في رثاء الطبيب الخطيب
بقلم: هيا المقرون

النشرة الدولية –

برحيل الدكتور أحمد الخطيب فقدنا الأب الروحي والصديق الحكيم الذي لم يبخل علينا يوماً بنصحه وإرشاده ودعمه اللا محدود للشباب.

بدأت علاقتي بالدكتور أحمد الخطيب منذ الصغر عندما كان يتردد اسمه في المناقشات السياسية والصحف ووسائل الإعلام ومجلس الأمة، حتى أن اسمه لم يغب عن أكثر الكتب والإصدارات الأدبية كونه أول طبيب كويتي درس الطب البشري، ونائب رئيس المجلس التأسيسي، وأحد مؤسسي حركة القوميين العرب عام ١٩٥٢مع زملائه في لبنان، فعند قراءة رواية “شقة الحرية” للراحل غازي القصيبي تظهر شخصية الخطيب الملهمة حاضرة بين السطور.

قابلت الدكتور لأول مرة في عام 2005 عندما كنت طالبة في قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت في مبنى جريدة “الطليعة” لعمل لقاء صحافي يرتبط بمقرر الدبلوماسية والقانون الدولي، فهذه هي الشخصية العظيمة التي كونتها أفكاري عن الإنسان الطبيب، المخلص، الصادق، الشجاع، السياسي المتواضع الأب الحنون، المثقف، العروبي، المناضل، الثابت على موقفه.

في عام 2015 كان من دواعي سروري دعوتي من الشباب في جريدة “الطليعة” ليوم السبت من كل أسبوع، وهو يوم الراحة عند البعض إلا إنه كان بالنسبة إلينا المتنفس الوحيد لرؤية الدكتور أحمد الخطيب والأصدقاء في “الطليعة” للحديث معهم عن آخر المستجدات على الساحة السياسية.

كنت أنتظر اللحظات التي يتحدث فيها الدكتور عن ذكرياته ومواقف النضال التاريخية في المجلس التأسيسي ومجلس الأمة في الأعوام 1965 و1967 و1971 و1975 و1981 و1985 و1992 حتى اعتزل العمل البرلماني عام 1996.

خلال هذه السنوات لم يتغير الخطيب فقد كان المفكر والناصح الذي يستمع أكثر مما يتحدث، وجرت العادة أن يقضي الدكتور إجازته الصيفية في لبنان لمدة أربعة شهور تقريباً، كان يغمرنا الحنين والشوق لزيارة “الطليعة” ورؤيته بعد الغياب الطويل، وننتظر عودته من السفر بكل لهفة للحديث والجلوس معه.

لم أتصور يوماً أن تمر الأيام والشهور دون رؤية الدكتور، بالنسبة لي إن رمزاً وطنياً مثل الخطيب لا يمكن أن يرحل، فهو الحكيم الراسخ الثابت، سنفتقد من يتفقد أصدقاءه ويسأل عن رواد الديوانية من أكبرهم إلى أصغرهم، فقد فتح قلبه قبل ديوانيته للجميع مثلما فتح عيادته لجميع الحالات الإنسانية دون استثناء.

كان الملتقى آخر الأنشطة التي جمعتنا مع الدكتور وكان يسبقها فعاليات عدة سواء في جريدة “الطليعة” أو ديوانيتها في مبناها العريق بشارع الصحافة وذلك على امتداد ما يقارب العقد.

وبالعودة إلى الملتقى فقد اعتدنا اختيار إحدى القضايا المطروحة لمناقشتها مع استضافة أحد المهتمين بهذا المجال سواء كان الأدب أو القانون أو الثقافة من فنون ومسرح وموسيقى أو الأعمال التطوعية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها من المواضيع الشيقة، ويليها نقاش وحوار لتبادل الآراء، وكان الدكتور يستمع فيها ويراقب أكثر من الجميع.

ملتقى “الطليعة” الذي احتضنه ديوان الدكتور في الشويخ بعد تسليم مبنى جريدة “الطليعة” للمالك الجديد، احتضن كل الرواد من مختلف الفئات العمرية، وكانت فرحة الدكتور وتفاعله مع الضيوف والمحاضرات الدافع لنا لاستمراره، فكان يعقب على أحاديثهم ويشجع الشباب على التفاعل.

إلى روح الدكتور الخطيب لقد غمرتنا بعطائك وحنانك ولم تتوان عن احتضان الجميع، حتى عندما أبلغتك بنيتي الترشح لمجلس إدارة جمعية الشعب التعاونية رغبةً في تطوير العمل التعاوني في البلاد، لمست منك كل التشجيع والثناء والدعم، فليس بغريب عليك أيها الرمز الوطني الإنسان الذي لم يحد عن مبادئه وتوجهاته النبيلة.

رحمك الله وأسكنك فسيح جناته، ستظل مصدر إلهامنا جميعاً وستبقى مسيرتك الوطنية خالدة في التاريخ تتناقلها الأجيال عبر الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى