اللجوء المر.. رحلة صوب الألم
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

ألم لا يفوقه آلام، وجرح تتقزم أمامه جميع الجراح، وعذاب لا يعرف طعمه إلا من جربه، هو قهر بذات المذاق بغض النظر عن اللون والعرق والدين والجنس، ولا يقلل من مرارته إن لجأ الإنسان إلى قصر أو خيمة، فكلاهما يحملان طعم الهزيمة والضعف وفراق الأحبة والأوطان، نعم، فحين يشعر الإنسان بالإنكسار ترافقه المهانة، وحين يشعر بالعجز يبدأ بالموت التدريجي، فيتراجع الحب في ظل إختفاء الإنسانية، ويتسرب الشعور بالأمان وسط تساقط قنابل الموت ورصاص الغدر، فاللجوء والخروج من الوطن لا يختلف عن خروج الروح من الجسد، هو أصعب شعور على الإنسان كونه لا يعرف ماذا يخبيء له الغد، فيغدو المستقبل مجهولاً والحاضر مر بطعم العلقم، فإن تقرأ ألف كتاب على اللجوء والتشرد لا يعادل أن تعيشه للحظات.

فاللجوء رعب يُطارد النفس، ويسكن فيها يرافقه إنكسار على الحدود المشتعلة، وإنتظارٌ للقمة عيش باردة وغطاء يدفء الجسد لا القلب، وعيون تجوب الفضاء وتنظر للسماء تبحث عن إجابة واحدة لسؤال يطرحه الجميع ولا يجدون له إجابات تشفي القلوب والصدور، سؤال يتضخم ويكبر ، لماذا أنا؟، لماذا نحن؟، ودوماً تختلط الإجابات بالدموع والحسرات ويتوقف العقل عن حسابات المستقبل التي تبدوا في تلك اللحظات كطلاسم السحر، فوجع الأنا وإن كان محفزاً للحياة والأمل إلا أنه موجع وقاتل، فالمجرمون يقودون دول كبرى ويسعون للبقاء على قمتها مهما بلغت بحور الكذب والدماء.

هو تاريخ من الألم صنعه القتلة، فموت هنا وقتل هناك ومدافن لها بدايات ولا تعترف بالنهايات، يسطرون تاريخ من القهر واستعباد الشعوب والتحكم في مصيرها، يكتبون تاريخ من الحروب التي شوهت الماضي وصنعت مستقبل على قياس قوى الظلام، ولا حلول تلوح في الأفق ولا أنوار فرح في نهاية النفق، فالموت يقرع الأبوب برصاصة قاتلة أو بجوع يُذيب الجسد أو صقيع يجفف الأطراف والقلوب، فاللجوء هو الهرب من الموت للموت ومن السكينة للقلق والإضطراب.

هو اللجوء لا يميز بين الطفل الأوكراني الأشقر ولا العربي الحنطي الجميل ولا الإفريقي الأسود المهيب، فجميعهم أبرياء وجميعهم جارت عليهم الدنيا ولم تسعهم في رحابها، وجميعهم يشعرون بذات المعاناة والقهر، فالإنسانية لا تفرق بين طفل وآخر حتى إن نطق به جاهل أو جاحد أو عنصري، فالوجع عند الأطفال قد توحد، فيما تبكي النساء ذات الدموع ويتعلقن بأطفالهن بذات الطريقة، فيما الرجال يسعون لحماية أسرهم من قهر المجرمين، ليكون اللجوء جريمة العصر التي يرتكبها القتلة الذين يتحدثون لغات مختلفة لكنها تعني الموت في قاموسهم، لذا كبشر إنسانيون لا يحق لنا أن نشمت بأطفال أوكرانيا أو الصومال أو العراق وسوريا وفلسطين، فكلهم أطفال وعدوهم واحد وغربتهم واحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى