الإسلاميون لن ينتصروا في معركة عادلة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في تونس

النشرة الدولية –

مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في تونس، بدأت معالم التنافس السياسي تتشكل مع بروز شخصيات سياسية مقابل أفول آخرين وانطلاق الحديث عن الأطراف الأقوى القادرة على تغيير المعادلة السياسية الراهنة. ورغم ضبابية الصورة، يبرز الحزب الدستوري الحر الذي كان في الماضي القريب مستهدفا من المتنفذين الجدد في البلاد ولكنه تمكن مع الوقت من البروز من بين أوفر المتنافسين حظا على الساحة السياسية مما أثار حفيظة خصومه. “العرب” التقت الأمينة العامة للحزب عبير موسي وتحدثت معها حول رؤيتها، ومن ورائها، حزبها للمشهد السياسي في تونس وتطرقت إلى آفاق الحزب وبرنامجه، بحسب ما نشر موقع العرب اعدته الزميلة إيمان الزيات.

بحسب تصريح الأمينة العامّة للحزب الأستاذة عبير موسي في حوار حصري مع “العرب”، فإن الاهتمام المتزايد بالحزب الدستوري الحر ليس وليد الصدفة كما يعتقد البعض بل يعود لسببين رئيسيين؛ السّبب الأوّل يتمثّل أساسا في ثبات الحزب على مبادئه رغم الضغوط المستمرّة والتّهديدات العنيفة أحيانا وحتّى الإغراءات. أمّا السّبب الثاني فهو التوجّس من نجاح ممكن للحزب قد يغيّر شاكلة المنظومة السياسيّة القائمة إن تمّ تفعيل بديل جديد للخروج من أزمة دامت أكثر من تسع سنوات.

تقول عبير موسي إن خصوم حزبها “في حالة توجّس وارتباك حيث يواصل بعضهم الّلعب على المغالطات والأخبار الزّائفة. نحن مبدئيّون في مواقفنا وبرامجنا ولكنّ البعض يحاول مغالطة الرّأي العام فيوصّف مبدئيّة الحزب الدستوري الحرّ على أنّها شكل من أشكال الإقصاء”.

وتوضح “نحن أيضا نتقبّل كلّ شراكة سياسيّة قد تساهم في ارساء مشروع مجتمعي وطني من شأنه أن يدفع بتونس نحو مستقبل أفضل ولكنّنا نرفض وبشدّة الانفتاح على أيّ شراكة قد تضر بالبلاد والعباد”.

وعند سؤالنا عن الشّراكات التي يمكن وصفها بالمضرّة، تجيبنا موسي دون مراوغة وبكل وضوح “نحن اليوم أمام مكوّن سياسي له علاقة واضحة بتنظيم دولي. تاريخ الإخوان المسلمين واضح. فكرهم الرّجعي ومشروعهم الظلامي كما الدمويّة في معاملاتهم هي أيضا من الحقائق الواضحة التّي لم تعد خفيّة على الرّأي العام”.

وتضيف “هذا بالطّبع يعود للمرجعيّة الأمّ للتنظيم التي لم يكن ينكرها الإسلاميون في الماضي قبل شروعهم في العمل على تحسين الصّورة والتملّص من انتمائهم  بغاية الاستيلاء على تونس. هم الآن يعتمدون في هذا على المغالطات والتحيّل وذلك بالعمل على ترويج مجموعتهم كحزب مدني”.

عبير موسي، المعروفة بنقدها اللاذع لحركات الإسلام السياسي، استحضرت أيضا البعض من العمليّات العنيفة التي تورّط فيها الإسلاميون منذ ظهور النّسخة التونسية من تنظيمهم رسميا في ثمانينات القرن الماضي، مشيرة إلى تفجيرات سوسة والمنستير والاعتداءات بحمض الكلوريدريك على المدنيين.

وتقول “لن نقف عند التّاريخ فقط فالعنف متواصل ومتّصل وهذا دليل آخر على أنّ أتباع التّنظيم الإسلامي لم يغيّروا من ممارساتهم وسياساتهم. لنا فقط أن نستحضر ما اقترفوه أثناء حكم الترويكا والفترة الانتقاليّة”.

وترى أن عند عودة الإسلاميين من المنافي، حاولوا مباشرة السّيطرة على الدّولة وذلك عن طريق سن قانون يقصي الدستوريّين من صياغة الدّستور، وهو ما جعلها تؤكد أن هؤلاء هم من أسّسوا لممارسات الإقصاء وعملوا على تفعيله في أكثر من فرصة خاصّة عندما تعمّدوا وبمجرّد جرّة قلم إبعاد الدستوريّين وحلّ حزبهم، ظنّا منهم أن ذلك سيكون كفيلا بضرب قوة وطنيّة كانت قد تجذّرت في البلاد على مدى ما يتجاوز مئة عام.

وتعتبر موسي أن صياغة الإسلاميين وشركائهم الدّستور في العام 2011 تبعتها انطلاقة أحداث العنف والدعوات التحريضيّة.

وتقول “رأينا في عهدهم الاعتداءات الدمويّة والاغتيالات السياسيّة وعايشنا ذبح الجنود والأمنيين والعمليات الإرهابية في ظل انفلات أمني تام. شهدنا أيضا رفع الرايات السود في مناطق مختلفة من البلاد ثمّ انطلقت دعوات رجعية لقمع الحريات الفردية وتهديد الحقوق العامّة”.

كل هذه الأحداث جعلت موسي تقول “إنها كانت فترة مظلمة بأتم معنى الكلمة” تمكّنت فيها أطراف متشددة كتنظيم أنصار الشريعة من الاستقواء بالتوازي مع توظيف المساجد وتسفير الشباب إلى سوريا والعراق وغيرهما من بؤر التوتّر.

ولم يغب عن موسي في تعدادها للانزلاقات والرّصيد الكارثي لحركة النّهضة وشركائها ملف الانهيار الاقتصادي والذي يعتبر في الشّارع التّونسي اليوم بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير وأصبحت الأخطر والأشدّ وقعا على الحياة اليوميّة. فتؤكد “هم رهنوا البلاد تقريبا وأغرقوا تونس في المديونيّة عن طريق الاعتماد حصرا على القروض الخارجيّة وسوء التصرّف في الموارد الوطنيّة”.

وهذا يوصل موسي إلى التأكيد أن “الفكرة الأساسيّة هنا تنحصر في إزاحتهم من المشهد السياسي لردّ الأذى عن الوطن والبحث عن حلول فعليّة قد تسمح لتونس بالخروج من هذا المنعرج الخطير”.

وفي سؤال عن الطّريقة التّي يمكن اعتمادها لتحقيق ذلك، حدّثتنا موسي عن مشروع الدّستور الذي اقترحه الحزب الدستوري الحر في 20 مارس 2019 لتشدد “نحن لدينا قناعة ثابتة أن الخلط بين الدّين والسياسة سيمضي بتونس نحو الأسوأ. ولذا كنّا قد اقترحنا في مشروع الدستور الدّي تقدّمنا به منع جميع الأحزاب القائمة على توظيف الدّين والتمييز بين مواطني الدولة الواحدة”.

وتضيف “يجب أيضا ألا ننسى أنّ حركة النهضة حصلت على تأشيرة العمل السياسي بطريقة غير قانونية في بداية مارس 2011 بعد أن أودعت الملف في فيفري من نفس العام”.

وتوضح أن هذا يعني أنّ الإجراء تمّ قبل تسوية الوضعيّة القانونيّة أي في فترة سابقة لسنّ مرسوم العفو التشريعي العام الذّي سمح بإلغاء الملاحقة القضائيّة للحركة. وتذكّر موسي أيضا بأن قانون 1988 الذي كان ساريا وقتها يمنع صراحة تكوين الأحزاب ذات المرجعية الدينية، وتؤكد “هنا الحزب الدستوري الحر يبحث فقط عن الوضوح ونحن كنّا قد عبّرنا عن ذلك باقتراح مشروع قانون لتنظيم العمل الحزبي لتوضيح المرجعيات والهويات الحزبية”.

ورغم أنّ المسألة قد تبدو صعبة ومعقّدة بعض الشيء، إلا أن موسي، التي تعرف تفاصيل القانون التونسي وتتابع عن كثب كلّ التطوّرات على السّاحة الوطنية، تعتبر مشروع القضاء على الإسلام السياسي ممكنا ومتاحا في ظل تواجد مدخل قانوني قد يغير المعادلة السياسية برمتها.

وتصرح موسي “نحن نريد المحاسبة القضائيّة على كلّ ما تم اقترافه في حقّ الوطن من 2011 إلى اليوم والمحاسبة هي التّي ستؤدّي للمنع. طبعا، نحن لا نريد إقصاء هؤلاء عن طريق قرار سياسي ولكننا نطالب بمحاكمة عادلة يليها تطبيق للقانون”.

وتوضح أنهم لن يعتمدوا طريقة الرئيس الأسبق زين العابدين بن على في مواجهة الإسلاميين وسيسعون إلى أن تكون المحاكمات علنية بما يسمح بطرح الوقائع. وتذكّر موسي بأن عددا من القضايا لا تزال محلّ نظر لدى العدالة التونسيّة بما في ذلك قضيّة الجهاز السري وقضايا الاغتيالات وما يعرف بقضيّة الرشّ بولاية سليانة.

ولتفعيل هذه القضايا ترى موسي أنه يجب بداية رفع اليد عن القضاء “الذي أصبح مهدّدا وتحت ضغط الميليشيات المأجورة التي تعمل على تخويف وتركيع الجميع″.

عبير موسي من القلائل الذين لا يؤمنون بقوّة حركة النهضة ووزنها السياسي. وهي أيضا لا تعتقد بأنّ الإسلاميين قادرون فعلا على الانتصار في معركة سياسيّة عادلة يكون فيها التنافس بين الأحزاب شريفا.

وتبين “حركة النهضة لم تتمكّن من السيطرة على مفاصل الدولة والمشهد السياسي إلا بعد إقصاء أكثر الأحزاب عراقة ودراية بشؤون البلاد”. وتعتبر أن الإسلاميين يعرفون حجمهم الحقيقي فعلا بعيدا عن المبالغات. كما ترى أن الاستقواء لا يتحقق إلا من خلال تشتيت الخصوم والتحالف مع طبقة سياسية لا تتمتّع بأرضيّة شعبية وهياكل فاعلة أو برامج واضحة، حيث توضح موسي “هنا يمكننا القول إنّ تواجد أحزاب سياسية هشّة أو بالأحرى شركات شبه سياسية هو ما سمح للإسلاميين بالبروز في ساحة مفرغة تماما من مكوّناتها الأقوى”.

ورغم التّهديدات، تصر موسي على مبادئ حزبها بل وتؤكد على المسار الذي تبنته في مواجهتها مع حركة النهضة والقائم أساسا على الصراحة التامة، فتؤكد “نحن لم ولن ندخل بيت الطاعة ولن ننبطح أمام مشروع الإسلام السياسي”، مشددة على أن مواقف حزبها ثابتة منذ البداية ولن يتم تغييرها كما فعلت أحزاب أخرى.

وترى موسي أن ما يزعج الإسلاميين في ما يخص الحزب الدستوري الحر هو نجاح المؤتمر الذي عقده في 2016، في هيكلة الحزب مما سمح له باستعادة التوسّع الجغرافي للدستوريين في البلاد. وتقول إنه بعد سنوات من العمل تمكن الحزب الدستوري الحر فعليا من تفعيل تواجده في كل الولايات والمدن كما يعمل حاليا على تعزيز وجودنا على مستوى الأرياف والقرى.

وتتابع “لعل هذا ما يثير حفيظة خصومنا الذين أصبحوا يتوجسون من وجودنا كقوة سياسية منظمة تتميز بعقيدة وطنية تتنافى ضرورة مع ولاءاتهم للتنظيمات الدولية المشبوهة”.

وفي تعليق على مناقشة وضع الإخوان المسلمين على قائمة التنظيمات الإرهابية في واشنطن، تقول موسي “سيكون من الأفضل اتخاذ قرار تصنيفهم من عدمه في تونس بقطع النظر عن الموقف الدولي منهم، لكن من المهم الإشارة إلى أن موقف واشنطن اليوم يأتي تعزيزا لما أدلينا به سابقا حول خطورة هذا التنظيم”.

تقدم موسي الحزب الدستوري الحر كبديل قد يغير المسار السياسي وترتكز في اقتراحها على الميزة الأهم وفقها “وهي المصداقيّة”.

وتعتبر أن حزبها لا يعتمد المراوغات في خطابه ويعمل على تسمية الأشياء بمسمياتها، فعندما يتطرق للأزمة الاقتصادية مثلا يسعى دائما لعرض الأسباب والقيام بتشخيص يمكن في مرحلة لاحقة من الخروج بمقترحات. وترجع سبب ذلك إلى عدم تورط الحزب الدستوري الحرّ في منظومة الربيع العربي التي تقول إن مناصريها دأبوا على تجميل الواقع بهدف صون نفوذهم وامتيازاتهم.

كما تؤكد أن “برنامجنا السياسي أيضا واضح”، وتقول إن حزبها كما التونسيين يعلم أن أصل الداء في تونس هو النظام السياسي الذي شتت مواقع القرار وأضعف دور مؤسسة رئاسة الجمهورية وخلق تناحرا واضحا بين السلط التنفيذيّة وجعل من التجاذبات السياسية عنصرا حصريا في تحديد مصير الملايين من التونسيين.

ولهذا تؤمن موسي وحزبها بضرورة تغيير النظام السياسي بالمرور نحو نظام رئاسي معدل يحفظ لرئيس الجمهورية صلاحيات واضحة تمكنه من أداء مهامه وتطبيق برنامجه. كما تقول إن “تونس أيضا تحتاج لسلطة تنفيذية قوية لاستعادة قوة الدولة ومؤسساتها”.

لكن الإصلاح السياسي وحده وبشهادة الكثيرين لم يعد كافيا في بلاد أصبحت تواجه رياح ما يمكن توصيفه بأكبر أزمة اقتصادية منذ الاستقلال مع انهيار سعر صرف الدينار وتعطل الإنتاج وتفاقم مشكلة البطالة مقابل تراجع هام في نسبة النموّ مقارنة بسنة 2010. كلّ هذه المؤشرات السلبية تجعل من الاقتصاد الملف الأكثر أهميّة في نظر المواطن التونسي وتطرح على القوى السياسية بما في ذلك الحزب الدستوري الحر تحدّيا صعبا.

وتقول موسي إن الحزب الدستوري الحر هو الحزب الوحيد في تونس الذي قدم إلى الآن للرأي العام برنامجه الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وكان ذلك في 26 أبريل بعد عملية تشخيص دقيقة بالاعتماد على الأرقام والمعطيات المتوفّرة.

ووفق موسي، البرنامج يتركز أساسا على تعديل التوازنات المالية التي انخرمت في السنوات الأخيرة واتخاذ إجراءات في ما يخص دعم العملة الوطنية وتعبئة موارد العملة الصعبة ودفع عجلة الإنتاج. الحزب الدستوري الحر اقترح أيضا إنشاء جملة من المؤسسات والهيئات للمساعدة على التحكم في المديونية وإصلاح المؤسسات العمومية وغيرها من الإصلاحات الهيكلية الضرورية لتجاوز الأزمة.

وفي نفس السياق، حدثتنا موسي عن مبادرات تشريعية جاهزة لمراجعة عدد من القوانين المتعلقة بالصرف والمحروقات وغيرها من القطاعات “بما يضمن خلق اقتصاد تونسي مندمج في محيطه ومواكب للتطوّرات”.

ويعتزم الحزب الدستوري الحر عرض برنامجه لإصلاح قطاع الصحة في 10 مايو في محاولة لاستعراض الحلول الممكنة للنهوض بهذا القطاع الحيوي الذي أصبح يعاني من مشكلات متعدّدة كارتفاع نسبة الهجرة في صفوف الأطباء وتدهور الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية. كما سيتم، بحسب موسي، عرض برنامج لإصلاح قطاع التعليم وذلك بعد نقاش مع ثلة من المختصين.

عند الحديث عن الديمقراطية، كشفت موسي عن رهان حزبها وعن معادلة جديدة مختلفة تماما عما عايشه التونسيون منذ استقلال بلادهم في 1956.

وأفادت “نحن نريد أن نبرهن للجميع أن دولة القانون والمؤسسات لا تتعارض مع الديمقراطية ونحن في هذا السياق نتعهد باحترام الحريات وبدعم التعددية السياسية والفكرية. لن نضيق على أحد ولكننا سنعمل على الترشيد والحفاظ على الأمن بما سيجنب البلاد حالة الفوضى المتفشية الآن”.

موسي أيضا عبرت عن رغبة حزبها في التنسيق والتشاور مع المنظمات التونسية العريقة التي مازالت تلعب دورا محوريا في تحديد مستقبل تونس بقولها “نحن نتعامل مع اتحاد الشغل كمؤسسة وهيكل لعب دورا جوهريا في تاريخ تونس انطلاقا من معارك التحرير إلى مرحلة بناء الدولة المدنية الحديثة وبالتالي نحن نعتبر الاتحاد شريكا تاريخيا للحزب الدستوري في بناء الدولة”.

وأضافت “في هذا الاتجاه سيكون برنامجنا الاقتصادي والاجتماعي قائما على شراكة حقيقية مع اتحاد الشغل ومنظمة أرباب العمل ونقابة الفلاحين (نقابة المزارعين) واتحاد المرأة وجل المنظمات الكبرى التي مثلت دعائم قوية للدولة وسندا حقيقيا”.

وقالت “في لقاءاتنا مع الاتحاد أكدنا على ضرورة العودة نحو طاولة المفاوضات الدورية بما يجعل النقاش سابقا لسن القوانين”.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى