من يقف وراء تأجيل الانتخابات الليبية؟
بقلم: تاج الدين عبدالحق
النشرة الدولية –
مع تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا، يتم تعويم الأزمة السياسية والأمنية، لفترة قد تطول، وقد تعيد الأطراف الليبية إما إلى متاهة التوافق المستحيل، أو تنذر بمخاطر الاحتراب الميداني، والاحتكام للسلاح مرة أخرى.
وحتى الآن لم يجرؤ أي فريق ليبي على المجاهرة بتأييد تأجيل الانتخابات، التي كان مقررًا أن تعقد في 24 ديسمبر الجاري، لكن تصرفات كل الأفرقاء تشي بأنها لم تكن- من الأساس- مستعدة للدخول في عملية سياسية ناضجة، بما في ذلك قبول نتائج الصندوق، خاصة بعد أن اتضح أن فرص المرشحين للفوز بالتأييد الشعبي، كانت ضئيلة، وحظوظهم في الفوز بالرئاسة محدودة؛ إما بسبب الانقسام القبلي والمناطقي من جهة، أو بسبب الفلتان الأمني من جهة ثانية.
كل الأطراف تتحمل مسؤولية التأجيل، وما قد ينتج عنه من تبعات سياسية وأمنية. فالانتخابات لم تكن مطلبا حقيقيا لمختلف الخصوم السياسيين، وجاءت في جوهرها، نتيجة توافق هش بين قوى ليبية لا يجمع بينها سوى الرغبة في الحصول بالسياسة والانتخابات على ما فشلت بتحقيقه في ميادين القتال.
ففي موازاة تأكيدات الهيئات المكلفة بالإشراف على الانتخابات وفحص الترشيحات والطعون، والتي أشارت إلى عدم وجود أسباب فنية تحول دون إتمام الانتخابات، ظهرت مؤشرات على وجود محاولات في الكواليس لإفشال العملية الانتخابية، والتي بدأت بمحاولات محمومة لإقصاء بعض المرشحين عن السباق الانتخابي، من خلال التشكيك بسجلهم القانوني، واستمرت بمحاولة التفجير الميداني بين الأجهزة العسكرية وعناصر ميليشياوية تدعم قوى سياسية تسعى للحصول على مكان في المنافسة على الرئاسة.
في المقابل، فإن القاعدة الشعبية العريضة التي كانت تأمل أن تكون الانتخابات خشبة الخلاص لعذاباتهم الأمنية والمعيشية طوال العقد الماضي، تشكك بعد تواتر الترويج للتأجيل، في النوايا الحقيقية للقوى السياسية، وتقف الآن متحدة أمام محاولات الساعين للتأجيل بغض النظر عن لونهم السياسي وغاياتهم الحزبية، وهو ما يعني أن تلك القاعدة تدرك بحسها الفطري أن الانتخابات كانت جزءًا من الصراع بين القوى السياسية، وليس محاولة فعلية للحل، وأن قبولها الاحتكام للصناديق لم يكن سوى مناورة، أو شراء للوقت؛ بهدف تسمين الأدوار والأحجام.
ولذلك لم يكن غريبا مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، أن يتبرأ الجميع من إثم التأجيل، ويحمّل كل فريق خصومه الآخرين المسؤولية، مع الاستمرار في وضع العراقيل لتعكير مناخ الانتخابات، والأمثلة كثيرة: إذ يصر مختلف الأفرقاء، على الاحتفاظ بالميليشيات المسلحة التي أعاقت الحياة المدنية. بل إنه حتى هؤلاء الذين لم يكن لديهم ميليشيات، حاولوا الاستقواء ببعضها عن طريق الرشوة؛ بهدف تعكير الأجواء الانتخابية وتهيئة المجال للتأجيل.
تأجيل الانتخابات في ليبيا لن يعيد الحرارة إلى خيوط المواجهة بين القوى المحلية فقط، بل إنه قد يدخل القوى الإقليمية في صراع جديد للحفاظ على مصالحها في ليبيا أو محاولة اقتسام هذه المصالح فيما بينها، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح الليبيين، المهددين اليوم بدفع الثمن مرتين؛ مرة من أمنهم ومرة من مواردهم التي تنهب تحت سمعهم وبصرهم.