أقول عن مواسم اعياد إخوتنا المسيحيين: لكل المؤمنين العاملين للصالحات
بقلم: الدكتور سمير محمد أيوب
النشرة الدولية –
سألني بالأمس صديق: هناك مانشيتات مواسمية، يتمادي بعض هاجري القرآن الكريم في إشاعتها. ولأني أعرف أن الموروث البشري في التدين، ليس خيراً كلُّه ولا شرّاً كلّه، جِئتك يا شيخي، في مواسم أعياد إخوتنا المسيحيين، سائلا عن جواز معايدتهم، والترحم على موتاهم، وتمني الشفاء لمرضاهم، أهو حلال أم حرام؟
قلت بتمهل وحرص: لأني مؤمن بأن الأمر أعمق من هذا وذاك، أقول كما يقول أخي أبو المنذر العطيات: لا أحب نسف الأكاذيب بالتقسيط بل بالجملة. فلا جدوى من بيان بطلان الأفكار الفاسدة فكرة فكرة. الواجب الأوجب، هو نسف طرق التفكير الخاطئة، لتزول آلاف الأفكار الفاسدة دفعة واحدة.
كدين إسلامي، فإني من موقع العارف، أجزم بأنه لا يقبل شيئا من خارج القران الكريم. فربُّ العزة هو القائل بوضوع بيِّنٍ فيه: ” ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ، وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ”. فالرسول في حياته لم يخالف أمر ربه. لم يقل ولم يفعل، إلا ما أرضى به الله. وإن قيل شيء غير ذلك، فالرسول العظيم، لم يقله ولم يفعله أصلا، أو قد صوب بعد أن عوتب بشأنه.
كل ما لم يذكره القرآن، ليس من الدين في شيء. المحرمات حسب القرآن بضعة وعشر محرّما، أما حسب كتب الخرافات والتتويه والتمويه والتأتأة، فهي بالمئات. الحرام هو ما حرمه الله، فهو وحده صاحب الحق في التحريم، ولا شريك له في هذا. ومن يزعم أن التحريم حق لأحد سواه حتى لو كان نبيا، فقد أشرك بالله. للنبي ان ينهى ويمنع، ولكن وليس له أن يحرِّمَ.
من أكبر الآثام تحريم ما لم يحرم الله في القران. ليتها توقفت فقط على تحليل او تحريم منسوب للنبي عليه اطيب الصلاة والسلام، ولكن الجريمة الأكبر، هي أن بعض المعتوهين من سلفٍ أو معاصرٍ، صار وفق توجيهات سياسية وظيفية، يُحلّل ويحرم باستدلالات واجتهادات منسوبة لبشر آخرين.
الاتكاء على ما ورد في الآية 29 من سورة التوبة ونصه: ” … وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ….” . لاحظوا أن الله سبحانه لم يقل ما حرم الله … وحرَّم رسوله. فلو قال هذا لساغ الإتكاء. لان الرسول ساعتها يكون مستقلا في التحريم. ولكن الآية السالفة جعلت الرسول في التحريم تابعا لله وليس مستقلا. وهناك عشرات الأدلة القرآنية، حرمت على الرسول الاستقلال في التحريم.
بعد هذا التوضيح، لا تسلني عن جواز تهنئة إخوتنا المسيحيين بأعيادهم، أو تمني الخير لهم، والشفاء لمرضاهم، والترحم على موتاهم، أهو من الدين ام لا؟ بل إسال القرآن الكريم عن هذا. فان وجدته في كتاب الله فهو من دين الله، وإلا فهو من وحي الشيطان. وبالتأكيد لن تجد في القرآن الكريم، شيئا يحرم من هذا. بل تجد حكاية النجاشي وهجرة صحب النبي اليه، وستجد زيارة الرسول الكريم لجاره اليهودي المريض، وستجد زواج النبي من مارية القبطية، وستجد قبل كل هذا وذاك، زواجه من السيدة خديجة المسيحية، على يد القس ورقة بن نوفل.
الاصل يا سيدي، وضع كل ما يقال له موروثا بشريا في التدين، في ميزان القران الكريم، وما استوفى شروط الصحة من السنة القولية او الفعلية او التقريرية، قطعية الثبوت والدلالة، وجاءت مفصلة لمجمل في القرآن الكريم، وكذلك العقل، وقبول ورفض ما في التدين البشري، على هذا الاساس. نترك ما لا يوافق القرآن الكريم والسنة القطعية، من بدع واسرائيليات، ونضرب بها عرض الحائط، غير مأسوف عليها.
وحتى لا أثقل بتفاصيل ليس لها اصل في القرآن، على من يحترمون عقولهم ولا يصدقون في الدين ما يخالف القرآن والسنة المؤكدة، ولا يخالف العقل، أقول نعم هذا هو القول الفصل بدون مواربة ولا تأتأة، فلا يُصدِّقُ ما لا يُصَدَّقُ إلا أحمقٌ مختومٌ قلبه ومُقفلٌ عقله، ساعتها وإن كان من كهنة مُطيلي الّلحى أو مُقصري الثياب، أومن عِلْيَة القوم كما يزعمون، العوض بسلامتكم لا أمل فيه. فهو من الذين في قلوبهم مرضٌ، يشطحُ وينطح في التدين كما يشاء. فإنك لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء، وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ.
ولأننا من أتباع الدين الذي يقول: ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ، مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا، فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “، نقول هذا هو الدين الذي ندافع عن تعاليمه وقيمه.
وعلينا أن نميز بين الدين والتدين. فالدين مكتوب في القرآن الكريم. والتدين البشري هو تفسير وتأويل بشري لما ورد بالقرآن الكريم، قد يصح وقد لا يصح، لأنه مبني على فهم وتدين صاحبه وليس دائما بناء على الدين. وما وضعه الانسان ليس جزءً من الدين.
كثرة من الذين آمنوا، هائمون على وجوههم بلا طرق، بلا مقاصد، وبلا رؤية او بوصلة. متكئين في حراكهم على شيء من حسن النوايا او التوافق على بعضها. لذا سنواصل الطرق على جدران من يهجرون القرآن، حتى يسمع الطرشان منهم، إلا من أعيته سفاهة لا يمكن مداواتها.