سمو الرئيس.. عيون التاريخ ترصدكم
بقلم: عبدالله بشارة

النشرة الدولية –

ينكب سمو الرئيس الشيخ صباح الخالد في تركيزه الحالي على الانتهاء من التشكيلة الوزارية التي بدأ فيها منذ فترة، وقد يطول الوقت حتى تكتمل، لم يأتِ التأخير برغبةٍ من سمو رئيس الوزراء، وإنما من ممارسة أصبحت واقعاً كويتياً تولدت من تعقيدات التوزير، فليس فيها ما يغري ولم تعد وهجاً ولا ضماناً بحصاد مثير، وإنما فيها التعرض لغلاظة برلمانية من أعضاء يتوقعون استجابة الوزير لمطالبهم التي عادة ما تكون انتهاكاً للقانون وتعدياً على فرص الآخرين، وعند التشدد في رفض رغبات النائب، يتحول الموضوع إلى مسرحية استجواب ليس بالضرورة تتميز بالعفة، وإنما فيها الكثير من الغث والمهانة وتنتهي بالاستقالة.

ففي مثل هذا السيناريو وفي بلد النعمة والرفاهية وسهولة الحياة، نتساءل: من هو الفدائي الذي يجد في التوزير ارتياحاً واستقراراً؟ ولهذا فإن مهمة رئيس الوزراء في تحقيق التشكيل الوزاري المقنع لا تقل عن أثقال المسؤولية في إدارة هذا التشكيل وفي تأمين مساره لتحقيق الأهداف التي تشكل أولوياته.

وحصيلة هذا الوضع المتعب غياب الاطمئنان باكتمال التشكيل الوزاري في فترة زمنية قصيرة تحقق الاستقرار لأعمال الوزارات المختلفة وتحرك العمل اليومي في ضلوع بيروقراطية الدولة.

ورغم صعوبة هذه المهمة يظل الرأي العام الكويتي متوقعا انجازات يتمناها تخرجه من الجمود الطاغي، فلا مسامحة للرئيس إذا ما تعثرت مساعيه ولا عذر له إذا أخفق في تأمين دعم النواب.

هذا هو الواقع الذي يعمل فيه الرئيس، لكنه يواجه اليوم شيئا آخر، غير ما كانت عليه الأحوال الماضية، فهناك مجموعة من الأعضاء تسعى لحل المجلس، لأنها الصيغة الوحيدة التي قد يخرج منها رئيس مجلس الأمة السيد مرزوق الغانم وهذه حالة غير مسبوقة في حياة البرلمان تتمثل في عزم مجموعة على التخلص من رئيسهم بقرار سلبي يناقض ما يحرص عليه النواب في وقاية الحياة البرلمانية.

ومن هنا تبرز تساؤلات عن الحالة التي ستكون عليها جلسة الافتتاح وعن نوعية الآليات التي سيوظفها نواب المعارضة للوصول إلى المطلوب، وعن شرعية الوصول إلى هذا الهدف عبر آليات لا يقرها الدستور، وهل يمكن أن يصل التساهل إلى القبول بما قد تفرزه المواجهة دون أي اعتراض على الأساليب التي وظفتها المعارضة.. هذه مناقشات تدور الآن في البيئة السياسية الداخلية.

سيدخل سمو رئيس الوزراء إلى ممرات البرلمان في بيئة خشنة لا تريح ولا تضيف شيئاً مجيداً للكويت، وإنما فيها مؤشرات الحدة التي نمت من سلوكيات ومزاجية شخصية لا علاقة لها بمصالح الدولة أو بالحرص على مكاسبها، وقد يتمكن الرئيس من تجاوز مواقف المعارضة وينال ثقة المجلس مع وزارته، وتمر جلسات الافتتاح لكن ذلك لن يوقف المصادمات لأن مجموعة المعارضة ستعود ترمي قذائفها على الرئيس ومجموعته، لأن هذه المجموعة لن تهدأ ولن تتقبل حصيلة الإخفاق، متصورة بأن هناك فرصة يأتي منها حل المجلس، رغم معرفة الجميع بأن حل المجلس كان دائماً بقناعة من سمو الأمير، وإذا حدث شيء ما ليوقف أعمال المجلس بفضل مخططات المعارضة فستسجل الكويت سابقة خطرة في حياتها البرلمانية وسيتكرر اللجوء إلى هذه الوسيلة بما فيها من عوامل هدم لأعمدة الاستقرار التاريخية للدولة.

ولنفرض تم تعطيل أعمال المجلس لفترة دستورية قصيرة، ما الجديد الذي سيقدمه غياب البرلمان لفترة قصيرة؟

لا شك بأن الإعياء الشعبي سيزداد ضد إشغال الدولة في صراعات البحث عن نفوذ بين مجموعات نيابية تفرض خياراتها وجدول أعمالها على الأولويات التي يريدها المواطن، غير مهمومة بما قد تفجره هذه القناعات من دمار للبيئة الدستورية للدولة.

خرج الدستور من حرص سمو الشيخ عبدالله السالم على أن يكون للكويت وثيقة جامعة تستوعب وتضم آمال الكويتيين بكل طوائفهم وبتنوع اجتهاداتهم معتمدة على دعم الجميع وقادرة على تجنيد الجهد الجماعي لترسيخ استقرار الكويت وتعميق أعمدتها وتأمين استقرارها وحضانة سيادتها، ولم يأت هذا الدستور برغبة من أمير الكويت آنذاك متأثراً بأنظمة برلمانية خارجية لها دساتيرها فيها تداول سلطة وحق للمعارضة بالقيادة عندما تفوز بالأغلبية، وإنما كان الهدف الأساسي حشد وقفة وطنية جماعية لصون الوطن وإبراز الغيرة على سلامته وبقائه.

ودور البرلمان في الكويت هو تصويب مسار الحكومة نحو ما يريده أبناء الشعب في جميع المجالات، أمناً وسياسة واقتصادا، كل ذلك يتم في إطار الشرعية الدستورية وليس خارجها.

هذه المأمورية التاريخية التي أرادها المرحوم الشيخ عبدالله السالم أن يوكلها للشعب، جسدها الدستور وتدارسها المؤسسون في اجتماعات المجلس التأسيسي، وتفاعلوا مع روحها ونصوصها، ولم يأت في بال أي طرف أن تصل الكويت إلى حالة التيه بين ما دونه الدستور من كلام واضح وبين اجتهادات تصدر من مجموعة نواب لها منظور خاص حول شخصية الرئيس، وهو موضوع خارج اهتمامات شعب الكويت.

سارت الحياة البرلمانية كما رسمها الدستور مرتكزة على مبايعة شعبية جامعة، اصطدمت بالعبث التخريبي عام 1967، وتوقفت مرتين ولفترات لم تحسن حكومات ذلك الوقت استخدامها لطرح ملاحظاتها الصادرة من خبرة ممارسة حول سلامة الالتزام بالدستور وشكلت لجنة قدمت عموميات لم تر اللجنة الشعبية المشكلة ضرورة لها.

المهم سيدخل رئيس الوزراء البرلمان حاملاً معه التشكيلة الجديدة وسيواجه خصومات واعتراضات وعرقلات، وعليه المواجهة بقوة والرد بعزم، صادر من ثقة بالنفس وبوعي بأثقال المهمة التي لابد أن يتحملها دون تعفف، ولكنه سيتمكن رغم الصراخ والضجيج، وعند ذلك تبدأ رحلته الجديدة، فإذا لم يفلح وينجح باختراق المعوقات في التطوير الشامل فعندها سيبدأ الانحسار وتتضح اللاعودة مع نهاية المطاف.

هناك بعض الملاحظات قد يضعها سمو الرئيس في ملفه الجديد:

– تنشيط الحوارات والخروج إلى الأضواء ليتحدث، فعبر الحديث المفتوح يتعرف الشعب على شخصيته وعلى واقعه وعلى مسار المستقبلي، ويرصد حجم الأهلية التي يملكها الرئيس ليواصل العمل.

– أن يتفاعل سلوكه وأقواله وأفعاله مع تثمين وتقدير الرأي العام الكويتي له حول نظافته ونزاهته وتعاليه وترفّعه عن مباذل المال والحياة، وهذا منبع مخزون قوة عليه توظيفه في هذه المهمة..

وأخيراً لا بد من توسيع قنوات التشاور مع التجمعات السياسية وممثلي منظمات المجتمع المدني قبل اتخاذ أي خطوة لها علاقة بالنظام السياسي للدولة.

هذه الدنيا عجيبة وغريبة.. وكل يوم لها أحوال.

زر الذهاب إلى الأعلى