أزمة أوكرانيا تنعكس سلباً على الطلاب اللبنانيين في جامعاتها
ألغيت إقامات عدد منهم بعد تعثرهم في دفع النسب المطلوبة من الأقساط
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – سوسن مهنا –
بحسب المقولة الشهيرة في لبنان، “اللبناني في كل عرس له قرص”، أي أنه يلعب دوراً أو ينال حصة مما يجري في كل شيء، وقد صحت تلك المقولة مع المواطن اللبناني في الأزمة الأوكرانية المستجدة، فعدا عن أن اللبنانيين انقسموا مجدداً بين مؤيدين للغزو الروسي المحتمل ومعارضين له وقفوا إلى جانب كييف وصمودها، أصبح اسم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي متداولاً وكأن الأمر يعني اللبناني في يومياته، ووصل الأمر ببعض المغردين إلى أن يكتبوا على صفحاتهم أن “طريق القدس تمر من كييف”، وعلق آخرون على فيديو تم تداوله على مواقع التواصل يظهر مجموعة من عناصر “حزب الله” تتدرب في منطقة جبلية على الثلج، فقالوا إن المجموعة تتدرب من أجل أن تذهب للقتال في أوكرانيا.
التعليم في الجامعات الأوكرانية
من جهة أخرى، تقدم الجامعات الأوكرانية مناهج دراسية يقال إنها مميزة وتضم أساتذة مؤهلين تأهيلاً عالياً، ويعتبر التعليم الأوكراني من بين الأفضل عالمياً نظراً لتاريخه الطويل والغني.
وتعود أصول التعليم والعلوم الأوكرانية إلى قرون مضت، حيث تم افتتاح مدرسة أوستروغ السلافية اليونانية اللاتينية عام 1576 من قبل الأمير الليتواني قسطنطين أوستروزكي، لتصبح أول مؤسسة للتعليم العالي في أوروبا الشرقية.
كما تعد “الجامعة الوطنية لأكاديمية كييف موهيلانسكا” واحدة من أقدم المدارس العليا في أوروبا، وتأسست عام 1615 باسم “مدرسة كييف للأخوة”، كما أنشئت عام 1661 “جامعة إيفان فرانكو الوطنية” في لفيف، وهي واحدة من أقدم الجامعات في أوروبا الشرقية.
وتستقبل أوكرانيا حوالى 80 ألف طالب من أكثر من 150 دولة حول العالم، وذلك لأنها تضم معلمين وأساتذة ذوي خبرة، ومجموعة منوعة من التخصصات، كما تراعي المعايير الأوروبية لجودة التدريس، إضافة إلى الكلفة المنخفضة التي تجعل التعليم الأوكراني جاذباً جداً. وفي عام 2005 انضمت أوكرانيا إلى “عملية بولونيا”، وهي خطوة إيجابية باتجاه دمج التعليم الأوكراني ضمن المنطقة الأوروبية للتعليم العالي.
الطلاب اللبنانيون
إلا أن الأزمة الأوكرانية ألقت بجانب من تداعياتها على الجاليات الأجنبية الموجودة على أراضيها، بخاصة الجالية اللبنانية وتحديداً الطلاب، الذين يشكلون الفئة الأكثر تأثراً بينهم.
ويوجد في أوكرانيا حوالى 70 ألف طالب أجنبي، ويشكل الطلاب الهنود أكبر جالية طلابية هناك، تليها المغربية ثم النيجيرية فالجزائرية، بحسب موقع وزارة التعليم الأوكرانية.
ومن بين آلاف الطلاب المغربيين تمكن بضع عشرات فقط حتى الآن من مغادرة أوكرانيا.
ويدرس في أوكرانيا اليوم أكثر من 1200 طالب لبناني، وكانت وزارة الخارجية والمغتربين نصحت في الـ 14 من فبراير (شباط) الحالي “اللبنانيين الموجودين في أوكرانيا بالمغادرة الطوعية السريعة إلى حين زوال التوتر وعودة الأمور لطبيعتها”، كما نصحت الطلاب اللبنانيين المسجلين في الجامعات الأوكرانية بالتواصل والتنسيق مسبقاً مع إدارة جامعاتهم للحفاظ على حقوقهم وضمان واجباتهم الأكاديمية.
وأضافت أن “السفارة اللبنانية في كييف ستتواصل أيضاً مع الجامعات لتقديم التسهيلات الممكنة”، ودعت الخارجية اللبنانية المواطنين الذين ينوون السفر لأوكرانيا إلى تأجيل سفرهم إلى حين استتباب الأوضاع هناك.
وكان الطلاب اللبنانيون في الخارج عانوا أيضاً ارتفاع سعر الدولار وتوقف المصارف عن تنفيذ التحويلات المالية التي يرسلها أهلهم إليهم، كما أثر فيهم تفشي وباء “كوفيد-19” في العالم، فحين أغلق مطار رفيق الحريري الدولي عاش الطلاب اللبنانيون في أوكرانيا أزمة حقيقية، وظهر بعضهم في فيديوهات تحدثوا فيها عن معاناتهم لأنهم علقوا في كييف، وعن الوضع الصعب الذي عاشوه جراء تفشي الوباء وعدم التزام الأوكرانيين التام بقواعد الحجر الصحي المنزلي.
