قصّة قصيرة… حُبّ في فيينا

نزهة عزيزي من باريس –

النشرة الدولية –

بدأت قصتنا في فيينا…

لا اعرف لماذا فيينا؟

لأنها ربما تحمل من الجمال ما لاتحمله مدينة غيرها، كانت مدينة قلب الروائي ستيفان زويج، الذي انتحر من شدة فقده لها بعد الحرب العالمية الأولى.

المدن كالحب ممكن أن لا نشفى من حبها.

كنت تريدنا ان نعدو كطفلين في شوارعها الأنيقة، كنت تريد أن نعيش ربما لوحة من لوحات رواية “أموك الشفقة الخطيرة” لنفس الروائي الذي جعلته يؤرقني برواياته  لبضع ليال.

كان قلبي يلهث اكثر من القطار الذي إستلقيته للذهاب لموعدك من باريس بتوقيت ساعة الشوق الكبيرة المعلقة على جدار الإنتظار… حجزت لي تذكرة من الدرجة الأولى في آخر لحظة لان قطارات اللهفة لا تنتظر ومحطات الخيبة كثيرة، وانت رجل لا يحب الخيبات  او ربما لأنك كنت تخاف  من تردد إمرأة مزاجية مثلي كان ممكن أن تعيد ترتيب ساعات شوقها ولهفتها ولا تأتي لموعدك. ولاتترك حتى رسالة إعتذار لبقة على مسجلة موبايلك. فيها شيء منك، مثلك معجونة بالتهور والجنون.

إنتعلت كعبا عاليًا ورششت عطرًا تغلغل في فرائي الأسود وتسرّب منه فوّاحًا، وخوذة صمت واحمر شفاه خجول لكنه يغري بقبلة. معك اقبض على الحنين.. عن طفل يبحث عني منذ مدة. عن وطن في عراء الغربة، عن إنتماء.. أنا انتمي إليك منذ قرأت أول سطر في روايتك، كنت تكتبنا دون أن تدري، منذ أن علمت أنك تكتب لتشفى من الفقد.  فقدت إبنا وفقدت أنا وطنا، كان يجمعنا شغف جامح وحزن نكابره في وحدة آخر الليل التي نحاول مقاومتها بحبر وأوراق كنت أكتب قصائد للشمس وكنت تكتب لمجهول.

لم نتكلم كثيرا…

كان الصمت يثرثر بيننا…

لا احتاج للغة معك لأني كنت  “أفكارًا” تنام مع حبرك وأرقك.

سألتني كيف كانت رحلتي؟. اومأت: باريس غائمة..

شرفة الفندق الذي دعوتني اليه كانت مشمسة.. الازهار منسقة على حوافها كما تحب، كانت شرفة لقائنا الأول حتما جميلة. كل الصور التي بعثتها إلي كنت تقف في شرفات جميلة  في بلدان مختلفة، كنت رجل الشرفات بإمتياز لا تحب الافق المغلق دائما تحضن السماء، مهووس بالحرية، بوهميتك مغرية وانا فرس متوحش جذبه عزفها.

كنت امرأة تجرفك… وكنت رجلا غريبا لكنني أعرفك في كل تفاصيلك.. عطرك.. نظرتك.. حتى شبقك.. كنت أعرف نبرة صوتك عندما تهمس أثناء االحب، هي النبرة ذاتها عندما يخرسك الألم، عندما تبحث فوق نهداي عن ضالة عمر من التشرد، من النشوة المعتقة لأنثى بمقامي.. حقيبتك المتواضعة وكتبك المقدسة.. كان دائما عليك أن تحمل كتابا بين شفرة حلاقتك وعطرك.. كنت راهبا عندما تقرأ وشغفت برهبانيتك… فتحت أزرار قميصي ببطئ كأن الزمن توقف في تلك اللحظة.. كنت تريد أن تراه جسدي المحموم… تراه أخيرا.. تلمسه كأنك تلمس النور الأسطوري.

كنت تقول للرجل المتهور داخلك: “لا تتسرع، انت ستعزف سيمفونية الحب الخالدة على جسدها، ستغوص فيها لتملأها لتتوحد في الفناء بها ومعها، إمرأة من زمن العطش، إمرأة برائحة المطر، أنثى مستحيلة.. كانت تفاصيل أنوثتها طاغية تفقدك كلماتك وأنت رجل اللغة كلها. كانت  تدعوك لليل من الاقتحام، من التملك المحضور لشبقها وشهقها.

دعوتني للجلوس… جلست على الاريكة الوثيرة.. أنت تحب الجلد الأسود في الأثاث.. كنت أعرف اني لحظتها أشعل جمرا وأحضر قداسا…. بدت لي سمرتي داكنة أكثر أمام بشرة يديك الفاتحة، إرتعشت لفكرة انها ممكن ان تشد خصري وتسحبه او ترجّه كما يرج النخل ليسقط ذكاره.

جلست على الأرض في هدوء كنائسي، كان موكيت الغرفة ترابيًا، جلست على كثبان من الرمل.. داعبت ركبتي كأنك تشعل شمع القداس… راوغتني باصابعك التي هربت نحو قدمي تبحث كيف تحررها، رتلت بهذيان  مفتاح شهقتك تحت كعبك العالي فلنقهر الموت.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى