تمثيل ورؤساء
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

مارس هذا الدور ثلاث شخصيات شهيرة: ريغان وترمب وزيلينسكي

النشرة الدولية –

مفارقة عجيبة أن كلمة تمثيل باللغة العربية تعني النيابة وتعني الانتحال أو لعب دور شخصية ما وليس الشخصية الحقيقة، والنيابة تعني من ينوب أو يمثل شخصاً ما أو شعباً ما، وأصل كلمة التمثيل من “مثل”، ومشتقاتها عدة ومتناقضة ومتضاربة المعاني، فالمثيل هو الشبيه، والتماثل هو التشابه، وقد انتشر أخيراً مصطلح المُثلية الجنسية كترجمة حرفية لـHOMOSEXUALITY.

والتمثيل هو التعذيب وتقطيع الجثث، والمثال هو النموذج، فيقال فلان مثال يحتذى.

ومثول المتهم أي وقوفه أمام المحكمة، والأمثال هي الأقوال التي يرددها شعب ما لتختزل مشهداً ما، و”قيّة الممثل” شائعة لدى قبائل في شمال الجزيرة العربية وشرقها وتعني “كما يقول المثل”.

وتكرر كلمة مثل في الغزل والحب وتوصيف الحبيب الذي لا مثيل له، وكذا الصاحب الوفي الذي ندر في هذا الزمان والذي هو أهم وأثمن من الأقرباء، وقال فيه الشاعر والفارس المعروف راكان بن حثلين:

هذا ولد عمٍّ وهذا ولد خال

وهذا رفيق ما لقينا مثيله

والتمثيل بمعنى تقمص شخصية ما ولعب دورها على خشبة المسرح أو أمام كاميرات التصوير أو آلات التسجيل. وقد مارس هذا الدور ثلاث شخصيات شهيرة أصبحوا رؤساء لبلدانهم، ولعل أشهرهم كان رونالد ريغان الذي مثل أدواراً ثانوية في أفلام هوليوود في خمسينيات القرن الماضي، ثم أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية عام 1981، وقيل إنه كان مندساً للتجسس على الفنانين اليساريين في هوليوود ليمثلوا أمام لجنة السيناتور جوزيف مكارثي التي كانت تعاقب الشيوعيين والاشتراكيين لأفكارهم. يذكر أن ريغان كان ديمقراطياً، ثم تحوّل إلى أقصى يمين الحزب الجمهوري، فهل كان يمثل حتى في عضويته في الحزب الديمقراطي؟

أما الممثل الثاني الذي أصبح رئيساً، فهو دونالد ترمب، صحيح أنه لم يمثل كثيراً سوى بلقطات مثل ظهوره لثوانٍ في فيلم “وحدي بالبيت” HOME ALONE، ولكنه كان يقدم برنامجاً اسمه THE APPRENTICE ولعل أفضل ترجمة له هي الكلمة اللهجوية “العليمي” أو “الغشيم”، وكان ترشيح الحزب الجمهوري له مفاجأة للجميع، ناهيك عن فوزه على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. لقد كان خبر ترشحه لانتخابات الرئاسة الأميركية محل تهكم وسخرية البرامج الليلية اليومية للكوميديين والمهرجين، لكنه فاز بالانتخابات ليصبح رئيس أقوى قوة في العالم اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً وغيرها.

الرئيس الثالث هو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فقد كان ممثلاً كوميدياً لعب دور الرئيس في مسلسل فكاهي، ثم قرر أن يترشح للانتخابات الرئاسية في بلاده وفاز بنسبة كبيرة على منافسيه. زيلينسكي الفكاهي الكوميدي تحوّل إلى “صبي حرب”، كما نقول باللهجة لتوصيف المقاتل الشرس. وهو اليوم يخوض حرباً ضد جارته الكبرى – روسيا – ولا أحد يعلم كيف ستؤول تطوراتها، كثيرون يعتقدون أنه كان في إمكان الرئيس زيلينسكي تلافي تلك الحرب وويلاتها على الشعب الأوكراني المنكوب لو أنه طمأن جاره الضخم بأنه لن ينضم إلى حلف “الناتو” والإتيان بقواعده على أعتاب روسيا، لكنه كان يصرّح ويطالب ويرسم خرائط طرق للانضمام إلى الحلف في وقت هو أحوج إلى المساعدات الأوروبية والروسية بسبب التدهور الاقتصادي الذي أنهكته السياسة والفساد وسوء الإدارة. لقد نصح كثيرون الأوكرانيين بأن يبقوا على الحياد بين روسيا وأوروبا وأن يوظفوا ذلك الحياد لمصالحهم كجسر بين روسيا وأوروبا، بدلاً من الانحياز الذي كان يعمل عليه الرئيس زيلينسكي والذي أدى إلى التدهور واندلاع الحرب. ولعل أشهر الناصحين هو ثعلب السياسة الأميركية هنري كيسينجر الذي كتب عام 2014 مقالاً في “نيويورك تايمز” ينصح به الأوكرانيين بأن يتخلوا عن فكرة الانضمام إلى “الناتو”، لكنهم لم يستمعوا إلى النصيحة، وقديماً قيل “اللي ما يطيع، يضيع!”.

الحرب ليست تمثيلية بل هي دماء ودمار ومآسٍ على الشعبين الأوكراني والروسي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى