حروب روسيا القادمة بعد أوكرانيا
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

إذا كانت روسيا دولة قومية ومتحدة، فأين ستكون حدودها؟ وكيف ستكون طبيعة العلاقة بينها وبين جيرانها؟ هذا ما نتوقعه في الحقبة القادمة، أي بعد الحرب ضد أوكرانيا.

كتاب جورج فريدمان بعنوان “الأعوام المئة القادمة” استشراف للقرن الحادي والعشرين، يجيب عن تلك الأسئلة على الشكل التالي:

ستتمثل الاستراتيجية الروسية في “خلق مناطق عازلة وعميقة على امتداد الجغرافيا الأوروبية في الشمال، في الوقت الذي تعمل فيه السيطرة على مقدرات جيرانها وتقسيمها بغية خلق توازن إقليمي جديد في أوروبا. ستكون أفعال روسيا من الآن فصاعداً عدوانية لأنها لن تقبل بحدود متشابكة دون أن تكون هناك مناطق عازلة. سينصب اهتمامها خلال ثلاث حقب قادمة على استعادة نفوذها وسيطرتها على دول الاتحاد السوفياتي السابق، من خلال إعادة إنتاج نظام مناطق عازلة وستمنع قيام أي تحالفات مناوئة لها، على غرار “حلف الناتو” أو ما يماثله من تكتلات وتحالفات.

هذا النفوذ كما قرأه فريدمان، سيتنامى بسرعة من خلال ثلاثة مسارح عمليات: القوقاز ­­وآسيا الوسطى والمسرح الأوروبي وتدخل منطقة البلطيق ضمن نطاقه، ومنطقة القوقاز هي الحدود الفاصلة بين روسيا وتركيا، يتضمن الجانب الروسي منها ثلاث جمهوريات منفصلة هي أرمينيا وجورجيا وأذربيجان وهي دول مستقلة، كما تمتد إلى داغستان والشيشان، وهناك رغبة روسية جامحة للسيطرة على تلك الأقاليم واستعادة الهيمنة عليها، والعزم على إعادة تثبيت مواقعها فيها، وقد تؤدي المواجهة مع أميركا حول الهيمنة على جورجيا إلى اشتعال حرب! ناهيك عن عدم سكوت تركيا لأنها سترى في هذا الفعل من روسيا حافزاً للأرمن لدعوة الروس للوجود عسكرياً على حدودهم! والنتيجة توقع مواجهة في القوقاز.

المسرح الثاني هو منطقة آسيا الوسطى التي تقع بين بحر قزوين والحدود الصينية، نظراً لما تحتويه من احتياطيات ضخمة للطاقة، فإذا ما حاولت قوة عظمى أخرى السيطرة عليها فهنا ستتغير الاتجاهات، لأن من يسيطر على كازاخستان، سيكون على بعد مئة ميل من نهر الفولغا الذي يعتبر شريان حياة للزراعة الروسية، فالتقديرات تشير إلى أن آسيا الوسطى ستعود إلى حظيرة النفوذ الروسي.

أما المسرح الثالث فسيكون أوروبا والمنطقة الواقعة إلى الغرب مباشرة من روسيا، وفي هذه المنطقة ستواجه روسيا ثلاث جمهوريات من البلطيق وهي أستونيا ولاتفيا وليتوانيا ولذلك لا بد لروسيا من السيطرة على أوكرانيا (وهذا ما يتم ويجري تنفيذه على الأرض) وبيلاروسيا وهي دولة تابعة وحليفة (وهذا ما تحقق)، فأوكرانيا تعني الكثير بالنسبة إلى الروس، لأنها إذا وقعت تحت سيطرة الناتو على سبيل المثال فستكون روسيا في خطر وجودي، فهي تقع على بعد مئتي ميل من بيلاروسيا.

فالروس يفكرون بمنطق الدورات التي تحدث كل عشرين عاماً ويعرفون جيداً كيف يمكن أن ينقلب اللامعقول إلى وضع يصبح معه ممكناً ومعقولاً.

من وجهة نظر الروس فإن تمدد حلف الناتو باتجاه أوكرانيا يعتبر تهديداً لمصالحها القومية، وإذا ما تحقق لبوتين وعادت أوكرانيا وبيلاروسيا إلى الفضاء الروسي تكون قد عادت بالفعل إلى حدودها القديمة مع أوروبا في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. تلك القراءات المستقبلية قد لا تحدث بالضبط كما تخيّلها الكاتب، لكنها محاولة جديرة بالوقوف على تفاصيلها، والتطلع إلى العشرين سنة من القرن الحادي والعشرين وهذا ما فعله فريدمان برسم خريطة طريق جديدة.

التغيرات في الحقبة القادمة ستكون مفاجئة إلى “درجة الصدمة”، وما سيأتي لن يكون استثناءً، فروسيا تعيد بناء فضاء نفوذها وهو ما يشكل تحدياً لا مفر منه لأميركا، بالتالي نحن أمام “حروب” قادمة لا مفر منها.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى