مستقبل ضبابي لسياسة اقتصادية “غير تقليدية” لإردوغان… الليرة التركية تكسر حاجز الـ16
النشرة الدولية –
الحرة –
اُفتتحت الأسواق في تركيا صباح الجمعة على سعر صرف جديد لليرة التركية أمام الدولار، حيث تخطت حاجز الـ16، في تدهور وصف بالتاريخي وجاء عقب قرارين، الأول بتخفيض سعر الفائدة من قبل البنك المركزي، والثاني برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50 بالمئة لعام 2022.
ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر بات هذا التدهور حديث الشارع اليومي للبلاد، وبينما تصر الحكومة التركية على اتباع سياستها غير التقليدية يقول محللون في الاقتصاد لموقع “الحرة” إنه من الصعب التنبؤ بشأن ما سيحصل في المرحلة المقبلة.
والخميس كان البنك المركزي قد خفض سعر الفائدة بنسبة 100 نقطة أساس لتصل حد 14 بالمئة، فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن الحد الأدنى للأجور، والذي تحدد بقيمة 4250 ليرة تركية للعام المقبل.
وتضاربت الآراء والموقف بشأن قرار الحد الأدنى، وبينما اعتبرته أوساط مقربة من الحكومة التركية أنه “بمكانه ويلبي توقعات المواطنين الأتراك” اعتبرت أحزاب المعارضة على رأسها “حزب الشعب الجمهوري” أن القيمة الجديدة غير متوافقة مع نسبة التضخم في البلاد.
وتشير المعطيات وتصريحات إردوغان والأوساط المقربة منه إلى أنه لا تراجع بشأن السياسة الحالية القائمة على خفض سعر الفائدة، على الرغم من أن ذلك ينعكس بشكل مباشر على سعر صرف الليرة.
وخلال الشهرين الماضيين خرج إردوغان في كثير من الإطلالات الإعلامية، مؤكدا أنه سيواصل معركته، التي يعتبرها جزءا من “حرب الاستقلال الاقتصادي”.
وأضاف في مطلع ديسمبر الحالي في كلمة أمام نواب حزبه الحاكم في البرلمان: “الذي نفعله هو الصواب. لقد وضعنا ونضع خطة محفوفة بالمخاطر سياسيا لكنها صائبة”.
“الأكثر بالليرة والأقل بالدولار”
في عام 2020 كان الحد الأدنى للأجور في تركيا يساوي 2826 ليرة تركية (يعادله بالدولار حينها 384)، أما الحد الجديد الذي أعلنته الحكومة بمبلغ 4250 ليرة فإنه يساوي في الوقت الحالي (274 دولارا).
ومنذ مساء الخميس حتى صباح الجمعة يقول محللون في حديثهم لموقع “الحرة” إن قيمة الحد الأدنى الجديد قد تغيّرت قياسا بسعر الصرف الجديد.
ويضيف أستاذ الإدارة المالية في جامعة باشاك شهير، الدكتور فراس شعبو أن “لا يوجد أحد قادر على التنبؤ إلى أين ذاهبة الأمور أو إلى أين ستصل”، موضحا: “كل يوم تنخفض الليرة التركية بمعدل كبير. بشكل يومي ليرة وليرة وربع. لقد أصبحت عملة مضاربة وليست عملة استقرار”.
ويرى شعبو في حديثه لموقع “الحرة” أن “تعنت الحكومة بتخفيض الفائدة يعطي ردة فعل عكسية اتجاه السوق”.
ويتابع: “بما أن السوق اقتنع برغبة الحكومة بتخفيض الفائدة بشكل مستمر فهو اقتنع أيضا أن التدهور طبيعي. في الوقت الحالي الناس تحول أموالها إلى دولار لأنها تعلم أن الفائدة ستستمر بالانخفاض”.
وكان إردوغان قد أكد في جلسة الحد الأدنى للأجور، الخميس، عزم حكومته على وضع حد في أقرب وقت للغموض السائد في الفترة الأخيرة، جراء التقلبات في أسعار الصرف وغلاء الأسعار.
وأضاف بحسب ما نقلت وكالة “الأناضول” شبه الرسمية: “أعتقد أننا سنقطع مسافة مهمة للغاية على طريق تعزيز أجواء الثقة والاستقرار من خلال إجراءات (اقتصادية) جديدة سننفذها”.
وقال: “لا المضاربين على أسعار الصرف والفائدة، ولا أعداء تركيا في الداخل والخارج، ولا الطامعين الجشعين، بمقدورهم تحديد مستقبل بلادنا وشعبنا”.
على مدى الأشهر الثلاثة الماضية يكون البنك المركزي التركي قد خفّض أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس، على الرغم من اقتراب التضخم في البلاد من نسبة 20 في المئة.
فيما أعلن تدخله على أربعة مراحل منذ مطلع شهر ديسمبر الحالي، من أجل وقف هبوط سعر صرف الليرة في سوق العملات.
وبينما تحدث الباحث الاقتصادي فراس شعبو عن “مضاربة مرعبة وأشخاص يحققون أرباحا خيالية من تقلبات سعر الصرف”، يؤكد على ذلك المحلل ورجل الأعمال التركي، يوسف كاتب أوغلو.
ويشير كاتب أوغلو لموقع “الحرة” إلى تحديات تقف أمام “النموذج الجديد الذي تسير فيه الحكومة التركية”، لكنه يقول: “الأمر يعود لصالح الاقتصاد الإنتاجي الذي يعتمد على محاربة لوبي الفوائد وليس على الأموال الساخنة (Hot money)، الأمر تحد كبير”.
ويضيف المحلل: “تركيا نجحت في التحدي وفي تحقيق نسب نمو مرتفعة. انخفاض العملة ليس ضرر وإنما قيمة مضافة لجعل المنتجات التركية بأسعار تنافسية حول العالم”.
في المقابل يوضح شعبو: “هناك جهات تضارب ما بعد الفاصلة بأرقام قليلة. لنا أن نتخيل عند الحديث عن انخفاض بقيمة ليرة واحد كل يوم”.
ويقول الباحث الاقتصادي: “يوجد عدم استقرار في الأسواق. البائع غير قادر على البيع والمشتري يصطدم بالأسعار المرتفعة. هناك خلل في الأسواق والجو الاستثماري العام”.
في مقالة له نشرتها صحيفة “t24” الالكترونية الجمعة قال الصحفي المهتم بالشؤون الاقتصادية، إسماعيل سايماز: “بينما يُفترض أن الحد الأدنى للأجور قد ارتفع، إلا أنه انخفض بمقدار 110 دولارات من حيث القوة الشرائية”.
وتابع سايماز: “علاوة على ذلك، وبحسب التقديرات من المتوقع أن تصل الليرة إلى حاجز 20. لذلك اعتبارا من 1 فبراير 2022 يمكن أن يسرق وحش التضخم الحد الأدنى للأجور دون الدخول في جيب العامل”.
لكن المحلل يوسف كاتب أوغلو يرى غير ذلك بقوله إن الحد الأدنى الجديد للأجور “تأثيره سيكون إيجابيا. التحسين بنسبة 50 بالمئة سيمكّن من التغلب على التضخم وارتفاع الأسعار”.
ويضيف: “هدف الحكومة ليس معالجة التضخم فحسب، بل رفع مستوى أصحاب الدخل المحدود ليكونوا ضمن الطبقة الوسطى”، مشيرا إلى أن “قرار الأجور سينعكس بشكل إيجابي ويدعم النفقات وسيكون هناك استهلاك ويعزز الصرف وبالتالي ستتعزز عجلة النمو”.
أما أستاذ الإدارة المالية في جامعة باشاك شهير، الدكتور فراس شعبو يرى أنه وبموجب القوانين الاقتصادية: “كلما زادت الكتلة النقدية في الأسواق كلما ارتفعت الأسعار وزاد التضخم”.
ويتابع: “عند إجبار شركات القطاع الخاص والحكومي على رفع الأجور فإنك فعليا تقول لهم ارفعوا التكاليف. رفع التكاليف سينعكس على المنتج وبالتالي سترتفع تكاليف الإنتاج ومن ثم الأسعار. هنا سيكون التضخم مزدوجا”.
ورغم ذلك يؤكد شعبو أن سياسة الحكومة غير تقليدية، ولذلك “لا أحد يعرف أين تقف الأمور. لا يوجد قدرة على التنبؤ”.
“ترقب العام الجديد”
وتتلخص وجهة نظر إردوغان في أن رفع سعر الفائدة أحد أسباب ارتفاع معدل التضخم في البلاد، كما يُعد سعر الفائدة عائقا أمام المستثمرين، لأن سعر الفائدة المرتفع، يزيد تكاليف الإنتاج.
ويرى أن وصول سعر الفائدة إلى 24 بالمئة أو 19 بالمئة يدفع الأفراد والمؤسسات إلى أن يضعوا أموالهم في البنوك، ويغلقوا الشركات والمؤسسات، مكتفين بما يأتيهم من فوائد على أموالهم.
وفي حديثه لموقع “الحرة” يشير يوسف كاتب أوغلو إلى أن انعكاسات إيجابية بالأرقام، بقوله: “بلغت قيمة الصادرات التركية 221 مليار دولار على أساس سنوي، بينما تقترب نسبة النمو من 10.1 لعام 2020”.
ويضيف: “هناك ضغوطات كبيرة من لوبي الفوائد والدول التي لا تريد من تركيا أن تنضم إلى الدول الصناعية الكبرى (g7). هذه الدول تريد من تركيا أن تعتمد على القروض والأموال الساخنة بالأموال الساخنة”.
وبحسب المحلل التركي: “ستستقر الأمور بشكل واضح في الربع الثاني من العام المقبل. سيكون هناك تحسن واضح أيضا لسعر صرف الليرة التركية”.