رسالة من السلطان سليم إلى باسيل!
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية

الثائر نيوز –

من السلطان سليم إلى جبران باسيل!

في عام ١٩٤٣ انتصر تحالف الخط العروبي بين بشارة الخوري ورياض الصلح، صاحبي الميثاق الوطني، وأصبحا في نظر اللبنانيين، أبطال استقلال لبنان مع مجيد ارسلان وصبري حمادة وحبيب ابوشهلا. وبعد أن استلم شقيقي مقاليد الحكم، بدأت الناس تتوافد إلى داري، وكانت كلمتي لا تُردَّ لدى شقيقي، فصرت أتدخّل في كافة شؤون البلاد، وحتى في أدق التفاصيل، وقمت بتوظيف الموالين لي في إدارات الدولة، واستبعدت عنها كل الأخصام، وعندما عارضني البعض عملت على كسرهم، بداية ضمن طائفتي، ثم في الطوائف الأخرى، وبات لا يدخل أحد جنة الوزارة دون موافقتي، وأصبحت أنا صاحب الكلمة الفصل، وبات يُقال عن مقر إقامتي “سرايا فرن الشباك” وأُطلق عليّ لقب “السلطان سليم”.

في انتخابات عام ١٩٤٧ ترأست لائحة ضد كمال جنبلاط وكميل شمعون!. يومها حصدا معظم المقاعد، وفزت أنا وحدي من لائحتي، ولا أخفي عليك سراً أن الانتخابات لم تكن نزيهة، وقام رجالي بعدة عمليات تزوير، لكني فعلت ذلك لأنني كنت أسعى إلى تكوين أكثرية برلمانية لتمرير مشرع التمديد في البرلمان، لشقيقي في سدة الرئاسة.

رفض ميشال شيحا، شقيق زوجة أخي بشارة، والرجل الثاني في العهد (كما كانوا يصفونه) فكرة التمديد، ونصح الرئيس بعدم مخالفة الدستور، لكن وبإلحاح شديد منّي ومن المستشارين الذين لم يرغبوا بترك القصر ، فعل بشارة عكس ذلك، وقمنا بالتمديد، فحصل الافتراق بيننا وبين ميشال شيحا، وكثر حولنا الأخصام، خاصة من الموارنة الذين بغالبيتهم كانوا طامحين وطامعين بالوصول إلى منصب الرئاسة .

ورغم أنني نجحت في انتخابات ١٩٥١ بانتزاع نصف مقاعد الشوف من جنبلاط وشمعون، لكنهما تمكّنا لاحقاً، وبضغط شعبي، من إجبار بشارة على تقديم استقالته، فانتهى عهده بطريقة مهينة، وذَهبتْ معه سلطتي وأحلامي بخلافته، وأكثر من ذلك قاموا بانتخاب خصمي اللدود كميل شمعون رئيساً للجمهورية.

كان لدى الرئيس صلاحيات واسعة في لبنان، فهو كان يُعيّن الوزراء ويختار من بينهم رئيساً. فراح شمعون يتصرّف وكأنه ملك، لكنه لم يسمح لشقيقه فؤاد، الذي كان مفوضاً في الأمن العام، أن يصبح رئيس ظل، أما ابنه داني فكان لا يزال شاباً صغيراً.

لكن شمعون اقترف أخطاء عديدة، فانغمس في سياسات الأحلاف الإقليمية والدولية، وبالغ في تقدير دور لبنان وأهميته للغرب. فأيد حلف بغداد، وأعلن وزير خارجيته شارل مالك، تأييد لبنان لمبدأ أيزنهور، حتى قبل أن يوافق الكونغرس الأمريكي عليه. وخاصم شمعون الزعماء الأقوياء، وابتعد عن الخط العروبي الذي كان يحظى بشعبية واسعة.

وأما خطأه الأكبر تمثّل في تفصيله قانون انتخاب جديد، رسم فيه الدوائر بطريقة مكّنته من الحصول على أكثرية برلمانية في انتخابات ١٩٥٧، وأسقط فيها شخصيات بارزة من معارضيه، مثل كمال جنبلاط، واحمد الأسعد، وصائب سلام، وكان يريد من خلال ذلك، ضمان تعديل الدستور والتمديد لنفسه في رئاسة الجمهورية، ولم يعلم شمعون أن مغالاته تلك، جعلت الجميع يتكتّلون ضده، وتم منعه من تحقيق غايته، ورغم أن الجيش الأمريكي نزل في بيروت، لكنه لم يتمكّن من حمايته ورحل في نهاية عهده تحت وطأة ثورة شعبية مسلّحة، بعد أن رفض قائد الجيش آنذاك فؤاد شهاب قمعها وزج الجيش في حرب أهلية داخلية، فكان سقوط شمعون مدوّياً.

نجح فؤاد شهاب بأن يكون رئيساً توافقياً في الداخل، وحيادياً في صراعات الشرق والغرب. وعندما عاد شقيقه الأمير شكيب من مصر إلى جونية، وبدأ باستقبال الزوار والمهنئين، رفض فؤاد شهاب أن يتحوّل شقيقه إلى رئيس ظل، وتكرار تجربة “السلطان سليم”، فقام بإعادته إلى القنصلية في مصر، ورفض ترقيته طوال فترة حكمه، كي لا يُقال عنه أنّه استغلّ السلطة لمصلحة شخصية أو عائلية .

كرر شارل حلو والياس سركيس تجربة الحكم، وبقيت نظيفة بعيداً عن سيطرة أفراد العائلة وتدخّلهم في السلطة، أو استخدام نفوذ الرئيس لمصالح خاصة، وساعدهما في ذلك، أن الأول كان متزوجاً دون أولاد، والثاني بقي عازباً .

بعد وصوله إلى الرئاسة فرض سليمان فرنجيه ابنه طوني مرشحاً وحيداً عن المقعد النيابي في زغرتا، ثم أصبح سريعاً توزير فرنجية الابن شرطاً أساسياً لتكليف أي رئيس حكومة، فافترق الرئيس فرنجية عن حليفه صائب سلام، فيما أذعن لشرطه على التوالي، كل من الرؤساء؛ أمين الحافظ، وتقي الدين الصلح، ورشيد الصلح .

انتهى عهد فرنجية بحرب أهلية فقدت الدولة خلالها هيبتها ووحدتها، ولم تكن لأمين الجميل سلطة فعلية على كامل أراضي لبنان، وحتى داخل الحزب، كان الياس حبيقة وسمير جعجع خارج سيطرة الرئيس الجميل .

عمد الياس الهراوي إلى توزير صهره فارس بويز، لثمان سنوات متتالية في وزارة الخارجية، أما إميل لحود فأصبح ابنه نائباً عن المتن، وعيّن صهره الياس المر وزيراً للداخلية، أما رئيس الظل في عهديهما فكان قد أصبح يدير البلاد من عنجر، مما قطع الطريق على الأصهر والأشقاء.

رغم تخلّي شربل ميشال سليمان في عهد والده عن مهنة الطب ، والتحوّل إلى مستثمر في الرياضة والمشاريع، لكنه لم يتم توزيره .

عزيزي باسيل!

استعرضت لك تاريخ العهود الرئاسيةالسابقة، ولا أخفي عليك أنني عقدت الكثير من الصفقات مع أشخاص فاسدين، كنت أظنّهم أصدقائي، لكن سرعان ما تخلوا عني بعد خروج أخي من الحكم، وفضحوا وكشفوا كل مستور، والبسوني ثوب الفساد وحدي، رغم أنهم كانوا شركائي في كل شيء.

أنا اعلم طبعاً أن عمك (الرئيس القوي) ميشال عون، عطّل تشكيل عدة حكومات في سبيل توزيرك، واحتفظت أنت بوزارة الطاقة الدسمة لسنوات، وعندما خرجت، ولّيت عليها أشخاصاً من خاصة أوليائك ، كما أن توزيرك كان شرطاً أساسياً لتكليف أي رئيس حكومة حتى لو تعطّلت البلاد سنة وسنتين وأكثر، وتسبب رفض سعد الحريري ذلك بإخراجه من الحكم. بل أكثر من ذلك، فانت أصبحت شريك رئيس الحكومة، وباتت موافقتك شرطاً لحل أي مسألة، من التوظيفات، إلى المشاريع والتلزيمات، وحتى الملاحقات القضائية وإصدار الأحكام. باختصار أعلم أنك الصهر الأقرب إلى قلب عمك الرئيس، والوريث الشرعي والوحيد في غياب ابن فعلي له، وأن ثروتك باتت تفوق ما جنيته أنا باضعاف، وتناهى إلى مسامعي أن الأمريكيين اتّهموك بالفساد، وفرضوا عليك عقوبات بسبب ذلك.

لا أعتقد أنك تُشبهني!!

فأنت تقول: “ما خلونا” بينما كنت أفعل أنا ما أشاء، وأخي كان رئساً قوياً حقاً.

لكن سمعت أنك الرجل القوي للعهد، والسلطان الثاني من بعدي، وأنا أقدّر فيك ذلك.

وحرصاً مني على بعض التشابه بيننا، أردت أن أحذرك من الأخطاء التي ارتكبتها أنا بحق شقيقي بشارة، بحيث جعلت عهده يتّسم بالفساد، وزدت من حوله الأخصام والعداوات، ولم أترك له صديقاً، ولا من مجد تحقيقه للاستقلال والبطولة شيئاً، إِلَّا وشوّهته، وتلاعبت بقوانين الانتخاب وزوّر رجالي النتائج، لضمان التمديد للعهد، لكنني فشلت في النهاية، ورحل بشارة ذليلاً وحزيناً، وخسرت أنا كل شيء، وأصبحت منبوذاً!!! وكم أنا نادم اليوم على ما فعلت، وليتني قبلت نصيحة ميشال شيحا، لربما كان حينها بأمكاني أن أكون رئيساً بعد أخي.

عزيزي جبران!

لقد أخبروني عمّا آلت إليه أحوال البلاد والعباد في عهدكم، (وأعذرني هنا فأنا لا اعتقد أنه قوي)، وأعرف حالة الفقر والعوز، وانهيار الاقتصاد، والأزمة المالية، وانحلال الدولة، وفساد الإدارة والتربية والقضاء، وإغلاق المستشفيات والمدارس والجامعات، وصفوف الشباب أمام السفارات طلباً للهجرة، ويُحزنني ذلك كثيراً. وأخبرني بعض القادمين إلينا من لبنان، أنهم اليوم يترحّمون على عهدي، فيومها ورغم كل شيء بقي لبنان .

عزيزي جبران!

أعلم أنني تأخرت كثيراً في إرسال رسالتي ونصيحتي إليك، وربما قد فات الآوان حقاً لتُصلح كل ما فعلت، لكن بقي شيء واحد؛ لا تنسَ نصيحة ميشال شيحا للرئيس: “لا تخالف الدستور” لأن التاريخ لا يرحم.

الإمضاء “السلطان سليم”

زر الذهاب إلى الأعلى