السذاجة في فهم المؤامرة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
كتب الزميل السعودي محمد علي المحمود مقالاً مؤخراً يتعلق بسذاجة القارئ العربي في نظرته لنظرية المؤامرة، وكيف أن هذه النظرة تقوم على تخيلات غالباً ما لا يكون لها أساس من الصحة، مثال ما آمن البعض به لسنوات من أن هتلر هرب من ألمانيا وعاش في مكان ما، وأن هبوط الإنسان على القمر كان فيلماً صور في استوديوهات هوليوود، وأن «كورونا» كذبة يقصد منها تنفيع شركات الأدوية، وغير ذلك من خزعبلات، مثل الإيمان بوجود مجموعة سرية تتحكم في العالم، وأن كائنات فضائية سبق أن زارت الأرض وبنت الأهرامات، مثلاً، ثم غادرتها!
المشكلة ليست في مدى واقعية هذه القصص، وإنما في «الأوهام» التي تُحاول ردم «الفراغات المجهولة» في الحكاية، ومن ثَمَّ تنميتها لتصبح غولاً يلتهم الحقيقة من جذورها.
نظريات المؤامرة تقوم على «تخيّلات حكواتيّة» تستعين ببعض المعلومات المتاحة، ولكن غالباً لا أساس لها من الواقع، كما أن المشكلة ليست في نظريات المؤامرة، التي يراها الصحافي كريستوفر هيتشنز إفرازاً لتوافر كثير من المعلومات لكثير من الناس، الذين لا يملكون في أغلبيتهم القدرة على تحقيقها وتحليلها، وإنما المشكلة في تصديق عدد كبير من الناس، ليس من الأوساط الشعبية المُهملة التي يتفشى فيها الجهل فحسب، وإنما، وبصورة أكبر، في الأوساط المتعلمة التي تكون أكثر عرضة للمعلومات المتناثرة.
والطريف أن نظريات المؤامرة كانت غير معروفة إلا لبضعة أفراد، وفجأة، ومع انتشار القراءات المبتسرة على وسائل التواصل، والكم الهائل من المعلومات، أصبحت أكثر انتشاراً وازدهاراً، وليس من السهل إيجاد وسيلة تفسّر وتحلّل، لكل هؤلاء المتعلمين، صحة وخطأ كم المعلومات والأخبار التي يتلقونها في كل ساعة.
والغريب ألا أحداً من هؤلاء يود إدراك أن وراء كل نظرية مؤامرة دافعاً ذاتياً، لا علاقة له بالمعطيات الموضوعية أو العلمية للموضوع الذي تدور حوله النظرية، فمن يعتقدون أن بوش وراء أحداث 11 سبتمبر هم ديموقراطيون في الغالب، ومن يعتقدون أن أوباما مسلم متخف هم جمهوريون في الغالب، وقد يكون الطرفان أفراد أسرة واحدة، وهكذا، خصوصاً أن هناك دائماً، في أية كذبة، حقائق مُساندة، وهي ضرورية لكسب إيمان البسطاء بصحتها.
بسبب سعي الإنسان منذ فجر التاريخ إلى فهم غوامض الظواهر، فقد دفعه ذلك إلى خلق «الأساطير» ليضفي «معنى ما» على ما يجهله في محيط وعيه. وكانت لديه دائماً، من حيث هو حيوان حكّاء، قابلية التصديق للحكايات مهما كانت غير معقولة، وهي القابلية ذاتها التي تصنع بالضرورة الاستعداد لتأليف هذه الحكايات اللامعقولة.
والسؤال: هل الجمهور الغبي وحده ضحية نظريات المؤامرة؟ أم هل يتحوّل حتى غير الأغبياء، لحظة التماهي مع الحكاية المُشوّقة، إلى أغبياء مؤقتاً (حالة تخدير ظرفي)؟ وبالتالي، كما يرى جوناثان غوتشل، فإن المشكلة ليست في «الغباء»، بل في الحاجة الفطرية والغريزية إلى حكاية ما، فالتفكير التآمري ليس حكراً على الأغبياء، بل هو انعكاس لحاجة العقل الحكّاء القهرية إلى تجربة ذات مغزى، وانها حكايات كاذبة، ولكنها مواسية دائماً ببساطتها. ففوق هذه الحكايات، نجد أن الأحداث السيئة تقع لأن ثمة أشخاصاً أشراراً يسعون إلى مطاردة سعادتنا. وبالتالي، يُمكننا مقاتلة الأشرار وهزيمتهم إن استطعنا قراءة القصة الخفية، أو حقيقة المؤامرة، وإن استوعبنا كلَّ ما سبق، فلن يقلقنا مستوى الغباء الجماهيري الواسع، حتى لو كان بينهم حملة شهادات «دكتوراه»، وأن من الطبيعي وجود مثل هذه النظريات، وأن تجد لدى أعداد هائلة القابلية لتصديقها، مع كل منافاتها للعلم والعقل.
وانعكست هذه النظريات والحكايات المُشوّقة حالةَ «عالمٍ عربي» مُتَوَّهم، عالمٍ يتمتع بخيرات واسعة ووئام مقابل وحوش غربية شريرة رابضة على الضفة الأخرى ليس لها من هَمٍّ غير حياكة المؤامرات علينا، بغية هزيمتنا وسحقنا ونهب خيراتنا، والإسلاميون، والإخوان بالذات، الأكثر ترويجاً لهذه النظريات، وتصوير الغرب المسيحي حاقداً علينا، واليهودية تسعى إلى الهيمنة على مقدراتنا، والماسونية تهدف إلى إفساد مجتمعاتنا، ثم يسارع هؤلاء إلى اللجوء لهذه الجهات، بغية الدراسة أو لحفظ أرصدة أحزابهم، والبحث عن الأمان السياسي والاجتماعي لهم ولأسرهم!