صندوق النقد يطلب تحجيماً لعدد موظفي الدولة اللبنانية
بقلم: باتريسيا جلاد
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
في وزارة المال على سبيل المثال لا الحصر، يروي أحد المسؤولين المتقاعدين في دردشة مع “نداء الوطن” غيضاً من فيض مما كان شاهداً عليه “على أيامه”. موظفون جدد يدخلون عشوائياً الى الملاك بالآلاف بغض النظر عن الالتزام بمبدأ الشهادات والكفاءات حتى أن البعض منهم كانوا أمّيين. أما الصفقات والـ”أصفار” التي كانت تضاف على عمليات الشراء، فكانت مباحة ومتاحة عبر الوزير الذي يجب أن يكون المثل الأعلى في الإستقامة بأداء وظيفته. ويروي هذا المتقاعد للمثال قصة برنامج للرواتب من الولايات المتحدة بقيمة 8 ملايين دولار في حين أن حجم الصفقة 400 ألف ليرة لبنانية، فضلاً عن عدم ملاءمته تقنياً لنظام التكنولوجيا المتبع في لبنان. ونسأل أين ذهبت الأموال ولماذا الدولة منهارة؟
من عهد وزاري الى آخر وعلى مرّ السنوات، تضخّم عداد الموظفين في المؤسسات العامة والوزارات الى نحو “320 ألف مستخدم ومتعاقد مع الإدارات والمؤسسات العامة والقوى العسكرية والأمنية وهو رقم كبير جداً قياساً الى حجم العمالة في لبنان”، كما أكّد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين خلال حديثه الى “نداء الوطن”.
الحاجة لـ100 ألف موظف فقط
وهذا الرقم يشكّل نسبة 25% من حجم القوى العاملة في لبنان ما يعتبر كبيراً، مشيراً الى أن “الدول التي تعتمد اقتصاداً صحيحاً تتراوح نسبة الموظفين في القطاع العام لديها بين 7 و10% من إجمالي العمالة في البلاد”.
ويعزو شمس الدين هذه النسبة الكبيرة في الإقبال على التوظيفات في الدولة اللبنانية الى البطالة المرتفعة وانعدام فرص العمل في ظلّ الزبائنية السياسية والطائفية. لدرجة ان التوظيف في الدولة بات المجال الوحيد المتاح”.
ويرى أن “لبنان يحتاج الى أقل من 100 ألف موظف في القطاع العام بما فيها القوى العسكرية والأمنية، باعتبار أن الأمن في لبنان وكما هو معروف سياسي وليس عسكري، اي يمكن حلّ الأزمة الأمنية سياسياً وليس عسكرياً”.
إنطلاقاً من تلك المعادلة، يتمّ التصويب على ضرورة تخفيض حجم القطاع العام، وهو مطلب أساسي لتوفير مداخيل للدولة والحدّ من استنزاف الأموال العامة. ويعتبر شمس الدين أن “كلفة القطاع العام مرتفعة جداً فهي تشمل العاملين والمتقاعدين وتصل الى 12 ألف مليار ليرة سنوياً أي ما يوازي وفق سعر صرف الدولار الرسمي 8 مليارات دولار”.
وبالنسبة الى مطلب صندوق النقد الدولي الخاص بخفض عدد موظفي القطاع العام خلال فترة تمتد من 5 الى 10 سنوات، يلفت الى أن “هذا الأمر سيزيد من البطالة وسيتسبب بمشكلة إجتماعية واقتصادية خطيرة نظراً الى صعوبة المرحلة التي نمرّ بها”. مؤكّداً في الوقت نفسه أنه “لا يمكن صرف أي موظف من القطاع العام في الوقت الراهن ونحن على أبواب إنتخابات نيابية، ولكن مقابل ذلك يمكن إعطاء حوافز للاستقالة المبكرة. أما على المدى الأطول فيمكن اعتماد سياسة الصرف عند انتهاء الأزمة أي بعد عامين كحد أدنى”. لكن كيف؟
أين نحن من التطور التكنولوجي؟
حلول عدة طرحت من قبل خبراء لبنانيين في المجال، الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك على سبيل المثال أعدّ ورقة شاملة باللغة الانكليزية عن الحوكمة التي تفتقدها الدولة تطرّق فيها الى معالجة مشكلة تضخم التوظيفات في القطاع العام. في حين أن الخبير الإقتصادي روي بدارو كانت له مقاربته التي لطالما اطلق العنان لها كحلّ أمثل.
