السودان: حمدوك يُلوِّح «ثانيّة» بالاستقالة.. ماذا فعل «الجنرالات» به؟
بقلم: محمد خرّوب
النشرة الدولية –
يبدو رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك كمن أطلق النار على قدميه, بعد أن استدرجه الانقلابيون إلى «فخّ» العودة إلى موقعه, رغم تنكيلهم به اعتقالاً وإقامة جَبرِية, ما أثّر سلباً عى نفسِيّته ــ في ما نحسب، الأمر الذي دفعه إلى قبول صفقة مع زعيمي الانقلاب/البرهان وحميدتي (الرجل الغامض/ والقوي الذي يمسك بخيوط اللعبة ويفرض آراءه على الجميع، بدليل رفضه المُطلق حتّى الآن تحت طائلة التمرّد، دمج قواته الموصوفة قوات الدعم السريع، فيما هي «جنجويد» عمر البشير, التي أعملت بنادقها رصاصاً في صدور أهالي دارفور وخاصة الجماهي? السودانية, في المذبحة المعروفة بمجزرة القيادة العامة, والتي لم يتم التحقيق فيها حتّى الآن, رغم ورودها في الوثيقة الدستورية المُوقعة بين العسكريين والمدنيين, وأيضاً في الاتفاقية/الصفقة التي عقدها حمدوك مع البرهان إثر عودته عن الاستقالة وتكليفه تشكيل حكومة «كفاءات».
فشِل حمدوك منذ عودته إلى الأضواء في 21/11 الماضي في تشكيل حكومة كفاءات, بعد مقاطعة شبه شاملة من قوى المعارضة، خاصّة تجمّع المهنيين السودانيين وإعلان قوى الحرية والتغيير, بل ورفض المعارضة التي وحّدَها هدف «إسقاط حمدوك» مع الهدف الرئيس وهو إفشال انقلاب الطغمة العسكرية, ودفعها للتراجع عن انقلابها والتزام تنفيذ الوثيقة الدستورية، خاصّة نقل رئاسة مجلس السيادة إلى القوى المدنية, والذي كان مقرراً شهر تشرين الثاني الماضي, وهو موعد لا يريد العسكريون التقيّد به, ما عجّل بانقلابهم, للحؤول دون المدنيين والإمساك بالسلط?, لأنّ القوى المدنية توعّدت محاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين السودانيين وسفك دمائهم, وجاءت الفضيحة/الجريمة التي تمّ الكشف عنها مؤخراً وهي حدوث حالات اغتصاب للمتظاهرات السودانيات, قام بها منتسبون للقوى العسكرية وميليشياتها لتزيد الوضع اشتعالاً.
تلويح حمدوك مرّة ثانية بالاستقالة لن تكون له أصداء سلبية لدى قوى المعارضة, التي اتّهمته علناً بالخيانة والتنكّر لدماء ضحايا رصاص العسكر وقمعهم, خاصة ارتكابات قوات حميدتي التي تتولّى قمع المتظاهرين والتنكيل بهم. والقرارات الشكلية التي قام بها حمدوك لتجميل صورته الشخصية, والإيحاء للمعارضة بأنّه عازم على القيام بدوره وتنفيذ صلاحياته عبر «إلغاء» قرارات الجنرال البرهان, في ما خصّ تعيين وكلاء للوزارات وحكام ولايات كان البرهان اختارهم من العسكريين بعد انقلابه، لن تُغطي (قرارات حمدوك الشكلية) على فشله، ليس فقط في ?ستعصاء تشكيل حكومة منذ أزيد من شهر على عودته لموقعه، بل وأيضاً لأنّه لم يجد من المُستقلّين وليس من قوى المعارضة مَن يقبل الصعود إلى سفينته الجانحة. وها هو الآن يعيش عزلة قاتلة تبدو كمؤشر على نهاية مسيرته السياسية, اللهمّ إلا إذا جرت عملية تعويم وإنعاش سياسي له لاحقاً, يتولّاها «الوسطاء» الإقليميون والدوليّون وبعض المحليّين الذين قيل إنه «استجاب» لضغوطهم، ما دفعه للعدول عن نيّته الاستقالة التي لوّح بها الأسبوع الماضي, وهو الآن يُعيد على أسماعنا أسطوانة الاستقالة مُجدداً، والتي لن تكون مُحرجة لجنراليّ الانقل?ب/البرهان وحميدتي, بقدر ما تؤشر على إفلاس حمدوك وفقدانه القدرة على التأثير, وفشله الذريع في شقّ صفوف المعارضة السودانية التي ازدادت ضغوطها على الانقلابيين, بعدما ظنّوا أنّ استمالتهم حمدوك وعودته إلى ترؤوس الحكومة, ستكون كفيلة بشقّ المعارضة ودفعها لتقديم التنازلات أو الانكفاء, والفشل في استعادة الزخم الجماهيري الذي ثبت أنّ رهان العسكريين هو الذي فشِل, وأنّ الرجل الذي ظنّوا أنّه (حمدوك) ما يزال يتوافر على تأييد بين قوى المعارضة لا يمثّل إلّا نفسه, بعد فقدانه ثقة قوى المعارضة حتّى أكثرها اعتدالاً ووسطية/انتها?ية.
احتقان المشهد السوداني آخذ في التفاقم, وأزمة الانقلابيين كما رئيس الحكومة الذي عوّلوا عليه, لـ”شرعَنة» انقلاب تشرين الثاني مرشحة هي الأخرى للتصاعد، في ظلّ انعدام تأثير القوى التي اعتمدَ عليها الانقلابيون لنيل اعترافهم بما أقدموا عليه عندما أطاحوا الوثيقة الدستورية وعبثوا بمواعيدها, ومنحوا لأنفسهم سلطات واسعة تُكبّل صلاحيات رئيس الحكومة حمدوك, الذي بدا كدمية في أيديهم رغم تصريحاته العنترية, التي رام من ورائها اظهار استقلاليته وتمسّكه بصلاحيات موقعه كرئيس للسلطة التنفيذية، بل وأيضاً لأنّ إسرائيل صاحبة اليد ا?عليا في سياسة الخرطوم الخارجية خصوصاً الإقليمية، قد اكتفت (حتّى الآن) بما قدمه الجنرالات لها من تسهيلات وحضور ميداني، فيما يُواصل مبعوثو واشنطن إصدار المزيد من التصريحات والدعوات الفارغة, التي لا تردع العسكريين أو تدفعهم للعودة إلى ثكناتهم.