لعبة خرائط قادمة تقودها روسيا
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

كان محقاً رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بوصف دور “الناتو” على الجبهة الروسية وتشبيهه بـ”من يرسم خطوطاً على الثلج” في إشارة إلى أن ما يحدده الحلف اليوم سيمحوه الثلج المتساقط غداً، فما على الأرض غير ما نراه في الصورة بموسم الشتاء، فروسيا في سبيلها إلى تغيير الخريطة الجغرافية لا جس نبض ومناورات سياسية، فالثمن الذي تطلبه لا تجد من يمنحها إياه، لأن المسألة أعمق بكثير من الغاز الذي تصدره إلى أوروبا.

ما سنشهده قريباً أقرب إلى ما حصل بين عامي 1989 و1990، عندما تفكك الاتحاد السوفياتي وأنشئت دول وكيانات جديدة وتوحدت ألمانيا بعد سقوط جدار برلين، في الأفق لعبة خرائط كبرى، تقودها روسيا بعقلية الإرث السوفياتي الذي تبدد في عهد غورباتشوف، “فالقيصر بوتين” تتحكم فيه عقيدة التوسع والهيمنة التي عاشتها “دولته العظمى”.

خبير في الشؤون الروسية يتجول في منطقة الخليج العربي التقى مجموعة من رجال الأعمال قرأ ما يحدث على الحدود الأوكرانية مستطلعاً أن ما يجري على الأرض ويسعى إليه الرئيس بوتين هو أن يعطي الأقلية الروسية في شرق أوكرانيا “ثلثاً معطلا”، أي بفرض إقليم حكم ذاتي يشبه إقليم صرب البوسنة، بحيث تتحول أوكرانيا إلى نظام فدرالي، وبذلك يضمن وإلى الأبد وعبر هذا الإقليم إعاقة أي محاولة لانضمام أوكرانيا إلى عضوية “الناتو” أو “الاتحاد الأوروبي”.

ما ذهب إليه الخبير الاقتصادي اللبناني ياسر هلال قد يكون أقرب إلى الحقيقة، فعنده أن تجربة ضم شبه جزيرة القرم وهي الأعنف بتجاوز الحدود الجغرافية المرسومة، لم تلجأ فيها روسيا إلى استخدام سلاح الغاز، حتى بعد فرض عقوبات أميركية وأوروبية عليها، ولذلك يسأل: لماذا تلجأ الآن في “لعبة الدومينو” مع أوكرانيا إلى قطع إمدادات الغاز عن أوروبا، وهي التي تستطيع احتلال المناطق الشرقية منها خلال أيام معدودات؟

أيا كان نوع “الحروب” التي ستلجأ إليها روسيا، هل هي حرب سيبرانية، كما يراها الخبير الاستراتيجي العميد إلياس حنا والتي تقوم على تعطيل وتشويش أجهزة الاتصالات والرادارات والأنظمة الدفاعية الأوكرانية تسهيلا للدخول العسكري؟ أم بترتيب مع الأقلية الروسية لتتمرد على الحكم المركزي الأوكراني وإعلان انفصالها عنه؟ أم بمفاجأة قد تحدث من شأنها فرض الأمر الواقع وبالقوة العسكرية؟

إزاء كل الاحتمالات، هناك حدث كبير قادم ولن تكون تبعاته بعيدة عنا، فما تأثير ما يحدث على الجبهة الأوكرانية– الروسية في منطقتنا الخليجية والعربية؟ وأين مصلحة العرب بما يجري هناك؟

القائد العام للقيادة المركزية الأميركية أخبر أعضاء مجلس الشيوخ أن تداعيات الغزو الروسي قد تمتد إلى سورية حيث تملك موسكو قاعدة عسكرية وقوات ضخمة، “ولن تتردد في تأدية دور المفسد هناك”. إذا ما نظرنا إلى الأطراف الإقليمية الكبرى في المحيط العربي، فسنجد تركيا في وضع لا تحسد عليه، فهي معنية مباشرة بهذا الصراع لارتباطها بملف الناتو أولاً وتحالفها الاستراتيجي والعسكري مع الروس ثانياً، أما إيران فلديها أمنية واحدة هي إضعاف جبهة الغرب عموماً تجاه الروس، لكن ماذا بشأن العرب؟ وهل لهم تأثير على خريطة الصراع هناك؟ أو بالأحرى ما تداعيات تلك الأزمة على الواقع السياسي والجغرافي؟ هل من مصلحتهم الوقوف في وجه روسيا ورفض الاعتداء على سيادة دولة معترف بها وتوغلها داخل حدود أوكرانيا لتغير الوضع الداخلي فيها؟ أم أنهم سيبقون متفرجين من بعيد على المسرح بانتظار ما ستسفر عنه “المعركة القادمة”؟ أين مراكز الأبحاث والدراسات في عالمنا العربي؟ وما توجهات النخب السياسية ومراكز التفكير؟ وأين استطلاعات الرأي العام والقوى النافذة، فإن لم يكن لها رؤية في زمن التحولات الكبرى فمتى سيكون؟

زر الذهاب إلى الأعلى