أيام فيينا النووية تشارف على الانتهاء
بقلم: طوني فرنسيس
طهران تحقق أحلامها العسكرية وتواصل تهديدها الدول المحيطة
النشرة الدولية –
استعرض الحرس الثوري في مناورات “الرسول الأعظم” قدراته الصاروخية (رويترز)
ليس ضرورياً أن تسعى إيران إلى اتفاق في مفاوضاتها النمساوية. هي تسعى ببساطة إلى رفع العقوبات المفروضة عليها، وما عدا ذلك لا يدخل في باب اهتماماتها.
مفاوضو إيران يُبدون اهتماماً بتجديد اتفاق 2015. وتتراوح دوافعهم بين اهتمام نظري بمنع انتشار الأسلحة النووية وطموح إلى كسب مواقع في السوق الاقتصادية الإيرانية. وفي الحالين، لم يثبت عبر تجربة تعاملهم مع إيران الشاهنشاهية ثم الخمينية أنهم يسعون إلى أكثر من إعادة تنظيم علاقات ودٍّ وتبادل.
المشروع الإيراني بدا الأكثر استفادة من اتفاق 2015 في زمن الرئيس الأميركي باراك أوباما. رحل أوباما وخلفه رئيسان، ولا يزال الإمام المرشد في موقعه حاكماً لإيران وتوابعها ومشرفاً على استثماراتها السياسية في المشرق العربي.
قبل الاتفاق، كانت إيران احتلت موقعاً مميزاً في بغداد، واستجابت لنداء رئيس النظام السوري بشار الأسد، فأرسلت إليه حرسها الثوري وميليشياتها من أفغانستان إلى المتوسط، واستولى حوثيوها على السلطة في صنعاء، احتجاجاً على “غلاء المشتقات النفطية”. وفي هذه الأعوام وبعدها، نشطت الشبكات الإيرانية في أنحاء الخليج العربي وأفريقيا وأميركا الجنوبية وأوروبا، وما كان اتفاق “خطة العمل” بالنسبة إليها أكثر من مصدر تمويل لنشاطات سيصفها شركاء الخطة بالإرهاب.
كانت العودة إلى “الخطة” أحد عناوين معركة الرئيس الأميركي جو بايدن الانتخابية في مواجهته الرئيس المنسحب من الاتفاق مع إيران، دونالد ترمب. وعاد بايدن فعلياً إلى مباحثاته مع طهران، لكن العاصمة الإيرانية قابلته بوقائع جديدة. زادت نسبة التخصيب لإبقاء العنوان النووي مشتعلاً وبنداً للبحث وتغطيةً لسلوكٍ موازٍ، فنشاطاتها الأخرى كانت الأبرز. ذلك أن هيمنتها وتوسعها المذهبي المدعوم بميليشيات يجري تسليحها بكثافة، اتخذت أبعاداً جديدة مع تطويرها الأسلحة الصاروخية وإدخالها الطائرات المسيّرة في معارك التهويل والتهديد والاعتداء في العراق والجزيرة العربية. لقد تخطت الوقائع العملية منذ اتفاق 2015 خطورة قيام طهران بتخصيب نووي جرى مثله في باكستان والهند وإسرائيل، إلى انتهاج القيادة الإيرانية سياسات عدوانية تستند إلى مشروع توسعي إقليمي يتهدد صراحة الدول العربية المجاورة، ويتجاوز الحاجات والاهتمامات الفعلية للشعب الإيراني نفسه الذي يعاني مشكلات اقتصادية ومالية وصحية كارثية.
انتهت الجولة الأخيرة من مفاوضات فيينا من دون تقدم نحو تجديد الاتفاق أو عقد اتفاق جديد. ولن يعود المشاركون إلى جولة أخرى قبل الخميس المقبل 30 ديسمبر (كانون الأول) أو مطلع السنة الجديدة. والوقت المتبقي للعودة إلى الاتفاق الأصلي يكاد ينفد، إذ إن مهلة منع طهران من تخطي العتبة التكنولوجية تنتهي أواخر يناير (كانون الثاني)، والمطالب الإيرانية بشأن رفع العقوبات ستحتاج إلى وقت، هذا إضافة إلى رفضها البحث أساساً في بنود تتصل بسلاحها ونفوذها الإقليمي.
مع ذلك، يواصل الجانب الأميركي رهانه على إمكانية التوصل إلى نتائج مُرضية.
الأوروبيون يتحدثون في الوقت عينه عن “تقدم تقني طفيف”، لكنهم يحذرون من أننا “نتجه سريعاً إلى حائط مسدود”. ويرى مسؤول أميركي أن الجولة الأخيرة كانت “أفضل مما كان يمكن أن تكون وأسوأ مما كان ينبغي أن تكون”. ويضيف أنه “إذا استغرق الأمر كل هذا الوقت الطويل للاتفاق على جدول أعمال مشترك، فتخيّلوا كم من الوقت سيستغرق حلّ القضايا المُدرجة على جدول الأعمال”.
واقعياً، تقترب إيران من صناعة سلاح نووي ولا تلقي بالاً إلى دعوات دول المنطقة لوقف سياساتها الاستفزازية، وفي الوقت ذاته، لا تمانع استمرار نهج التواصل والعلاقات العامة في فيينا، لكن من دون أوهام في شأن تغيير مرتقب في نهجها. ويعزز هذا الانطباع أمران حصلا أخيراً: الأول الموازنة الجديدة التي تقدمت بها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي التي لم تعطِ أهمية لاحتمالات تخفيف العقوبات أو رفعها كلياً، والثاني مناورات الرسول الأعظم التي نفذها الحرس الثوري لمدة خمسة أيام، مستعرضاً على نحو خاص قدراته الصاروخية. لقد تمت تلك المناورات فور توقف مفاوضات النمسا، ولإعطائها معنى إضافياً، افتتحها ممثل المرشد، قائد مقر “خاتم الأنبياء” اللواء غلام علي رشيد، بدلاً من رئيس الأركان اللواء محمد باقري، وفي ذلك رسالة صريحة إلى أن خامنئي الذي يشرف على تعثّر فيينا، يقود بنفسه احتمالات التفجر والتهديد الدائم باحتمالات الصدام العسكري.
وما التصعيد الدائم في اليمن والتوتر المتواصل في العراق والانسداد الكارثي في لبنان، إلّا عيّنات من تخصيب متناسق لمشروع إيراني لم يعُد العنوان النووي فيه إلّا ستاراً لأهداف أخرى أكثر خطورة.