يوم غيَّر موقفه
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

اتصل بي في ساعة متأخرة وقدم نفسه كقارئ قديم ومتابع جيد، وكان يود من فترة الحديث معي في ما يتعلق بتشددي وتطرفي مع «الإسلاميين»، فقاطعته قائلاً إن تشددي وتطرفي لا يختلفان عن تشددهم وتطرفهم، ولكني اسعى لإنقاذ الأرواح وهم يسعون لإفنائها! لم يعلق واستمر قائلا إن ما كتبته في رد على ما كتبه «قريبه» لم يكن منصفاً، وإن المجتمع الذي ينتمي له مجتمع محافظ منذ القدم وله تقاليده وقيمه التي ترفض «كل هذه الحريات» التي أطالب بها، وخاصة الحريات النسوية منها، حسب تعبيره!

قال إن تحرر المرأة من قيود الدين والتقاليد الموروثة سيهلك المجتمع، وإن معظم المطالب النسوية تصب غالبا في توافه الأمور، الضارة بالمرأة، دون أن تدرك ذلك، مثل إعطائها الحق في أن ترتدي ما تشاء، وأن تكوّن صداقات وعلاقات مع من تشاء…إلخ! وقال إن ذلك يؤدي لامتهان المرأة لكرامتها، وتصبح سلعة للمتعة!

قاطعته ثانية، وقلت إن المجتمع الذي يدعي الانتماء، أو الدعوة له، هو الأكثر امتهانا للمرأة، ولأن تكون «سلعة للمتعة»، والقضايا التي نظرتها وتنظرها المحاكم خير دليل! كما أن المطالبة بزيادة العطايا المالية للمرأة وتخفيض ساعات عملها، وزيادة أيام إجازاتها، وتخفيض سن تقاعدها لا تعني أبدا أن من يطالبون بها هم من نصرائها، أو مؤيدي حقوقها بل هم يفعلون ذلك لدفعها للبقاء في البيت أكثر، بعد أن عجزوا عن منعها من العمل، ولكي تستمر أداة انتخابية، حسب أهوائهم، ومصدر دخل كبير للأسرة!

وقلت له إن العلمانيين لا يطالبون بكل تلك المزايا للمرأة، وهم على ثقة بأن نسبة كبيرة من النساء العاملات لن يعجبهن ذلك، وسيحرمون العلماني من أصواتهن الانتخابية، ومع هذا لم يمنعهم هذا من الانسجام مع مبادئهم والمطالبة بها، فمن هو الطرف الأكثر مصداقية هنا؟

اعترف المتصل بأن معي بعض الحق، ولكنه رد بسذاجة قائلا إنه لا يزال يرفض ما نطالب به من حقوق للمثليين، أو السماح مثلا للمرأة بالسكن في فندق مع رجل دون وجود رابطة زواج!

رددت عليه بأن ما نطالب به هي حقوق اعترف العالم أجمع بها، من منطلق إنساني بحت، وخاصة للذين لم يكن لهم خيار في ما اختاروه، حيث وجدوا أنفسهم غير محدد الجنس من ناحية جسدية ونفسية وفسيولوجية، فما ذنبهم! كما أن قضية المثلية لازمت البشرية من بداياتها، وتعاملت معها مختلف الثقافات والديانات بطريقة أو بأخرى، إلى أن وجد العالم المتقدم نفسه أمام الخيار الوحيد، وهو الاعتراف لهم بحقوقهم!

أما موضوع السماح للمرأة بالسكن في فندق مع شخص غريب عليها فهي مسألة تحتاج لحديث طويل ليس الآن وقته، واتفقنا على اللقاء في مكتبي في اليوم التالي لاستكمال الحديث!

***

حضر القارئ المتصل في الموعد المحدد متأبطا مغلفا وضعه أمامي، ووضع يده عليه، وقال إنه مدين لي باعتذارين:

الأول، اتصاله في الليلة السابقة في وقت غير مناسب!

وشكرني على صبري وطول بالي معه.

والثاني، لموقفه غير المنطقي واختلافه معي، بعد أن اكتشف صباح اليوم خطأ موقفه!

رفع يده عن المغلف وفتحه وأخرج عدد اليوم من صحيفة يومية، وأشر على خبر منشور على الصفحة الأولى يتعلق بصدور حكم من «الاستئناف» بإلزام شخصية «سياسية ودينية» معروفة، بدفع مبلغ كبير لـ«امرأة» أدار لها ظهره وأنكر علاقته بها، وما كان بينهما من «عقد وعهد»، بعد أن نال منها وطره…… في أحد الفنادق!!

***

وقف الزائر فجأة وقال إنه لن يطيل البقاء، وان حديثي معه بالأمس، وخبر الجريدة في صباح اليوم بينا له ما يكفي من حقائق!

زر الذهاب إلى الأعلى