يتوجب تغيير موقف الحكومة من طالبي اللجوء بصورة عاجلة
بقلم: بيل ترو
ينبغي تسريع وتوسيع عمليات إعادة التوطين واستباق يأس الناس الذين يحاولون خوض غمار البحر الغادر
النشرة الدولية –
خلال الأسبوع نفسه الذي شهد غرق 27 شخصاً غالبيتهم من العراق وإيران في القنال الإنجليزي أثناء محاولتهم العبور نحو المملكة المتحدة، كنت أتحدث مع لاجئين سوريين يوشكون على الموت برداً قرب الحدود بين بيلاروسيا وبولندا. وتزامناً مع ذلك، كنت أتكلم مع لاجئين سوريين في لبنان يتملكهم اليأس، تلقوا وعوداً بإعادة توطينهم في المملكة المتحدة منذ قرابة أربع سنوات، لكن السلطات البريطانية تخلت عنهم.
ولَّد تزامن هذه الحوادث والأخبار الثلاثة المريعة في أسبوع واحد إزعاجاً كبيراً وحمل دلالات كثيرة أيضاً، بشأن المواقف العالمية التي لا تكترث أبداً للمستضعفين واليائسين في هذا العالم.
وفي الوقت نفسه، أدانت الحكومة البريطانية كل من يحاول عبور القنال الإنجليزي بالقوارب، ومن يلجأ إلى الطرق غير الشرعية في بلوغ الاتحاد الأوروبي أو مناطق أبعد منه. وشددت على ضرورة استعاضة اللاجئين عن ذلك بتقديم طلب إعادة توطين من الخارج عبر طرق قانونية وآمنة. ولكن أثناء إصدارها هذا التصريح، اكتشفت أن التجاهل مثل مصير الذين فعلوا ذلك تحديداً، ما عرضهم إلى خطر الجوع والطرد من منازلهم والإصابة بأمراض تهدد أرواحهم.
في ذلك الصدد، أخبرنا ناطق باسم وزارة الداخلية أن بريطانيا أعادت توطين أكثر من 25 ألف لاجئ منذ 2015، وأنها “ملتزمة” بنظام إعادة التوطين البريطاني. ومن جهة أخرى، أخبرتنا الأمم المتحدة أيضاً أن ألفي لاجئ حول العالم حصلوا على قبول من برنامج إعادة التوطين البريطاني لكنهم ما زالوا ينتظرون الانتقال إلى المملكة المتحدة، بعد مرور سنوات عدة [على نيلهم ذلك القبول].
واستطراداً، يضم لبنان ربع هؤلاء تقريباً، على الرغم من كونه البلد الذي يعاني أسوأ انهيار اقتصادي منذ 150 سنة، وقد مزق عاصمته أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ الحديث. وقد أسرَّت لي أسرتان زرتهما في بيروت أن التأخير في إعادة التوطين أوصلهما إلى حافة الموت جوعاً. إذ وصل بهم الحال إلى التفتيش في حاويات النفايات على طعام فاسد يأكلونه، وعانوا منع الأدوية المنقذة للحياة عن أطفالهم، فيما يعقدون الأمل على ألا يطردوا من منازلهم ويستجدون المساعدات من الجمعيات الخيرية. وبالتالي، لا يمكنهم أن يفوزوا.
في سياق موازٍ، في جو البرد القارس الذي يلف بيلاروسيا، ذكر اللاجئون والمهاجرون السوريون والعراقيون الذين تحدثت إليهم أنهم اضطروا إلى أخذ هذا الطريق سعياً إلى حياة أفضل في أوروبا لأنه لا أمل أبداً في برامج إعادة التوطين. وفي الوقت نفسه، تحدثت مع ثلاث فتيات أفغانيات اختفى آباؤهن قسراً أثناء استيلاء “طالبان” على البلاد، وهن من طائفة الهزارة المضطهدة وبحاجة ماسة إلى بر أمان. وقد نجحن في العبور إلى باكستان وكن يحاولن الاستفسار عن طريقة تقديم طلب إعادة توطين في أي مكان آمن، لكن لا أحد يجيب حتى على رسائلهن الإلكترونية.
غالباً ما أتكلم مع لاجئين في ليبيا يعيشون الوضع ذاته. وفي الواقع، صناديق بريدي الإلكترونية مملوءة بأشخاص وعائلات غلبها اليأس التقيت بها حين كانت تسعى إلى تحقيق حياة أفضل، كأي شخص في العالم.
في ذلك الملمح، يخبر جميع هؤلاء الأشخاص أن يقدموا طلبات عبر الطرق الآمنة والقانونية. وبذا ينتهي المطاف بعدد كبير منهم إلى المخاطرة بحياته وخسارتها أثناء محاولة القدوم إلى هنا [بريطانيا] عبر طرق غير قانونية وغير آمنة. وتكرر هذا الأمر أمامي مباشرة مرات عدة في البحر المتوسط، إذ يخاطر عدد كبير من الأشخاص بكل شيء من أجل العبور من ليبيا. وقد شاهدت عمال الإنقاذ والأطباء على متن سفن الإنقاذ، الذين تشيطنهم الدول الأوروبية الآن، يستميتون من أجل إنقاذ الأرواح ويشهدون على غرق عائلات فيها نساء وأطفال.
كذلك جلست في سجون المهاجرين القذرة والمقرفة في ليبيا واستمعت إلى روايات عن العبودية الحديثة والتعذيب بهدف الابتزاز.
وبالنتيجة، أعتقد شخصياً بأنه يجب حدوث تحول جذري في مواقف الناس تجاه تنقل الأشخاص والحدود وواجب رعاية الأفراد الأكثر ضعفاً، لا سيما من أصبحوا عرضة للضعف والخطر بسبب تدخلاتنا العسكرية والسياسية. علينا تسريع وتوسيع نطاق عمليات إعادة التوطين قبل أن يعتري الناس اليأس الكافي لكي يتسلقوا الأسلاك الشائكة أو يخوضوا غمار البحر الغادر.
وفيما قد يبدو هذا الطلب ساذجاً وحاداً، علينا في الأقل الوفاء بالوعود التي قطعناها أساساً. صحيح أن جائحة كورونا أوقفت عدداً من برامج إعادة التوطين بسبب تجميد السفر وإغلاق المطارات حول العالم. ولكن، بعد رفع هذه القيود في مناطق كثيرة، ما من مبرر لعدم جلب هذه العائلات الضعيفة إلى المملكة المتحدة قبل أن يحصل لها الأسوأ. ويجب أن يحدث هذا الآن، قبل أن تضرب موجة جديدة محتملة من فيروس كورونا وتشدد قيود السفر أكثر مرة أخرى.
واستكمالاً، يجب أن يحدث ذلك الآن لأن الوقت ينفد بالنسبة إلى العائلات. إذ واجهت العائلتان اللتان التقيتهما في لبنان احتمال الطرد الفوري بسبب تأخرهما في دفع بدل الإيجار. ولم يملك الآباء في العائلتين (وهم المعيلون لهما) الأوراق المناسبة كي يؤمنا عملاً، وبالتالي لم يتمكنا من وضع الطعام على الطاولة. وفي لبنان، لا توفر الدولة التيار الكهربائي سوى ساعتين يومياً، وتالياً، يصبح الحفاظ على الدفء أمراً مستحيلاً. ومع الارتفاع الجنوني في أسعار الطعام والوقود، من الصعب إبعاد شبح الجوع.
وكخلاصة، فيما ندخل فصل الشتاء، تتمثل أبسط واجباتنا الوفاء بوعودنا. وعلينا كمواطنين، ممارسة ضغط على الحكومة كي توسع رقعة برامج إعادة التوطين. يجب فعل ذلك قبل فوات الأوان.