“الاغتيال عبر تويتر”.. تفاصيل عن تكتيكات جيش حزب الله الإلكتروني
النشرة الدولية –
الحرة – حسين طليس –
شهدت سماء بيروت، في الثامن عشر من شهر فبراير الجاري، غارات وهمية نفذتها طائرات حربية إسرائيلية على علو منخفض، في سياق ردٍ على اختراق “حزب الله” للأجواء الإسرائيلية بطائرة “حسان” المسيرة.
الحدث سرعان ما أثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، كان من بينها منشور لناشطة مقربة من “حزب الله” على موقع تويتر، تقلل فيه من شأن الخطوة الإسرائيلية وتنفي تسببها بالخوف لدى سكان المدينة.
لفت المنشور انتباه أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية، الدكتور باسل صالح، الذي قرر الرد عليه بتعليق يشير إلى أن الخوف سمة إنسانية لا يمكن نزعها عن الإنسان، ولا داعي للمكابرة في حين أن كل شخص لديه ما يخاف منه، ضارباً المثل بحادثة توقيف راجمة صواريخ تابعة لحزب الله من قبل أهالي بلدة شويا، حيث انتشر منها مقاطع مصورة تظهر عناصر الحزب وتبدو عليهم ملامح الذعر، وهذا يكذب ادعاء “اننا لا نخاف”، بحسب صالح.
“أظن أن هذه النقطة مست بالصورة الاعلامية التي يروجها حزب الله طيلة 40 عاماً، حول مقاتليه الشجعان الذين لا يهابون الموت”، يقول صالح في حديثه لموقع الحرة” ويضيف “كما أن وصفي لهذا العنصر بالميليشياوي، أثار مزيداً من الاستفزاز”. وهو ما انعكس حملة شعواء شنها أنصار حزب الله ضد صالح على موقع تويتر.
انطلقت حملات التخوين والتهديد والشتم بحق صالح، على موقع تويتر، وصولاً إلى أن قام بعضهم بنشر معلومات شخصية عنه وعن مكان عمله بالتحديد، متوعدين بـ “السحاسيح”، وهو مصطلح راج استخدامه أبان ملاحقة عناصر حزب الله وحركة أمل لمعارضيهم خلال ثورة 17 أكتوبر 2019 وما بعدها، والتعرض لهم بالضرب وإجبارهم على تسجيل اعتذارات مصورة.
كما جرى استذكار مصطلح “كاتم الصوت” وواقعة اغتيال الناشط لقمان سليم المعارض لحزب الله، وهو ما اعتبره صالح “تهديداً علنياً بالقتل”، وفق ما يؤكد لموقع “الحرة”.
ليست المرة الأولى
ما جرى مع صالح، بات يمثل أسلوباً يعتمده “جيش حزب الله” الالكتروني، في مجابهة معارضيه على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بات التهديد والوعيد والتخوين والتنمر سمة جمهور هذا الحزب، يستخدمونها لترهيب الرأي الآخر وإلغائه من خلال حملات منظمة ومدفوعة تعمل بأدوات واستراتيجيات وتوزيع مهمات إضافة إلى استخدام تقنيات وأدوات تتجاوز قدرة الأفراد، لتشير بوضوح إلى منظومة توجيهية وإدارية كاملة لهذه الممارسات.
مريم سيف الدين، صحافية لبنانية سبق وأن تعرضت لحملات مشابهة، دفعتها إلى ترك لبنان نهائياً والانتقال إلى بلد آخر تتخلص فيه من التهديد المستمر الذي عاشته في منزلها، في الضاحية الجنوبية لبيروت.
قصة مريم بدأت مع انزعاج حزب الله من طبيعة عملها كمراسلة صحافية في الضاحية الجنوبية لبيروت، سيما وان موقفها السياسي معارض للحزب، وتعبر عن ذلك من خلال عملها ومنشوراتها على مواقع التواصل، الأمر الذي ترجم مضايقات وتهديدات بلغت ذروتها مع إذكاء خلاف عائلي مع أقاربها المنتمين إلى الحزب، من أجل إعطاء الأمر طابعاً شخصياً وإبعاد المسؤولية عن حزب الله، بحسب ما تؤكد مريم لموقع “الحرة”.
وما بين مريم وباسل، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الحملات المشابهة التي استهدفت صحافيين ونشطاء معارضين لحزب الله، ارتبطت بمعظمها بآرائهم السياسي أو عملهم الصحفي أو انتاجاتهم النقدية الساخرة، فعلى سبيل المثال تعرضت الإعلامية داليا أحمد لحملة تنمر وشتم تجاوزت كل الحدود الأخلاقية، بسبب وصفها لزعماء لبنان وضمنهم أمين عام حزب الله حسن نصر الله بـ”التماسيح”.
وقبلها شنت صحف الحزب ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة له، حملة ضد الممثل الكوميدي حسين قاووق والكاتب المسرحي محمد الدايخ، بسبب مقاطع كوميدية تناولت بيئة حزب الله وحملت نقداً اجتماعياً ساخرا لعدد من الظواهر والممارسات فيها، الأمر الذي لم يعجب الحزب وجمهوره وإعلامه، ما عرّض الشابين لحملات تهديد واتهامات بالعمالة والتخوين والسعي لتشويه صورة الضاحية الجنوبية ومجتمعها، ليصل الأمر إلى حد هدر الدم والدعوة إلى التعرض لهما بالعنف في الشارع.
وكان لكل من القاضي طارق بيطار، المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، والصحافيين رياض قبيسي وديما صادق وديانا مقلد وغيرهم نصيباً وافراً مؤخراً من تلك الحملات التي شنها أنصار “حزب الله” على مواقع التواصل الاجتماعي.
إلا أن أخطر تلك الحملات كانت تلك التي استهدفت الناشط لقمان سليم قبل اغتياله، تعرض خلالها للتهديد والتوعد بـ “كاتم الصوت”، بعد اتهامه بالخيانة والعمالة، لتستمر الحملة نفسها بعد اغتياله بهدف تبرير القتل، ووضعه في سياق يروج لرواية “مشغلوه تخلصوا منه”. فيما كان جواد نصر الله، نجل حسن نصرالله، من أبرز المحرضين والمشاركين في تلك الحملات، وبشكل علني عبر حسابه على موقع تويتر.
أسلوب الضعيف
الاختلاف مع هذا الجمهور ما عاد اختلافاً طبيعياً في إطار وجهات النظر والآراء السياسية، بحسب ما يؤكد المسؤول الإعلامي في مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية “سكايز”، جاد شحرور، فتكرار الأسلوب نفسه في الحملات والهجمات التي تتخذ فوراً طابعاً شخصياً، وتتجه إلى الترهيب والتهديد والتجريح والتنمر، “إنما تنم عن مجتمع لا يقبل الديمقراطية والاختلاف مع الآخر، وتدل على فائض قوة وهمي ناتج عن الخوف من الآخر”.
ويضيف أن القوي هو الذي يستطيع المحاورة، يعرض حججه ويناقشها ويرد بالبينة والدليل والحجج المنطقية، “ولكن حين تكون فارغاً من الحجج ليس أمامك إلا اللجوء إلى الضرب والشتم والتخوين، بسبب عدم وجود سردية مقنعة يقدمونها للرأي العام تثبت صحة رأيهم”.
وكانت “مؤسسة سمير قصير” قد أصدرت دراسة حول تفاعل مواقع التواصل الاجتماعي مع قضية القاضي طارق بيطار، ودور الجيوش الإلكترونية فيها، ومن بينها جيوش حزب الله الإلكترونية، التي كانت في خانة مهاجمي القاضي بيطار والمعترضين عليه، حيث حددت أنماط تواصلهم وانتشارهم وطريقة تفاعلهم في تلك القضية.
ويرى شحرور ان المؤثرين والنشطاء والإعلاميين وحتى الوسائل الإعلامية التابعة لحزب الله والدائرين في فلكه، حين يهاجمون طرفاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يستخدمون خطاباً موجهاً للآخر فعلياً، وإنما يخاطبون جمهورهم من خلال أساليبهم بالرد، ليقولوا “هكذا تردون، وبهذه الحجج تواجهون”، يقدمون لجمهورهم الأساليب التي عليهم المواجهة بها، وفقاً لما يبثون من إشاعات وسرديات ومحتوى.
وعلى الرغم من وجود صحفيين مشهورين ومؤثرين ونشطاء، ضمن هذا الجيش الإلكتروني، يلفت شحرور إلى أن حملات التهديد والشتائم، لا يقوم بها هؤلاء، وإنما حسابات غير واضحة المعالم لا لناحية مصدرها ولا لناحية هوية صاحبها، دورهم أن يقوموا بـ “العمل القذر” على مواقع التواصل. “وهؤلاء عادة من يقومون بنشر المعلومات الشخصية للمستهدف ويهددون ويتوعدون ويهاجمون بالشخصي، ويسمون الناس بأسمائها، في حين أنهم يخافون الظهور بأسمائهم الحقيقية”.
وتلفت مريم من ناحيتها إلى وجود تنسيق ما بين تلك الحسابات الوهمية والشخصيات الإعلامية والمؤثرة في فلك حزب الله، حيث بات هؤلاء يقومون بإعادة تغريد ونشر المواقف السياسية التي يريدون للحسابات الوهمية استهدافها، كنوع من التدليل على الشخص وإعلان حملة عليه، من بعدها تأتي مجموعات الغوغاء لمهاجمته”. ويتكرر هذا التكتيك مع أكثر من شخص استهدف في الآونة الأخيرة، وهو استنساخ لما جرى مع صالح أيضا.
“اغتيال الشخصية”.. استراتيجية مدروسة
يتفق كل من شحرور وصالح على أن ما يمارسه جيش حزب الله الالكتروني في حملاته على معارضيه هو “اغتيال الشخصية”، Character assassination، الذي يقوم على ضرب مصداقية وسمعة شخص أو مؤسسة أو جهة معنوية، عبر فبركة الاتهامات وبث الشائعات وتحريف الحقائق وإطلاق الفضائح وإباحة المعلومات الشخصية، لتحريض الجمهور عليه والتعبئة ضده، وعادة ما يكون ذلك مقدمة لتعبئة العنف ضد المستهدفين، وهو استراتيجية عادة ما تنتهجها الأنظمة الاستبدادية في قمع معارضيها.
ينفي شحرور أن تكون تلك الحملات عبارة عن مجرد ردات فعل على خطاب معارض، مؤكداً أنها “أداة يستخدمها حزب الله، كما يستخدم أي جريدة أو قناة تلفزيونية أو موقع الكتروني، ومهمتها مواجهة كل من يحاول أن يقلب الرأي العام بما لا يتناسب مع توجهاتهم.”
ويرى أن هذه الحملات لا تتعلق بالأشخاص المستهدفين وحسب، “لا يهم الأسماء، إنما يحاولون إيصال رسالة عبر هؤلاء مفادها: أن أي أحد يحاول أن ينتج محتوى يؤثر على جمهورنا نحن جنود جاهزين للتصدي له عبر اغتيال شخصه، فإما أن يخونوه أو يحولوه إلى عميل، أو يفبركون حوله اتهامات تضر بسمعته ومصداقيته”.
الأخبار الكاذبة والروايات الملفقة على مواقع التواصل الاجتماعي، شكلت المعاناة الأكبر، والأكثر خطورة على مريم، التي تعرض شقيقها لموجة أخبار ملفقة مفادها أنه مدمن مخدرات، “وقد روج لهذه الرواية مصور مقرب من الحزب عبر وسائل التواصل، في إطار الحملة التي شنت علينا، وكان اللافت حينها أن مكتب مكافحة المخدرات تحرك بناء على تلك الحملة واستدعى أخي للتحقيق، أي أنهم يختلقون الكذبة ثم يحركون أجهزة الدولة على أساسها”. مريم استطاعت في حينها فضح الأمر، بعد خضوع شقيقها للتحقيقات، وطلب إليها “لفلفة الأمر في الإعلام” بحسب ما تؤكد.
