خطر يتهدّد الإنتخابات اللبنانية وفرنسا بالمرصاد
بقلم: نوال الأشقر
النشرة الدولية –
“هنا لبنان” – نوال الأشقر –
من بوابة “الميثاقية”، تُطرح علاماتُ استفهام حول مصير الإنتخابات النيابيّة، على خلفيّة إعلان الرئيس سعد الحريري انسحابه من المشهد السياسي، والعزوف عن المشاركة في السباق الإنتخابي، وتعليق العمل في الحياة السّياسيّة، خصوصًا أنّ الرجل لم يكتفِ بالعزوف عن الترشّح على المستوى الشخصي فقط، بل ألزم تياره بعدّم التقدّم بأيّ ترشيحاتٍ من “تيار المستقبل” أو باسم التيّار، الأمر الذي شكّل صدّمةً للعديد منهم، والذين كانوا يعدّون العدّة للانخراط في السباق التشريعي، على بعد أقلّ من أربعة أشهرٍ من موعد الانتخابات في أيار المقبل.
انكفاء الحريري ليس تفصيلًا في الحياة السياسيّة اللبنانيّة، انطلاقًا من كونه الممثّل الأول للمكوّن السنّي على امتداد لبنان، ورئيس كتلةٍ نيابيّةٍ مؤلّفةٍ من 21 نائبًا، علمًا أنّ كتلته كانت تضمّ 33 نائبًا في الدورة النيابية عام 2009. في المعادلة السياسيّة أحدث انسحابه المفاجىء فراغًا كبيرًا بطبيعة الحال، ستملؤه كتلٌ متباينة، وربما تنسحب المقاطعة على جمهوره الذي قد يعزف بدوره عن المشاركة في التصويت، بسبب غياب ممثّليه. لكن بالمعنى القانوني، هل يهدّد انكفاء الحريري الاستحقاق التشريعي انطلاقًا من الميثاقية؟ وإلى أيّ مدى هناك تشابه بين انكفاء الحريري والمقاطعة المسيحيّة عام 1992؟ خصوصًا وأنّ قيادات سنيّة وازنة أخرى لن تشارك أيضًا، بعضها أعلن ذلك كالرئيس تمام سلام، في حين أنّ الرئيس ميقاتي لم يحسم قراره بعد، وإن كان الاتّجاه قبل انسحاب الحريري لعدم الترشح شخصيًّا، ودعم لائحة انتخابية تخوض الإنتخابات باسم كتلة “الوسط المستقل”.
لا خطر على الميثاقيّة
الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك لا يرى في عزوف الحريري و”تيار المستقبل” خطرًا على ميثاقيّة الإنتخابات، على رغم الخسارة الفادحة التي حلّت على الوطن ككل، ولكن ذلك لن يؤدي إلى نسف الإنتخابات بحجّة الميثاقيّة، لافتًا في حديث لـ “هنا لبنان” إلى أنّ الأمر يختلف عما كان عليه عام 1992، “في حينه كان هناك امتعاض من قانون الإنتخاب وتحفّظات حوله، انطلاقًا من مخالفته للطائف، خلافًا لما عليه الأمر اليوم، حيث أنّ تيار المستقبل يبدي اعتراضًا على صعيد الأداء السياسي. إضافةً إلى ذلك تجدر الإشارة إلى أنّه عام 1992 حصلت مقاطعة مسيحيّة جامعة، من قبل كافة الأحزاب والشخصيّات السياسيّة والفئات والشرائح، ومن قبل بطريركية الموارنة، أمّا اليوم فيقتصر القرار على تيار المستقبل بالاعتكاف عن ممارسة الحياة السياسيّة، ولا أعتقد أنّ ما نحن عليه يتساوى مع ما حصل في ذاك الحين، لاسيّما وأنّ شريحةً كبيرة من المسلمين ستتقدّم بترشيحاتها في كافة الدوائر، سيكون هناك افتقاد بالطبع إلى “تيار المستقبل” والحريري، ولكن هذا لا يعني أنّ الميثاقيّة مهدّدة”.
من ناحية ثانية يرى المحامي مالك أنّ تعليق العمل السياسي بمثابة إشارة على أنّه يمكن إعادة النظر بهذا القرار عند حصول أي متغيّر، فالتعليق لا يعني الإنسحاب من الحياة العامة، وربما يكون ضمن إطارٍ تكتيكي من أجل الوصول إلى تجييش القاعدة.
التشكيك بإجراء الإنتخابات كان قائمًا قبل عزوف الحريري، وعلى رغم إصرار المجتمع الدولي على حصول الإنتخابات في موعدها، لا زال هناك نوع من عدم اليقين حيال مصيرها، خصوصًا وأنّها تحصل في زمن الإنهيار المالي، وبالتزامن من تعاظم النقمة الشعبية على الطبقة السياسية من جهة، وكونها ستؤسس لمجلس نيابي ينتخب الرئيس المقبل للجمهورية من جهة ثانية، بظلّ تراجع شعبية الصهر، الطامح الأكبر والساعي دومًا، نحو كرسي بعبدا. في السياق كان لافتًا تعليقُ رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على انسحاب الحريري بالتأكيد على “الوقوف مع أيّ مكون يشعر بالاستهداف، وما لم نقبل به لأنفسنا لا نقبل به لغيرنا، ونحن مع ضرورة أن يكون هناك تمثيل فعلي لبعضنا البعض في أيّ استحقاق”. حيث بدا باسيل بعد اجتماع تكتل “لبنان القوي” حريصًا على مساندة الحريري في أيّ استهداف يشعر به، والدفاع عن تمثيل تيار المستقبل وغيره في أيّ استحقاق، لدرجة أنّ الشيزوفرينيا بدرجاتها العظمى جعلت باسيل يتناسى أنّه أول من وقف بوجه ترؤس الحريري للحكومة، وواصلوا وضع العصي في الدواليب حتّى أخرجوا “الرجل الأقوى في طائفته”، علمًا أنّ شعار “حكم القوي في طائفته” من “عندياتهم”، إلى أن استسلم الأخير معتذرًا عن التأليف، ومتّهمًا إيّاهم بنسف كلّ الصيغ الحكوميّة التي تقدّم بها بهدف إبعاده.
ذريعة لتطيير الإنتخابات!
بطبيعة الحال لن يجرؤ أحد على المجاهرة بمطلب إرجاء الإنتخابات خوفًا من سيف العقوبات الدوليّة، وبنظر الخبير الدستوري سعيد مالك من الممكن لقوى سياسيّة أن تستخدم عزوف الحريري مطيّة من أجل إرجاء الإنتخابات، لعلمها المسبق بالنتائج “لكن باعتقادي ليس هناك من مروحة كبيرة للمناورة بهذا الشأن، بظلّ الإصرار المحلّي والدولي والإقليمي على وجوب إجراء الإنتخابات، بالتالي لن تتمكن هذه الشرائح من الإستفادة من قرار الحريري”.
بالتوازي بدا لافتًا مسارعة وزارة الخارجية الفرنسية على التعليق على انكفاء الحريري بأنّه “قرار يعود له” مشيرة إلى أنّه “لا يجب أن يؤثر قرار الحريري على تنظيم الإنتخابات التشريعيّة في لبنان بموعدها”. علمًا أنّ علاقة قويّة تربط الحريري بالرئاسة الفرنسيّة، وبذلك رسالة فرنسيّة ومن خلفها دوليّة، بعدم إمكان التذرّع بقرار الحريري للإطاحة بالإنتخابات.