حايك عرض لـ”نداء الوطن” تفاصيل خطته فأشار الى ضرورة تولي شركة تقييم الهيكل التنظيمي للمؤسسات العامة، والمراكز التي يجب أن تكون متوفرة وهي غير موجودة، كمركز إدخال البيانات، وسكريتاريا…” وأضاف: “تقدّم العالم كثيراً اليوم وبتنا نحتاج الى موظفين لديهم خبرات عالية في مجال الكومبيوتر. من هنا ضرورة تحديد مهمة كل وظيفة والصلاحيات التي تناط بالموظف ومواصفاته والمسؤولية التي تلقى على عاتقه”.
وفي ظلّ واقعنا الحالي، يقترح حايك في الورقة على غرار سائر المؤسسات في العالم “تشحيل” الإدارة العامة نسبة 3% سنوياً من المستخدمين، واعتماد قاعدة الـ 360 درجة في التقييم، أي المدير يقيّم عمل الموظف ويبدي الموظف رأيه بأداء مديره، وبذلك يكون التقييم من الجانبين. فتتمّ عملية الصرف من العمل استناداً الى الاداء وليس استناداً الى فئة او طائفة معينة، على أن يستبدل المصروفون بكوادر شابة، هكذا نوفّر فرص عمل للشباب خصوصاً في المراكز التي تتعلق بالتكنولوجيا، فتلحق الإدارات العامة من خلال تجديد العمالة لديهم بركب التطور العالمي”.
أما الإقتصادي روي بدارو، فعرض لمقاربته المختلفة عن الحلول التي طرحت. برأيه إن العمالة في القطاع العام لا يجب ان تتعدّى نسبة 10 في المئة من إجمالي القوى العاملة في البلاد. ينضوي في الجيش على سبيل المثال نحو 90 ألف مواطن، وفي الأمن الداخلي نحو 50 ألفاً، فضلاً عن سائر العاملين في الجمارك وأمن الدولة… وبالنسبة الى قطاع التربية أكّد أن “هناك نحو 50 أو 55 ألف مستخدم في وزارة التربية والجامعة اللبنانية. أما في المدارس الرسمية فنشهد فائضاً في اساتذتها، اذ مقابل كل استاذ هناك بين 8 و 10 تلاميذ. من هنا تبرز الحكومة الإلكترونية كإحدى الحلول للتخفيف من تضخم العاملين في القطاع العام.” الحل بالنسبة الى بدارو يكمن في مدّ جسور لنقل الموظفين العامين تدريجياً من القطاع العام الى الخاص كحلّ أمثل لتخفيف عبء العمالة على الخزينة.
فرأى “ضرورة نقل نحو 5 أو 10 آلاف موظف سنوياً للعمل في القطاع الخاص من دون أن يتسبب تخفيض العاملين في القطاع العام بتفاقم البطالة، على أن يتمّ ذلك بمساعدة من البنك الدولي من خلال برنامج لفترة 10 سنوات. وهكذا تحصل عملية الإنتقال سنوياً بعد درس التوصيف الوظيفي وطبعاً اقرار الحكومة الإلكترونية، وعلى أثرهما يتم منح المصروفين قروضاً و/أو هبات. وعلى سبيل المثال، العسكري في الجيش الذي يدخل الى المؤسسة العسكرية بعمر 18 عاماً، تنهى خدمته على سن 36، فنوفّر على الخزينة التعويض لذلك العسكري مدى حياته. ولكن مقابل ذلك يتمّ تدريبه أو تأهيله قبل انتهاء فترة عمله على مشروع زراعي أو صناعي أو خدمي بانتاجية عالية”.
أما اذا وقع خياره على إنشاء عمل خاص به، فأوضح أنه “يتم تمويله بمبلغ من المال لبدء عمله (تمويل متناهي الصغر) أو يمكن منحه هبة..
أما بالنسبة الى توظيف بعض هؤلاء لدى المؤسسات الخاصة، فيتم التوافق مع شركات متوسطة وكبيرة لتأمين العمل لـ 1000 موظف سنوياً، على أن تسدد الرواتب لهم من خلال برنامج تمويلي. في السنة الأولى تؤمن رواتبهم بنسبة 100%، في الثانية 75% والثالثة 50% والرابعة 25%، أما السنة الخامسة فيصبح عبء رواتبهم على عاتق ربّ العمل ويكون الإقتصاد قد استفاد واصبح رشيقاً ومنتجاً”.
بين الحلول المطروحة لفائض الموظفين تجميد التوظيف لمدة 10 سنوات، مع تجميد الأجور بعد تصحيحها نسبياً عند استقرار سعر الصرف. ينفذ ذلك مع برنامج تدوير داخلي بين الوزارات والادارات والمؤسسات العامة بحيث تملأ الشواغر حيث يجب من الفوائض حيث هي، بمواكبة برامج تأهيل وتدريب، مع اعطاء اهمية قصوى لتطبيق الحكومة الإلكترونية في موازاة كل ذلك.