كذلك تعرضت مريم بشكل شخصي لشائعات تنال من سمعتها، “لكوني امرأة في مجتمع ذكوري فإن سمعتي أول ما مسوا به، وعبر حسابات وهمية بثوا روايات وأضاليل تنال من شخصي، ونشروا معلومات شخصية وتفاصيل حياتية خاصة، وقد يعمدون إلى كل الأساليب، حسب ما يضر بالشخص المستهدف، يحاولون المس بالأقارب والعائلة، وتركيب ملفات”.
وعلى الرغم من تنصل حزب الله من تلك الحسابات الوهمية، يرى صالح أنه المسؤول الحقيقي عن تهيئة الأرضية، “هذه الحسابات بشكل أو بآخر محسوبة على أشخاص محسوبين على حزب الله وتدور في فلكه، بغض النظر إن كان يحركها بشكل مباشر أو غير مباشر، هي تحقق اغتيال الشخصية بأشكال مختلفة، من ضمنها فتح المجال أمام أي اعتداء على الشخص المستهدف.”
ويلفت إلى وجود تسلسل معتمد، في تلك الحملات، يبدأ من الاتهام والتخوين ويصل إلى هدر للدم، ثم يجري تسخيف الاتهام والتهديدات من الجهة نفسها، على اعتبار أنها صادرة عن جهات مجهولة وحسابات وهمية. من بعدها ينتقلون للتشكيك بأصل التهديد نفسه والتقليل من شأن الضحية وتسخيف شخصه على طريقة “من أنت حتى يهددك حزب الله؟”، وفقاً لصالح الذي يرى أن “الخطوة الرابعة، عادة ما تكون التعرض المباشر للشخص بالأذى والعنف”.
تهديدات تستوجب احتياطات
هذا الأمر يشكل تهديداً حقيقياً، بالنسبة لصالح، الذي يرى من حوله أمثلة عدة ونماذج عن اعتداءات تعرض لها معارضو حزب الله، بسبب نشاطهم او آرائهم السياسية، “وكانت النتيجة كارثية”، وفق تعبيره.
ومنذ أن تعرض للتهديد، يتخذ احتياطاته ويقلل من تحركاته، حرصاً على المسؤوليات التي تقع على عاتقه، وعائلته وأولاده، وفق ما يؤكد. “بت أحسب ألف حساب قبل أن انشر تحركاتي على مواقع التواصل أو استضافتي على قنوات إعلامية، لا أسلك طرقاً معينة في مناطق نفوذهم، قد أبدل في السيارات، لا اعلم كم يفيد هذا الأمر في تجنب رصدهم لي، لكني متأكد من وجود رصد واضح، فالمهددين أشاروا إلى معرفتهم بي جيدا وبتحركاتي ومكان عملي وحتى بطلابي”.
ويخشى صالح من أن نشر هذه المعلومات الشخصية عنه وإباحتها للعموم، سيجعلها موضع استغلال من أي مستفيد حتى ولو كان طرفاً ثالثاً، ويرى أن ذلك هو جزء من الضغط والاستهداف الذي يمارسه جيش حزب الله الالكتروني بهدف ترهيب المستهدف”.
بعد اغتيال الناشط لقمان سليم، تقول مريم، “أصبح هناك من يسميني ويقول: غداً يأتي الدور على مريم، ومن كان يشغل لقمان وتخلص منه سيتخلص من مريم وغيرها، هكذا يقومون بالتمهيد والتبرير لأي عمل قد يلحق بك الأذى، كمن يبحث عن ذرائع لنفسه لكي يبيح التعرض لك”.
وتروي كيف اضطرت بعد تعرضها للتهديد، لتركيب كاميرات مراقبة عند مدخل منزلها، كنوع من الحماية والوقاية، وحين علموا بالأمر كيف باتوا يروجون على مواقع التواصل الاجتماعي أن “هذه الكاميرات مربوطة بتل أبيب مباشرة”، مع ما تمثله تلك الاتهامات من خطورة في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وتضيف “يجمعون عنك تفاصيل كثيرة ويستخدمونها ضدك بطرق بشعة جداً، ولاحظت أنهم يؤرشفون المنشورات ليعودوا ويستخدمونها لاحقاً في أي حملة ضدك، أحياناً ينشرون لي تعليقات قديمة وآراء سابقة بسرعة قياسية تسبق قدرتي على نبشها إن اردت، من المؤكد انهم جيش منظم في طريقة عملهم وتقاسم الأدوار والقدرات التي يملكونها”.
تقيدت حركة مريم بعد كل تلك الحملات، وحرمت من ارتياد كثير من الأماكن والتحرك الحر في مناطق نفوذ الحزب، “تأثرت حياتي بذلك من كاف النواحي، كصحفية باتت حركتي محدودة جداً، بعد أن كنت ناشطة على الأرض، اليوم اقصيت، وخسرت فرص عمل عديدة في لبنان لهذه الأسباب، لقد غيروا اتجاهاتي المهنية، ولم تتوقف تلك الحملات إلا بعد ان أصبحت خارج لبنان، وهو خيار اتخذته بعد فقدان الأمل بالقضاء وإمكانية حمايتي مع عائلتي في لبنان”.
حزب الله “يراقب فقط”
في المقابل، ينفي الصحافي عبد الله قمح، أن يكون لدى حزب الله ما يسمى بالجيش الإلكتروني، مشيراً إلى وجود ما يسميه “تأثيراً للحزب على مجموعة كبيرة من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن هذا التأثير ليس توجيهياً بمعنى أنه لا يطلب من الناشط الفلاني مهاجمة فلان بذاته او شن حملة ضد طرف معين”.
ويرى أن هناك مجموعات من الناشطين في بيئة حزب الله والمنتمين له ومقربين منه إضافة إلى عدد من الإعلاميين، “يتحركون من تلقاء أنفسهم عند كل مناسبة أو حدث ولاسيما في القضايا التي تعني حزب الله أو لدى مهاجمته، ويتولون الدفاع المستميت إلى حد التشهير والشتم والتهديد، يدفعون الناس إلى حملات باتجاه هذا الطرف أو ذاك، وتسير معهم موجة أخرى من متابعيهم والناشطين الأقل شهرة من الموالين لحزب الله، لكن وفي معظم هذه الحالات حزب الله لا يوجه هذه الحملات ولا يضع قواعد وأسس النقاش الدائر، وغالباً ما يكتفي بالمراقبة، في حين أنه يتدخل في وقت الحاجة لدى نشطاء “يمون عليهم” لسحب منشورات قد تكون مستفزة أو غير مفيدة أو محرجة له.”
قمح يلفت إلى أن “هناك توجه كبير داخل حزب الله لرفض هذه الحملات التي تشن”، على اعتبار أن الناس حرة بآرائها بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية أن هذه الحملات تزيد من شهرة ومتابعة الطرف المستهدف، وتزيد من وصوله لشرائح أوسع لكونها تسلط الضوء عليه، وبالتالي هذه الحملات تأتي بنتائج معاكسة في كثير من الأحيان، “كأن توقع معارك بين جمهور حزب الله وحلفائه كحركة أمل والتيار الوطني الحر.”
وتفادياً لهذه السيناريوهات، أنشأ حزب الله لجنة مشتركة مع حركة أمل للتواصل والاجتماع من أجل ضبط مواقع التواصل الاجتماعي وما يجري عليها من حملات، “ولكن وصلوا إلى مرحلة يصعب ضبطها، لاسيما بانفتاح عالم السوشال ميديا على كثير من التدخلات والحسابات الوهمية والشخصيات ذات الأهداف الجانبية، وبالتالي باتت ساحة متفلتة”، وفق تعبير قمح.
وبينما ينفي قمح استخدام حزب الله للحسابات الوهمية، ويرى أنه يحاربها بشكل واضح في التوجيهات والندوات، وحتى خطابات نصر الله التي حذرت من تلك الحسابات والانجرار خلف ما تبثه من خطابات فتنوية، يؤكد في المقابل أن هناك نشطاء معروفين بتأييدهم لحزب الله، يملكون منظومات حسابات وهمية ويجيرونها في كثير من الأحيان في سياق حملات إعلامية تخدم توجه الحزب ورؤيته في القضايا المطروحة، معتبرا أن انتشار حزب الله الشعبي في لبنان لا يحتاج إلى حسابات مبرمجة أو وهمية ليكون مؤثرا على مواقع التواصل الاجتماعي”.
