صدام الأحلام في أوكرانيا: أربعة أخطاء في حسابات بوتين
بقلم: رفيق خوري
النشرة الدولية –
الدب الروسي صار رشيقاً وسريع الحركة مثل الغزال، لكنه يبقى دباً وطريقته في خوض الحروب، على الرغم من تحديث الجيش والأسلحة، لا تزال كما كانت: الأرض المحروقة، تدمير المدن على نموذج غروزني وحلب، وسحق الطرف الآخر بالدبابات. وليس في حرب أوكرانيا سوى تطبيق صفحة من كتاب قديم، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وقع تحت “إغراء القوة” بعدما امتنع الغرب من تحديه في أكثر من تجربة، دخل في مسار خطر وخطير: إذا تراجع في أوكرانيا خسر، وإذا بقي في مكانه خسر، وإذا تقدم ربح مقبرة وأدخل روسيا في موقع البلد “المنبوذ”.
كان هذا هو الخطأ الأول في حسابات بوتين، فهو كما تقول كاترين بلينتون في كتاب “ناس بوتين: كيف استعادت كي. جي. بي روسيا وأخذت الغرب”، يظن أنه تعلم من خبرته “إمكان شراء أي شخص في الغرب”. الغرب الذي يحتقره ويراه ضعيفاً ومتغطرساً ويريد الانتقام للأم روسيا والاتحاد السوفياتي منه.
غير أن الغرب ليس ضعيفاً بل كان في “إجازة من التاريخ” أعاده منها غزو أوكرانيا كما قال وزير الدفاع ومدير الاستخبارات المركزية الأميركية سابقاً روبرت غيتس، وهو يدرك ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، “بديل العقوبات هو الحرب العالمية”.
الخطأ الثاني في الحسابات هو تجاهل وطنية الشعب الأوكراني وقدرته على المقاومة وتاريخ مقاومته للاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية، إذ دفع ثمانية ملايين إنسان حياتهم، بحسب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي خسر ثلاثة من إخوة جده في الـ “هولوكوست”.
والخطأ الثالث هو أن “الحلم الأوراسي” الذي يريد تحقيقه على حساب “الحلم الأوروبي” أكبر من إمكانات روسيا وأوسع من أوكرانيا التي يغزوها بوتين ويطلب أموراً فيها وخارجها، أقلها سحب الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى والأسلحة النووية الأميركية من البلدان القريبة من حدود روسيا.
والخطأ الرابع هو مفاجأة الرئيس الصيني شي جينبينغ بالغزو بعدما قال له إن حديث الغزو “هيستيريا أميركية”، وأصدر معه بياناً عن “شراكة لا حدود لها”.
شي يبني زعامته ومستقبله على تحقيق “الحلم الصيني”، وهو يحتاج إلى تمتين علاقاته الاقتصادية والتجارية مع أوروبا وأميركا، إلى جانب مشروع “الطريق والحزام” في قارات عدة، وغزو أوكرانيا أحرج الصين التي لا مصلحة لها في إساءة العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وإن كانت حليفة روسيا.
صحيح أن فعل آلة الحرب الروسية أسرع من مفعول العقوبات الغربية المتسارعة والمتكاملة، لكن الصحيح أيضاً أن مكانة روسيا اهتزت في العالم من حيث أراد بوتين رفع مكانتها إلى مستوى الشريك الكامل على قمة الكبار، فضلاً عن أن المناخ السياسي في أوروبا تبدل، وتعمق الشعور أن مصير القارة العجوز واحد، فليس أمراً عادياً أن يطلب المستشار الألماني أولاف شولتز من الـ “بوندستاغ” الموافقة على 100 مليار يورو كموازنة للدفاع بمعدل اثنين في المئة من الدخل القومي، الأمر الذي كانت أميركا ولا تزال تطالب شركاءها الأوروبيين في الـ “ناتو” به من دون استجابة كاملة، وكان في الخيال أن تفكر دول محايدة مثل فنلندا والسويد في دخول الـ “ناتو”، في حين أن أقل ما تطلبه روسيا هو تطبيق النموذج “الفنلندي” في أوكرانيا وجورجيا ودول البلطيق وبلدان أخرى.
روسيا بالطبع ليست القوة العالمية الوحيدة التي تحرص على ما يسميه الخبير الروسي ديمتري بابيتش “وسادة الأمن” حولها، وهذا تعبير دبلوماسي عن النفوذ وضمان الأمن القومي خارج الحدود، فكل الكبار يفعلون ذلك، بحيث أن أميركا قبل أن تصبح قوة عظمى فرضت “مبدأ مونرو” في أميركا اللاتينية، والقوى الإقليمية تفعل ذلك أيضاً بعدما كانت تنتقد إسرائيل على قصة “الحزام الأمني” في الجنوب اللبناني.
تركيا تعمل على حماية أمنها القومي في شمال سوريا والعراق، وإيران أنشأت جبهة مقاومة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ورعت حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في غزة للدفاع عن أمنها القومي ومشروعها الإقليمي، وسوريا التي كانت لاعباً قبل أن تصير اليوم ملعباً لجيوش وميليشيات تضمن أمن دول عدة، جعلت لبنان كله “منطقة صيد” خاصة بها تحت شعار “شعب واحد في دولتين”، كما هو شعار بوتين اليوم عن روسيا وأوكرانيا.
ألعاب الكبار خطرة تبدأ بشيء وتنتهي بشيء آخر، والشعوب تدفع الثمن والأمم المتحدة تصبح مثل جمعية خيرية.