مرآتان للكويت في أعيادها
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
إنها كويت العرب التي استضافت قبل يومين رئيسي أكبر دولتين عربيتين سكاناً ومساحة: مصر والجزائر
النشرة الدولية –
تحتفل الكويت اليوم بعيدها الوطني، ويصادف غداً الذكرى الثانية والثلاثين لعيد التحرير من براثن الاحتلال العراقي عام 1990.
في ذكرى أعياد الكويت، يقف هذا الوطن العزيز مستذكراً بشموخ التضحيات التي قدمها أبناؤه وأشقاؤه وأصدقاؤه بالعالم لاستعادة الحق الكويتي، وتحرير الكويت من احتلال الشقيق الغادر في أغسطس (آب) عام 1990، ثم ينظر بروية إلى مرآتين متقابلتين لصورة يرسمها المراقب والمتابع، المحب والمبغض، الصديق الصدوق، والصديق اللدود.
المرآة الأولى
اتهامات بالفساد على كل المستويات، لم تسلم منه السلطات التنفيذية والتشريعية، بل وحتى القضائية، وتراجع على كل الصعد، وانتشار الجريمة والمخدرات، وتركيبة سكانية مختلة تعاني من تجار الإقامات والمتاجرة بالبشر.
صورة يظهر بها ما يفترض أنه مؤسسة تمثل الشعب، إلى مؤسسة تمثل على الشعب، وتسرق قوته، صورة تكسرت بها الشوارع والقيم، وتكاثر بها التدين والنفاق، كانت الناس أكثر إيماناً، فصارت في هذه الصورة أكثر تديناً، والفرق بين الاثنين شاسع، فالتدين ينعكس على المظاهر، والإيمان ينعكس على السلوك والتعامل.
صورة تغلغل فيها الدين السياسي بأشكاله وطوائفه، وشكّل إطاراً يحتكر الدين والتعليم والإعلام والمناهج، ويضع الضوابط تلو الضوابط لحرية الناس وحقوقهم الدستورية، صورة هيمن بها تجار الدين كالسرطان في جسد العليل، ونتنت بها فتوق الطائفية والقبلية والفئوية العنصرية.
إنها صورة لا تسر الصديق، ولا تعكس تطلعات شعب جُبل على الحرية والكرامة كبقية شعوب الأرض، ولا تدعو لفرح الكويت بأعيادها الوطنية، فالقادر مادياً هارب منها خلال عطلة أعيادها الوطنية، باحثاً عن متنفس الحريات الاجتماعية التلقائية، التي يمارسها معظم البشر، خصوصاً في الدول الخليجية الشقيقة المحيطة، ومن النفاق أن من بين الهاربين بعض من ينادي بالتضييق على الحريات والأفراح البريئة باسم حماية العادات والقيم والدين.
المرآة الثانية
صورة أمل وتفاؤل، صورة تحاول جاهدة استعادة مجد كويت الفن والرياضة والتعليم والعطاء والتعايش والمحبة، صورة تقدم أوراق اعتمادها: الكويت تحارب الفساد من دون استثناء، كبار الوزراء والشيوخ، بل وحتى رئيس وزراء سابق لم يسلم من المحاكمة والمحاسبة، قضاة ونواب ومسؤولون دخلوا السجن، بسبب الفساد، القانون في الكويت لا يستثني أحداً.
تصر الصورة على أن البرلمان على رغم عيوبه وعوائقه وفساد معظم نوابه إلا أنه برلمان بأسنان يحاسب الوزراء مهما علا شأنهم، ويسائلهم ويصوت بطرح الثقة فيهم.
إنها كويت تعيش بحبوحة من العيش بفضل الذهب الأسود، وتمتلك ثالث أكبر صندوق سيادي بالعالم بعد صندوق النرويج والصين، وتمارس سياسة خارجية معتدلة، تنشد التوفيق بين الأشقاء، والتواصل مع الأصدقاء.
إنها كويت العرب التي استضافت قبل يومين رئيسي أكبر دولتين عربيتين سكاناً ومساحة: مصر والجزائر على التوالي، احتضنت قمة ثلاثية على أرضها في محاولة لتنسيق المواقف العربية واستعادة التضامن العربي الذي كانت ضحية فنائه عام 1990 عندما غزاها الشقيق، وغدر بها بعض الشقيق وبعض الصديق.
إنها الكويت التي تستن سياسة خارجية توفر لها وضعاً مستقراً آمناً في خضم بحر متلاطم من الحروب والنزاعات التي تحاول أن تطفئ حرائقها وتنزع فتائلها.
إنها كويت الوفاء والعرفان لمن وقف معها ضد العدوان، وعلى رأسهم السعودية ودول الخليج ومصر وآخرون، وهي كويت التسامح والتسامي التي تعقد المؤتمرات لإعادة بناء العراق الجار الشقيق، على رغم جراحات الغزو، التي ما زالت تقف إلى جانب الحق الفلسطيني على رغم الخذلان والجحود.
أمّا الحريات وقوانينها المقيدة، فقد استنّها برلمان الشعب، ومن لم يعجبه البرلمان فليغيره بالصندوق، وأما توغل تيارات الدين السياسي فقد تكون قوتها من ضعف منافسيها، فالمدنيون مشتتون، والليبراليون لا يعرف أولوياتهم. ثم إن تيارات الدين السياسي مرتبطة بمصالح مع السلطة، “ما يروحون بعيد”، أي أنه يصدق فيهم المثل: “عندي وأعشّيك”، أو هكذا تعتقد السلطة.
صورة المرآة هذه ليست وردية، لكنها واعدة وحالمة ومؤمنة ومتيقنة، يتصدر الشباب الكويتي فيها المقدمة، يخوضون حراكاً سلمياً يدعو إلى الحرية والحقوق الدستورية، ويعاهدون الكويت بأعيادها بأن القادم أجمل، وأن الزمن للمستقبل والتقدم، وليس لقوى العودة للخلف والتشدد التي عفا عليها الزمن.
نظرت في المرآتين، تمايلت بين التفاؤل والتشاؤم، ثم أدرت ظهري للمرآة الأولى.
تحيا الكويت.