“وفي هذه الحالة عندما يكون الجمهور واسعاً إلى هذا الحد، يضم فيه فئات سطحية قليلة الدراية والمعرفة السياسية تعتمد خطاب التنمر والتهديد والشتم، وهذا موجود لدى كافة الجماهير السياسية”، بحسب قمح الذي يأسف لكون هذا الخطاب اليوم بات الأكثر رواجاً على مواقع التواصل الاجتماعي، “ولا يوفر حتى بعض المؤيدين لحزب الله إذا ما اختلفت الآراء في قضايا معينة.” معتبراً أن “هؤلاء هم انعكاس لحالة اجتماعية موجودة تتسم بالجهل، وهنا يُسأل حزب الله عن مسؤوليته في إنهاء هذه الحالة.”
“سيميا” وأخواتها
إلا أن المعطيات المتوفرة حول نشاط حزب الله على مواقع التواصل وفي الفضاء الإلكتروني، لا تشير إلى نية ضبط بقدر ما تعكس طموحات توسيع وتطوير لحالته وسطوته، فبعد أن بدأ في العام 2012 بإيلاء أهمية أكبر لمواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني، مخصصاً فيما بعد وحدة من عديده للعالم الافتراضي، تحولت اليوم إلى مجموعة وحدات تحت مسمى “سيميا”.
وكانت سياسة الحملات الموجهة قد بدأت عام 2015، مع مجموعة على موقع تويتر، يرأسها جواد نصرالله، نجل حسن نصر الله، خاضت العديد من الحملات ضد شخصيات وجهات إعلامية وصحفية ونشطاء، ومن أبرز الحملات التي شنتها استهدفت قناة “الجديد” المحلية، وأثارت اشتباكاً إعلامياً كبيراً، شكل ضرراً لحزب الله، الذي اتخذ قرارا بإيقاف تلك المجموعة عن نشاطاتها بعدما تسببت له بالإحراج في أكثر من مناسبة ونقاش عام، وتوالت بعد ذلك التسميات وإطلاق المجموعات الدائرة في فلك حزب الله، كـ “الجبهة المجازية” و”التنسيقية” وغيرها، لعبت أدواراً في التسويق لخطاب حزب الله وخوض معاركه على مواقع التواصل وشن الحملات ضد معارضيه.
أما بالنسبة إلى “سيميا”، فهي عبارة عن مجموعة أشخاص ممسكين بملفات مواقع التواصل الاجتماعي في حزب الله، وفق معلومات “الحرة”، كانت موجودة لدى حزب الله في السابق، تحت مسمى وحدة الإعلام الالكتروني، وكانت مسؤولة عن المواقع الالكترونية الموجودة في بيئة حزب الله وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي وموقع العهد الاخباري التابع لحزب الله، إلا أن زيادة حجم الملفات والمسؤوليات تجاوزت قدرة تلك الوحدة دفعت نحو التوسع، وفق الرواية المتداولة داخلياً.
وتضيف المعلومات أنه وفي حقيقة الأمر “كان توزيع نفوذ إعلامي لجهات داخل الحزب، نتج عنه ما يسمى اليوم بـ “سيميا” والتي يهدف منها حزب الله إلى “إدارة السوشال ميديا”، ويشرف العاملون فيها على التواصل مع بعض النشطاء الأساسيين في بيئة حزب الله، لتوجيه النقاش السياسي وتنظيم الحملات على مواقع التواصل وبث الخطاب المطلوب التركيز عليه.
المجموعة أيضاً مسؤولة عن حسابات الواتساب، ولاسيما المجموعات الإخبارية، حيث يحاولون أيضا التواصل مع أصحابها ومديريها في المناطق من أجل استقطابها ومحاولة إدارتها وتمرير الأخبار والخطاب المراد إيصاله إلى الجمهور إضافة إلى تشغيل وتفعيل الحملات المطلوبة، وتسعى لتحقيق أكبر انتشار ووصول ممكن للحزب إلى جمهوره والتأثير على جماهير أخرى خارج مناطق نفوذه، لاسيما في الشمال اللبناني.
وهناك مجموعة خاصة بالحملات الإعلامية التي يطلقها حزب الله، تنتج الفيديوهات والغرافيكس والصور في إطار تلك الحملات، وتضطلع بأدوار عابر للحدود اللبنانية، كحملات تتعلق باليمن والعراق وسوريا والبحرين وغيرها، تواكب وتتابع المجريات وتدير المواجهات الإعلامية وتبث الخطاب التعبوي بشأنها، كما تعمل على الترويج لخطابات نصر الله واستباق اطلالاته.
وكان تقرير صادر عن صحيفة “تيليغراف” البريطانية قد رصد تدريبات يجريها حزب الله في بيروت “حزب الله” لإنشاء جيش الكتروني يضم آلاف النشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي، ينتمون لدول مختلفة بينها السعودية والبحرين. وقالت إن الحزب قدم تدريبات متخصصة لمن وصفتهم بـ “المجندين”، في كيفية التعامل مع الصور رقمياً، وانشاء حسابات مزيفة وإدارة أعداد كبيرة من حسابات الوسائط الاجتماعية المزيفة، وإنشاء مقاطع فيديو، وتجنب رقابة “فيسبوك”، ونشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت بشكل فعال، مشيرة الى ان هؤلاء الخاضعين للتدريب “يعودون إلى بلدانهم الأصلية ويدربون شبكاتهم بالمهارات المكتسبة في العاصمة اللبنانية”.
وتؤكد المعلومات أن “سيميا” لعبت دوراً بارزاً في عدد من الحملات الإعلامية التي أطلقها حزب الله في العامين الماضيين، لاسيما الحملة الموجهة ضد القاضي بيطار، وأحداث خلدة والطيونة، كما لعبت دوراً في الحملة التي أطلقها حزب الله ضد القوات اللبنانية، ولاسيما في قضية توقيف المسؤول في القوات إبراهيم صقر بتهمة احتكار حيث بذلت جهوداً كبيرة في الإضاءة والتصويب على تلك القضية.
وفي هذا الإطار، يرى شحرور أن حزب الله وبعد 10 سنوات من التجربة بات جيش حزب الله الالكتروني محترفاً على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تعد مهامه تقتصر على الداخل اللبناني، “بل يدخلون في كل أزمة إقليمية لحزب الله موقف منها، ويطلقون حملات وهاشتاغات خاصة بهم، وبالتالي هذا الجيش أصبح أداة رسمية معتمدة، ولا اعتقد أن كل التخطيط والتنظيم الذي يعملون به اليوم قادم من فراغ، لديهم استراتيجية تواصل، عند وقوع أي حدث أو حملة، يعمدون إلى السيطرة على الترند ليعكسوا عبره الخطوط العريضة لتوجه حزب الله وموقفه أو يسوقون لخطابات نصرالله ومواقفه، ويستخدمون في هذا السبيل حسابات مبرمجة عبر أدوات نشر متقدمة وتطبيقات تقدم خاصيات النشر المسبق والتحضير المسبق وبالتالي هنا يتم تحرير جمل سياسية ومواقف وآراء يراد إبرازها لدى الرأي العام وتعميمها، وبالتالي ما عاد الأمر ببساطة رأي أشخاص، بل توجيه كامل وتلاعب بالرأي العام.
ويختم أن أخطر ما في هذا السلوك أنه ما عاد ينتهي عند حد أو شخص، ورغم كل الحملات والانتقادات، لا تنتهي هذه الانتهاكات، “بل باتت الحملات أكثر دقة وتحديداً لأهدافها وتنظيما في الاستهداف، كالتركيز على مبدرات الاعلام البديل في لبنان وتحطيم الشخصيات الجريئة بطرح آرائها، وشيطنة جمعيات المجتمع المدني الجهات المانحة، وفق سياسة عامة لإلغاء الآخر وكل ما هو مختلف.”