صدام حسين. لكن الرئيس بوش الابن اندفع بتأثير تفجيرات نيويورك يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وأحلام المحافظين الجدد وغطرسة القوة العظمى الوحيدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي لغزو أفغانستان والعراق وأسقط نظامين، ثم فشل في “بناء الأمم” و”تصدير الديمقراطية”.

وقبل ذلك واجه هتلر “حدود القوة” من دون أن يتعلم الدرس، حين مزق الاتفاق مع ستالين وأصر على غزو روسيا بعد أوروبا، فهزمه “الجنرال ثلج” كما هزم نابوليون بونابارت قبله. والاتحاد السوفياتي عمل على “تصدير الثورة” بالدبابات في أوروبا الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، وبجاذبية “القوة الناعمة” الأيديولوجية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. لكنه أدرك مع الوقت “حدود القوة”، واضطر إلى “الوفاق الدولي” مع أميركا وسحب صواريخه من كوبا. وفي النهاية، انهار من الداخل تحت أعباء التزاماته الخارجية وسباق التسلح مع واشنطن أيام ريغان، وضعف اقتصاده.

إسرائيل قامت على القوة والاحتلال، ومارست الحد الأقصى من القوة بدعم أميركا بعد هزيمة العرب في حرب 1967 واحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة. لكنها وصلت في النهاية إلى إدراك “حدود القوة”. وتركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تصورت أن قوتها العسكرية تسمح لها باستعادة أجزاء من السلطنة تحت عنوان “العثمانية الجديدة”، قبل العودة إلى إدراك “حدود القوة” والسعي للتراجع عن سياساتها التوسعية والاستفزازية في البلدان العربية.

أما إيران، فإنها تتصرف كأنها الاستثناء من قاعدة “حدود القوة”. فهي تكرر تجربة الاتحاد السوفياتي من دون خوف من نهايته، تنفق الكثير على برنامج نووي، صواريخ باليستية ومسيرات وميليشيات في أربعة بلدان عربية مع اقتصاد ضعيف وعقوبات أميركية قاسية. تتحدى أميركا والعرب وتصر على “تصدير الثورة”، وتتصور أن المستقبل في الشرق الأوسط والعالم لها ولمشروعها الإمبراطوري المبني على الغيب.

ومن الوهم الهرب من قاعدة “حدود القوة” التي تنطبق على الجميع: أميركا، وروسيا، والصين، وأوروبا، والقوى الإقليمية.

Back to top button