وتطرق متحدث باسم الطلاب اللبنانيين العالقين في أوكرانيا إلى “انهيار العملة الوطنية الأوكرانية (الهريفنا) مما يحول دون التمكن من سحب التحويلات بالدولار، وهي العملة التي يتقاضى بها أصحاب البيوت والمساكن الطلابية بدلات الإيجار”.
انذارات بالفصل
في السياق، نقلت وسائل إعلامية لبنانية أن “طلاباً لبنانيين لم يعرف عددهم تسلموا بالفعل إنذارات بالفصل”، إذ إنه بحسب القانون في الجامعات الأوكرانية يفترض بالطالب أن يسدد مطلع العام الدراسي ما نسبته 60 في المئة من القسط، الأمر الذي أصبح صعباً جداً على معظم الطلاب اللبنانيين الذين يصل عددهم إلى 1270 طالباً موزعين على الجامعات الأوكرانية، على الرغم من القانون الذي أقر في البرلمان اللبناني بتاريخ الـ 30 من سبتمبر (أيلول) 2020 برقم (193) ووقعه رئيس الجمهورية ميشال عون في الـ 16 من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وينص في مادته الأولى أن “على المصارف العاملة في لبنان إجراء تحويل مالي لا تتجاوز قيمته 10 آلاف دولار أميركي لمرة واحدة لكل طالب من الطلاب اللبنانيين الجامعيين المسجلين في الجامعات أو المعاهد التقنية العليا خارج لبنان، قبل عام 2020-2021، من حساباتهم أو حسابات أولياء أمورهم، أو ممن لم يكن لديهم حسابات في المصارف بالعملة الأجنبية أو العملة الوطنية اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي للدولار وهو 1515 ليرة، وذلك بعد إجراء المصارف المقتضى للتثبت من حق المستفيد”.
ودفع ذلك بعض أولياء أمور الطلاب إلى تحميل المسؤولية للرئيس عون الذي رد “قانون الدولار الطلابي” لأسباب “غير مبررة” برأيهم، مقدمين ملاحظة أساسية هي “أن مشروع القانون جاء ليعالج أزمة الطلاب اللبنانيين الذين يتابعون دراساتهم في الخارج منذ ما قبل الأزمة الاقتصادية التي اندلعت في لبنان عام 2019، وهم فئة معروفة لا علاقة لها بمخالفة الدستور لناحية المساواة بين الطلاب، إذ إنه ليس عدلاً أن يتوقف القانون من أجل المساواة بين هؤلاء الطلاب الذين تحتجز المصارف أموالهم، وبين الطلاب الذين يدرسون في الجامعات الخاصة في لبنان بإرادتهم”.
وذكرت مصادر قريبة من بعض الطلاب في أوكرانيا أن قرارات الفصل جدية ولا رجعة فيها، إذ ألغت بعض الجامعات إقامات عدد من هؤلاء مما أدى إلى احتجازهم في المطارات.
السفير اللبناني قلق
وكان السفير اللبناني في أوكرانيا علي ضاهر طمأن في حديث صحافي الجالية اللبنانية في أوكرانيا، واعتبر أن “ضغط الإعلام العالمي وسيل التصريحات والتقارير والتحركات اللوجيستية على الأرض ضاعفت المخاوف والقلق في نفوس المقيمين في أوكرانيا، سواء من المواطنين أو الأجانب ومنهم اللبنانيون”، لافتاً إلى أن “هذا القلق لم يصل إلى مرحلة الخوف التام، إذ اكتفى اللبنانيون في أوكرانيا بمتابعة الأخبار وأخذ الحيطة إلى حين معرفة كيفية التصرف على ضوء الأحداث والتطورات التي ستحصل”.
وشدد ضاهر على أن “لا أحد يعيش حال الذعر التي يتم تداولها عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي”، وكشف عن أن “الفئة الأهم بالنسبة إلى السفارة هي فئة الطلاب”، لافتاً إلى أن “هناك أكثر من 1200 طالب في أوكرانيا تمت دعوتهم، في حال رغبوا بالعودة للبنان، إلى تنسيق هذه العودة مع جامعاتهم ومعاهدهم بما يضمن سير مصلحتهم التربوية، وكان الأهم بالنسبة إلى السفارة اللبنانية أن لا تتعرض إقامات الطلاب اللبنانيين لأي مشكلة نتيجة عدم تنسيق العودة مع الجامعات، الأمر الذي دفعها إلى التحرك والطلب من الجامعات تقديم التسهيلات اللازمة للراغبين في العودة مع الحفاظ على مصلحتهم التربوية وعامهم الدراسي”.
وعلى الرغم من التدابير التي اعتمدتها السفارة لمساعدة الطلاب، اعتبر السفير ضاهر أن “الأعداد التي ستغادر إلى لبنان باتت بحكم المحدودة، خصوصاً أن الأمور ليست بالسهولة المتوقعة، وقد لا تقبل كل الجامعات مطالب الطلاب اللبنانيين”.