فيروس كورونا وغزو أوكرانيا و…نحن!
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

أعلن العالم، منذ سنتين الحرب على فيروس كورونا الذي أخسره، بالإضافة إلى حياة عشرات ملايين الأشخاص، جزءاً مهمّاً من احتياطاته المالية وقدراً كبيراً من حصاناته الاقتصادية، فاتكاً بالدول الضعيفة دافعاً بشعوبها الى ما دون خط الفقر.

حقّقت البشرية إنجازات حقيقية في مواجهة هذا الفيروس، ولكنّها لم تنتصر عليه، بعد. جل ما استطاعت أن تفعله أنّها نجحت في الحد من كوارثه، وابتدعت طريقة للتعايش المؤلم معه.

ولكن، لم نكن قد نزعنا بعد الكمامات عن وجوهنا ولا تخلّصنا من جفاف مساحيق التطهير عن كفوف أيادينا ولا قلّصنا المسافة التي تفصل واحدنا عن الآخر ولا قزّمنا الصفوف التي نقف فيها لمعرفة ما إذا كانت “عطساتنا” غبارية وارتفاع حرارتنا ” طقسياً” وأوجاع تقلّصاتنا “عضلية” أو هي إصابة كورونية خبيثة، حتّى هبّت عاصفة روسيا على أوكرانيا التي لم تكتف بأجساد النساء والأطفال والعجائز، ولا بأرواح الشباب الذين استقلّوا دبابة أو حملوا صاروخاً مضاداً، بل امتدت لتصل الى كل بيت بالغلاء الفاحش الذي بدأت تسجّله السلة الغذائية والطاقة التي من دونها تموت الأجساد برداً والنقليات جموداً.

والرعب الذي تركته غزوة روسيا على أوكرانيا لم يقتصر على هؤلاء الذين تنزل عليهم الصواريخ والقذائف والحمم من كلّ حدب وصوب، بل امتدت الى كل منزل، حيث بات الجميع، في ضوء ما يصدر من معلومات وما يُستنبط من تحليلات وما يُستشرف من مخاوف حول ما يمكن أن يلحق بالمفاعل النووية السلمية من كوارث، وما يمكن أن يُشعل، في لحظة غير محسوبة، حرباً ضروساً بين دول نووية يحكمها مجنون هنا ومختل هناك ومتوجّس هنالك، في انتظار نهاية عالمه وحياته!

وحيث قلّبتَ عينيك لا ترى سوى التهديد والموت والفقر والكوارث، فحال شرقنا ليست أفضل بعدما انفجر الصراع الذي كان نائماً على الحدود التي تفصل شرقهم عن غربهم أبداً، فإذا كانوا هم قد أحسنوا استغلال كوارث شرقنا المتراكمة، فنحن نجد أنفسنا تضيف إلى قائمة خسائرنا ما يعاني منه شرقهم وغربهم.

عندما دخل فيروس كورونا الى يومياتنا، أوهم زعماء العالم شعوبهم بأنّهم، فعلاً، يخشون على حياتهم، وعلى مصالحهم، وعلى أعمالهم، فانهالوا عليهم بالأوامر هنا والنصائح هناك والموانع من كل حدب وصوب.

ووضع هؤلاء الزعماء في خانة المجرمين كلّ من لا يلتزم بواجبات الحيطة والحذر على اعتبار أنّ استخفافه هذا من شأنه أن يتسبّب بموت الآخرين.

ومن راقب الصرامة التي التزم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليحمي نفسه من أيّ إصابة محتملة بمرض كوفيد-19، فعزل نفسه في ما سمّاه المسؤولون الطبيون الروس “بيئة صحية محكمة الإغلاق”، لمدّة طويلة، وأبعد نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون عنه ستة أمتار، بعدما رفض الخضوع لاختبار طبّي يجريه الكرملين، ظنّه، لوهلة، يقدّس الحياة البشرية ويقدّم نفسه مثلاً صالحاً لجميع هؤلاء الذين يتمسّكون بالحياة، ويستحيل عليه، تالياً، أن يفكّر بشنّ حرب، مهما كان نوعها، فيما هذا الفيروس لا يواصل الفتك بشعبه فحسب بل بجيشه، أيضاً.

لم يكن أحد يظن أنّ هذا الرجل يحفظ حياته من فيروس غير مرئي لذاك اليوم الذي سيظهر فيه أخطر من أعتى فيروس طبيعي، فهو، في ساعات قليلة، ألحق أضراراً بالبشرية، لم يستطع أن يلحق فيروس كورونا، بكل متحوّراته، مثيلاً لها.

كوفيد-19 أبقى الناس في منازلهم. فلاديمير بوتين يكاد يفرّغ أوكرانيا من سكّانها.

كوفيد-19 خفّف من موجات الهجرة. فلاديمير بوتين أضاف موجة قوية إلى موجات كان قد تسبّب بمثلها بشّار الأسد، بعدما رعاه وحماه وقتل من أجله وسحق ودمّر.

كوفيد-19 كاد، في يوم من الأيّام، أن يوزّع علينا مصادر الطاقة بالمجان. فلاديمير بوتين يكاد أن يحرم منها كل من يحتاج إليها.

كوفيد-19، لم يهدّد المفاعل النووية السلمية بالإشتعال، ولم يرد على الحرب الكونية التي شُنّت عليه بالسلاح النووي. فلاديمير بوتين، فعل.

كوفيد-19، لم يقسّم العالم بين مؤيّد ومعارض. فلاديمير بوتين وزّع العالم بين متطوّع ضدّه وبين مرتزق عنده.

كوفيد-19 لم يُخفنا من حلول نهاية العالم. فلاديمير بوتين أجاد.

كوفيد-19 حثّ العبقرية البشرية لتسارع الى اختراع لقاحات ضدّه، دفاعاً عن الحياة واستمراريّتها. فلاديمير بوتين استغلّ هذه العبقرية ليُهدّد، إن لم يستطع أن ينتصر، بعملية انتحار جماعية.

حالياً، يحذّر العلماء من إمكان أن تهجم عل البشرية موجة سادسة من موجات فيروس كورونا ومتحوّراته، ولكن الترجيحات كلّها تشير الى أنّ أحداً لن يعطي هذا الحدث أهميته، لأنّ العيون، هذه المرّة، ستبقى شاخصة الى الموت الذي ينتجه الزعماء في صراع النفوذ المفتوح على مصراعيه، وليس الى ذاك الذي يمكن أن تتسبّب به الطبيعة.

ثمّة أمل وحيد، في ظل هذا الظلام الدامس، أن يُحسن جيش الموجة السادسة اختيار أهدافه، فينكفئ عن هؤلاء الأبرياء ويركّز جهوده على من يبتزه فتكاً وقتلاً وتفقيراً وتدميراً وتهجيراً، أينما كان على هذه الخارطة الكونية.

زر الذهاب إلى الأعلى