شوارع مسيحيي الكويت
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

أثار مقالي عن اليهودي العراقي الراحل «عزرا خدوري زلخا»، الذي نشر في 8ـــ‏11ـــ‏2021 شجون البعض، وخاصة خارج الكويت، لما بينه من صنوف الاضطهاد التي تعرضت لها أقليات في أكثر من دولة عربية، ومنها العراق، الذي عاش فيه اليهود لآلاف السنين، وكانوا بالفعل جزءاً لصيقاً من نسيجه الاجتماعي، غير منزوين ولا منغلقين، وفجأة اختلقت جهة ما جريمة «الفرهود»، فنشبت أعمال عنف ونهب في بغداد، خلال إقامة أحد الاحتفالات الدينية اليهودية، في يونيو 1946، ووقعت مذابح راح ضحيتها 175 قتيلاً وألف جريح يهودي، ودمّر الرعاع مئات المنازل العائدة لهم، وساهم الفرهود تالياً في تسارع هجرتهم إلى إسرائيل، وخسر العراق من جراء ذلك الكثير، ولم «يترقع» وضعه منذ يومها.

كما بينت، في مقال الجمعة 30ـــ‏12ـــ‏2021، ظروف بعض الأقليات الأخرى التي عاشت في العراق لقرون، ومنها الإيرانيون، وذكرت بأن المطربة «زهور حسين»، ربما كانت منهم، وعن المعاملة المهينة التي تعرض لها الآلاف منهم على يد الطاغية صدام، عندما قام، نكاية بنظام الملالي في طهران، بطردهم، ووضعهم على الحدود الدولية، بلا مال ولا ممتلكات ولا آمال، من دون رحمة ولا إنسانية، مقتدياً غالباً بما حصل لليهود في زمن الفرهود!

***

ذكرتني بعض التعليقات على مقال «زهور حسين» بحقيقة أن بيننا، كمواطنين، مجموعة يقارب عددها الثلاثمئة من المسيحيين، الذين أبلى عدد منهم أحسن البلاء في خدمة البلاد، ومنهم أطباء وأساتذة كبار وسفراء وعسكريون مميزون، ومع هذا لا توجد سكة، أو زنقة، باسم أي منهم، بالرغم من كبير خدماتهم. وتاريخ الكثيرين منهم أفضل بكثير من تاريخ العشرات الذين أُطلقت أسماؤهم على شوارع الدولة، وفضلهم الوحيد، أنهم «ماتوا»!

***

فقد كان هناك «جبرا شحيبر» الذي له فضل في بناء الجيش الكويتي، والذي قدم للكويت قبل أكثر من سبعين عاماً، وقبل نسبة كبيرة من الكويتيين بعقود، وأصبح هو وأبناؤه وأحفادهم وأحفاد أبنائهم من صلب هذه الأرض.

كما كان هناك الضابط الكبير اللواء خليل يوسف شحيبر، الذي يعود له الفضل في تأسيس جهاز الشرطة، حيث كان مدير قوة الشرطة قبل أكثر من 73 عاماً، وكان اليد اليمنى لفترة طويلة للشيخ صباح السالم، قبل أن يصبح أميراً.

أما الصديق والسفير الراحل سعيد يعقوب شماس، فقد كان من أوائل الدبلوماسيين المميزين في فترة ما بعد الاستقلال مباشرة، وتقلد مناصب رفيعة سفيراً في الاتحاد السوفيتي، وفرنسا، قبل أن يصبح مديراً لإدارة المراسم.

وهناك إبراهيم جبرا شحيبر، رجل الصحة والتعليم، وسليمان سمعان شماس، الصيدلي في مستشفى الإرسالية، في بدايات القرن العشرين، ووالد الصديقة الرائعة أم طارق، باسمه سليمان.

كما كان هناك القس يعقوب شماس، شيخ الكنيسة الإنجيلية الوطنية في الكويت، والأستاذ إسماعيل كدو، جارنا في المقوع الشرقي وأستاذ اللغة الإنكليزية المعروف، والأم بياتريس نجيبة يوسف عقيقي، التي أسست مدرسة فجر الصباح عام 1963، وكانت أفضل مدرسة خاصة، وتخرج فيها عشرات آلاف الطلاب والطالبات.

وهناك بنيامين يعقوب غريب، والد القس عمانويل غريب، وغيرهم من المبرزين.

***

لو سأل أي كان الحكومة الكويتية عن سبب منحها شرف حمل جنسية الدولة لهؤلاء المسيحيين، من عرب وغيرهم، لكان الجواب واضحاً وبسيطاً.. لخدماتهم! فإذا كان هذا السبب فلماذا يحرمون من حقهم في إطلاق أسمائهم على مكان عام أو قاعة أو شارع؟

 

كما أن الأمر ذاته ينسحب على غيرهم من المواطنين ممن كانت لهم أفضال وخدمات كبيرة، عاشوا وعملوا بيننا لعشرات السنين، ودفنوا في هذه الأرض الطيبة، ومنهم الدكتور يحيى الحديدي، والدكتور احمد سلامة وغيرهما، والذين يستحقون كل تقدير وتكريم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى