زهور حسين وبسام القعود وأنا!

النشرة الدولية –

توجد في مكة، كما في مدن دينية مقدسة كالنجف وكربلاء ومزارات الأولياء في مصر وغيرها، جماعات من غير أهلها قدم أجدادهم إليها للحج والزيارة، وبقوا، لسبب أو لآخر فيها، وأصبحوا مع الوقت جزءا منها، بالرغم من اختلاف ملامحهم أو أصولهم أو لغاتهم!

***

وقبل أن يتحول الخلاف الشخصي بين الخميني وصدام، إلى حرب ضروس دامت 8 سنوات، قرر الأخير طرد عشرات آلاف الأسر التي تعود في أصولها لإيران، فقام بانتزاع الرجال والنساء والأطفال من مخادعهم، وغالبا فجراً، ومن دون سابق إنذار، ووضعهم على الحدود العراقية الإيرانية، وتركهم لمصيرهم المجهول، وأنهى وجوداً استمر لعقود طويلة، ولكن كان على هؤلاء دفع ثمن خلافات الكبار.

***

ظهر التأثير الإيراني على المجتمع العراقي في صور عدة منها المطبخ، حيث عرف مرقة القيمة ومرقة الشبزي وغيرهما. كما ساهم بعض من تعود اصولهم لإيران في إغناء الفن العراقي، حيث ظهرت في نهاية الاربعينيات وبداية الخمسينيات مجموعة من المطربات من أصول مختلفة، منهن سليمة مراد وعفيفة اسكندر ونرجس شوقي وصديقة الملاية، وزهور حسين، وربما كانت الأخيرة أكثرهن شهرة وجمالاً، صوتاً وصورة، ولكن الزمن لم يمهلها فقد توفيت وهي في الأربعينيات في حادث سيارة عام 1964، وكانت لي وللصديق «بسام القعود» قصة و«حجاية» معها، وإن بصورة غير مباشرة، ولكن يصعب التطرق لها هنا لأسباب «استراتيجية»، وضيق مساحة المقال.

كان اسم زهور الاصلي «زهرة عبدالحسين» وهي من مواليد 1924 وبدأت الغناء عام 1938، وبرعت في أداء أطوار غنائية مهمة مثل الدشت والمقام العنيسي والمحبوب والمستطيل، وأجادت الأبوذية. كانت تعمل في بداياتها الفنية بملاهي بغداد خلال عقدي الخمسينيات، واشتهرت بأداء أغاني الريف الجنوبية والمدينة معاً، وكانت تصادق وتنافس سليمة مراد. ومن أغانيها الشهيرة «غريبة من بعد عينج يا يمة»، و«يُم أعيون حراقة»، و«جبت لأهل الهوى»، و«إنت الحبيب» التي يبدأ مطلعها بالكلمات العربية، لتنتهي بالإيرانية، وهي من أشهر الأغاني الشعبية الخليط من اللغتين، وهذا يجعلني أميل للاعتقاد بأن أصولها ربما تعود لإيران.

تقول كلمات تلك الأغنية:

إنت الحبيب والله إنت الطبيب والله

تعال تعال يا ولد يمتى الوصال يا ولد

كل «بري» جون بله كل «بري» جون بله

اينجايي جون بله خسته ميشي نميشم.. إلخ

***

كما يقال إن «ناظم الغزالي» ومطربين عراقيين آخرين، كانوا يضمنون بعض أغانيهم كلمات أو مقاطع فارسية، دلالة على انصهار المجتمع البغدادي في ذلك الوقت وتقبله كل جديد. وكان ليهود العراق تأثير غنائي كبير، منها أغنية «يا نبعة الريحان»، لسليمة مراد، الأجمل في التراث العراقي، التي لحنها صالح الكويتي، اليهودي، وتقول كلماتها التي صاغها الشاعر «عبدالكريم العلاف:

يا نبعة الريحان حنّي على الولهان

جسمي نحل والروح ذابت وعظمي بان..

من علة بحشاي ما ظن عندي راي

دائي صعب ودواي ما يعرفه انسان

يا ربي مالي ذنوب الا هوى المحبوب

لا هو ذنب واتوب اغفر لي يا رحمن

كم يوم انا مطروح ليل ونهار انوح

لا تعذبين الروح سوي علي احسان

***

ثم جاء طوفان الانقلابات وكان «صدام» على رأس آخرها، لتأتي معه موجات الحقد والطائفية والكراهية، وتقضي على كل جميل في العراق!

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى