بوتين – رئيسي: لقاء الجدول الخاطئ
بقلم: طوني فرنسيس
إيرانيون يفضلون أميركا وإسرائيل ونظام يعتبر الصلاة في الكرملين "غزواً للمعاقل"
النشرة الدولية –
مرّ أقل من أسبوع على زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو، ولم تتكشّف الحصيلة الفعلية لتلك الزيارة التي عوّلت عليها القيادة الإيرانية الكثير، وجعلتها محطة تاريخية في سياستها الخارجية.
والحقيقة أنه لا حصيلة مهمة بقدر ما كان يتوخى الإيرانيون، فلم يصدر بيان مشترك، ولم توقع اتفاقية العشرين سنة على غرار اتفاقية الـ25 سنة مع الصين، علماً بأن تلك الاتفاقية الاستراتيجية مع روسيا جرى طرحها وبحثها مع حكومة الرئيس حسن روحاني قبل عامين، ثم نامت في الأدراج.
اكتفى رئيسي بالقول إن زيارته موسكو بمثابة “نقطة تحول”، وإنها فرصة “للاطلاع” أكثر على شؤون العالم، وتحدث وزير خارجيته أمير عبد اللهيان عن إعداد لاتفاقيات، وفي الخلاصة لم يلمس المراقبون نتائج فعلية لمستوى التعاون المفترض غير مناورات بحرية مشتركة في بحر العرب بين أساطيل إيران والصين وروسيا.
وفي الحقيقة لم يكن أحد في روسيا يتوقع نتائج أفضل لتلك الزيارة. فموسكو منشغلة بمواجهتها مع الغرب في شأن أوكرانيا وتوسع حلف الأطلسي نحو حدودها، ورئيسها فلاديمير بوتين كان يفكر، وهو يجتمع برئيسي لمدة ثلاث ساعات، بمفاوضات اليوم التالي بين وزير خارجيته سيرغي لافروف ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن، وكان منصرفاً إلى تفسير معاني تصريحات الرئيس جو بايدن حول أوكرانيا، وما إذا كانت بمثابة ضوء أخضر له للتدخل في تلك البلاد.
وفي الحقيقة، فإن بايدن دعا بوتين “كي يجرب حظه” على ما قالت صحيفة “صنداي تلغراف” البريطانية. وفي رأيها، أن قول بايدن في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي “إن التوغل البسيط في الأراضي الأوكرانية قد يؤدي إلى رد غربي أكثر ليونة، هي ملاحظة غير عادية يمكن تفسيرها بسهولة على أنها دعوة لبوتين لتجربة حظه”.
ولم تتأخر وزارة الخارجية البريطانية في اتهام موسكو بالإعداد لانقلاب في أوكرانيا، وذهبت إلى تسمية عضو البرلمان الأوكراني السابق يفين مورايف مرشحاً محتملاً لبوتين إلى رئاسة حكومة أوكرانية جديدة.
كان بوتين منشغلاً بأمور أخرى لدى اجتماعه بالرئيس الإيراني، هي الأهم والأكثر حساسية من علاقته ببلد ونظامه لم يقدما إليه في الظروف الراهنة سوى مشكلات إضافية، خصوصاً في سوريا، الإنجاز “التاريخي” لسياسة بوتين الخارجية. وقد لاحظ محلل في وكالة “فارس”، متخصص بحركة الجسد، توتر بوتين خلال الاجتماع، فهو هز رجله وعدل ربطة عنقه مرتين!
وراء العناوين الضخمة التي عممها إعلام الأصوليين في طهران، كانت تختفي حقائق أخرى عن واقع العلاقات الروسية – الإيرانية. صحيح أن روسيا تدعم إيران في مفاوضات فيينا، لكن هذا الدعم يفسر بوصفه جزءاً من حسابات المواجهة الروسية – الأميركية. ولا شك أن بوتين اطلع عشية مباحثاته مع رئيسي على استطلاعات رأي في طهران أظهرت أن غالبية الإيرانيين لا يثقون بروسيا. ونقلت صحيفة “كوميرسانت” الروسية نتائج استطلاع جاء فيها أن لدى 52 في المئة من الإيرانيين مواقف إيجابية من الأميركيين، ولدى 35 في المئة منهم مواقف إيجابية من إسرائيل، وهناك 71 في المئة من المستطلعين يعارضون برنامج التعاون مع الصين، و66 في المئة يعارضون اتفاقية تعاون لمدة 20 عاماً مع روسيا. حتى إن هناك 71 في المئة يعارضون الاتفاق بين روسيا وإيران حول الوضع القانوني لبحر قزوين، علماً بأن البرلمان الإيراني لم يصادق عليه حتى الآن، على الرغم من توقيعه في أغسطس (آب) 2018 من قبل رؤساء الدول المطلة على هذا البحر.
ليست العلاقات على ما يرام، وجدول رئيسي كان على ما يبدو أقل تواضعاً. فاتفاقية العشرين عاماً بدت ذريعة لمناقشة شؤون أخرى بينها مستقبل الوضع السوري، حيث يوجد البلدان بقوة، و”هشاشة النظام الأمني في القوقاز”، حسب فاردي إفتخاري الباحث في جامعة طهران.
وبحسب صحيفة “فزغلياد” الروسية، يجس الإيرانيون منذ أشهر عدة “نبض روسيا من أجل ردع مشترك لتركيا في جنوب القوقاز، ولم يتلقوا الإجابة التي انتظروها”. هنا، تقول الصحيفة الروسية: “تحاول إيران الجلوس على كرسيين… من ناحية تريد ردع تركيا ومن ناحية أخرى عدم اتخاذ أي خطوات علنية في هذا الاتجاه، حتى لا تتسبب في احتجاجات مناهضة للحكومة في المناطق التي يسكنها الأذربيجانيون في إيران. أي إن طهران مستعدة لمساعدة روسيا إنما في الخفاء، وموسكو غير مستعدة لأن تكون رأس حربة”.
وفي السياق، وبحسب الباحث الإيراني محمد كيلين، فإن الموضوع الذي يهم طهران سيكون “ممر النقل من الجنوب إلى الشمال الذي يمكن أن يصبح جزءاً من طريق الحرير الجديد، وإيران تريد لنفسها دوراً رئيساً في هذا المشروع الجيوسياسي”.
“إيران تقدم رئيسها الجديد لفلاديمير بوتين!”، عنوان ربما يختصر المعنى الروسي للزيارة الرئاسية الإيرانية. أما في طهران فقد جرى اعتبار مشهد أداء رئيسي للصلاة في الكرملين “إنجازاً”. قال محمد سعيدي ممثل خامنئي في قم: “أظهرت صلاة رئيسي في الكرملين أننا لسنا معتمدين على الشرق ولا متعلقين بالغرب”. أما أمام الجمعة في شهركرد محمد علي نكونام فقد ذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى “غزو المعاقل واحداً تلو الآخر”، ليضيف محمد مهدي همداني، إمام الجمعة، في كرج أنه من المحتمل أن يصلي رئيس الجمهورية في البيت الأبيض!
الأرجح أن التركيز على مشهدية صلاة الكرملين يحاول تغطية زيارة غير ناجحة، وفات هؤلاء الداعمين لسلطة المرشد التذكير، بأن حلول رئيسي في الكرملين صادف مرور 33 سنة على رسالة الخميني إلى غورباتشوف 8 يناير (كانون الثاني) 1989، وفيها يدعوه لاعتماد نظرياته كحل لمشاكل الاتحاد السوفياتي والعالم! ولم يكن ينقص تقييم الحصيلة إلا استرجاعاً من هذا النوع.