الدوائر الانتخابية بين الجغرافيا والديموغرافيا
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

الجريدة –

نظام الدوائر الانتخابية في الكويت اختبرته المجالس التشريعية والمواطنون جيداً، فقد جربت نظام الدوائر العشر في المجلس التأسيسي (نائبان عن كل دائرة) عام 1961 ثم الدوائر العشر بواقع خمسة نواب عن كل دائرة من مجلس 1963 إلى مجلس الـ1975، بعدها جرى تعديل قانون الانتخاب بحيث أصبح 25 دائرة وبواقع نائبين عن كل دائرة منذ مجلس 1981 إلى أن وصل إلى الدوائر الخمس منذ عام 2008 على أساس 10 نواب عن كل دائرة ولكل ناخب الحق أن يصوت لأربعة مرشحين.

 

عملياً هناك تدوير لعدد الدوائر وعدد الأصوات في المراحل الثلاث التي مرت على تاريخ الانتخابات، وبالرغم من ذلك بقيت الشكوى قائمة وبجملة مختصرة “التمثيل ليس عادلاً” .

 

هناك ثغرات في التجربة الديموقراطية وبعضهم يعد ترسيم الدوائر عامل إعاقة وتعثر للنظام الانتخابي، لكن الأزمات السياسية المتلاحقة ليست بالضرورة ولا هي نتاج الدوائر، وإن كان البعض ينظر إلى ضيق القاعدة الانتخابية كأحد أسباب السخط والفشل، علماً أن نسبة من يحق لهم المشاركة السياسية ما زالت محدودة.

 

سياسي كويتي محنّك له شأن في الحياة الديموقراطية يرى أن العلة في “الطباخ” لا في محتوى “الجدر” ونوعه، فمهما أجريت من تعديلات في شكل “الجدر” ومحتواه ونوعه فلن تتبدل الحال إلى الأفضل وتضمن مخرجات سليمة ومحصنة وغير مشوهة، أربعة أصوات أو صوت واحد لن يفرق في الحساب لأن المشكلة في مكان آخر.

 

ظاهرة ترسيم الدوائر الانتخابية ليست جديدة فقد عرفتها المجتمعات منذ القرن الثامن عشر عندما اعتمدت على قاعدة تمثيل الفئات أو المجموعات المختلفة عوضاً عن المواطنين بصفتهم الفردية، واستخدام الدوائر الانتخابية ترافق مع التمثيل النسبي إنما بقيت هناك مشلكة مستعصية ألا وهي “ضمان المساواة” في عدد السكان من خلال تناسب عدد الممثلين المنتخبين في كل منطقة مع عدد السكان!

 

بالأمس خرج الدكتور محمد عبدالمحسن المقاطع في ندوة أقامتها جمعية المحامين بفكرة جديدة تقوم على نظام دوائر لا تأخذ “الجانب الجغرافي” بالحسبان بل يتم توزيع الدوائر بناء على تاريخ ميلاد المواطن بدلاً من الموقع الجغرافي، أي السكن الحالي.

 

تعددت الاجتهادات في هذا الشأن ومنهم من استبعد كليا موضوع الجغرافيا والديموغرافيا من الترسيم، لا سيما في المجتمعات والدول التي تضم عدداً من العرقيات والمكونات والقوميات وحتى من الطوائف، وقالت ما مفاده: لنأخذ بمبدأ “التمثيل المتساوي” لكل عرقية أو طائفة أو مكون بصرف النظر عن الأعداد والأحجام، المهم أن يتوافر “التمثيل المتساوي” لكل مجموعة في المجالس التشريعية والتي ستجد نفسها فيها، لها حضور واعتبار مهما بلغ عددها، أي ممنوع الإقصاء أو التهميش وبذلك تضمن المساواة من خلال تناسب عدد الممثلين المنتخبين من كل منطقة مع عدد السكان.

 

ولكي تكتمل أركان العملية الديموقراطية ارتأت بعض الدول إيجاد مجالس أخرى، كمجلس الأعيان أو مجلس الشيوخ وبصلاحيات أوسع وأشمل بكثير من صلاحيات المجالس النيابية، وهذه الدرجة الثانية من “المجالس العليا” إن صح التعبير تعكس موازين القوى لفئات المجتمع وأصحاب القرار والمصالح الحقيقية.

 

قد يكون في هذا النهج المخرج المناسب من “عقدة” توزيع الدوائر وفي الوقت نفسه عدم التأثير في طبيعة التمثيل، هذا على المستوى النظري، فتجارب العالم العربي الديموقراطية لم تتخطّ فكرة المجالس النيابية المنتخبة وإن أخذت بعض الدول الحديثة العهد بالديموقراطية بنظام “مجلس الشورى” أو “مجلس الأعيان”، فالمشكلة أن أعضاء هذه المجالس يأتون بالتعيين وقراراتها غير ملزمة وبالتالي تبقى صورية وكجزء من المشهد السريالي.

 

من الصعب إرضاء جميع الفئات والمكونات في أي نظام انتخابي يقوم على توزيع الدوائر جغرافياً بسبب عدم قدرته على أن يكون عادلاً ومنصفاً ويكتسب ديمومة واستقراراً، لذلك يجتهد الفقهاء ورجال القانون في إيجاد صيغ جديدة، خصوصاً في ظل غياب أحزاب سياسية وأدوات رقابية وقضائية فاعلة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى