بوحٌ في ذكرى الضمير!
بقلم: علي احمد الدباس
النشرة الدولية –
صباحك طيبٌ يا أبي في ذكراك الثالثة عشرة… كلها مرّت وكأنها أيام ؛ بكل ما فيها من ألم ومواجهة وصمود وصبر … وبكل ما فيها من شرف تعلمناه منك وبكل ما فيها من ضمير ورثناه عنك! صباحك طيب أيها الضمير الراقد في قبرك بالعيزرية؛ وانت الذي عشت جريئاً في مجتمع جبان؛ صادقاً في زمن النفاق؛ زاهداً تسبح ضد تيار الجشع …. مالذي كان سيحدث لو عشت لليوم يا أبي ؟ كيف كنت ستتحمل كل هذا الجشع اللا إنساني الذي أصاب مجتمعنا ؟ كيف كنت ستتعامل مع كل هذا الظلم على الأشراف؟ كيف كنت ستتخطى كل أدغال النفاق الكذاب الذي نعيشه ؟؟ نحمد الله يا والدي انك عشت نظيفاً ورحلت نظيفاً !
وهذه النظافة يا والدي …. ” هدّت حيلي ” بعد رحيلك كثيراً ؛ فكلما هممتُ بأمرٍ ما رأيتُ برهان ربي وتجلى لي ضميرك أمامي ؛ فأحكّمه في كل تصرف …. وإذ بمصطرة ضميرك لا تستقيم الا مع الخير والشرف والعفة والصدق وقول الحق لا نخشى فيه لومة لائم ولا نخاف بقوله على أرزاقنا فكلما علمتنا شعارك الأزلي أصبح شعارنا (( الرزق على الله والسمعة عند عباد الله ))!
لم يكن فخري يوم رحيلك بلقبك بين زملاء الصحافة (( الضمير )) كما هو اليوم ؛ ففي كل يوم اسمع فيه قصة جديدة عن ضميرك لا اعرفها اقف مبهوراً مدهوشاً بكل هذه الحنبلية في الضمير ؛ وتحضرني هنا قصة رواها قبل عدة سنوات الاستاذ سليم المعاني بارك الله فيه متحدثاً عن ضميرك فقال (( ذات انتخابات لنقابة الصحافيين اﻻردنيين
ترشح المرحوم أحمد الدباس …كنا في احدى السهرات؛ فجأة نهض “احمد” مستأذنا …
قلنا له : الى أين؟ قال سأمرّ على كذا واحد واخبرهم ان اصواتهم ﻻ تشرفني ؛ وﻻ أريدها وسأمسح بهم اﻻرض ان انتخبوني ….هكذا كانت مقايس الرجال الرجال …في تلك اﻻنتخابات نجح الدباس نجاحا ساحقا وحصل على أعلى اﻻصوات )) أيفعلها غيرك حقاً أيها الضمير؟
وها انا يا ابي امام امتحان ضميرك مرة أخرى؛ فالحق بائنٌ بينونة كبرى ؛ ورئيس حكومتنا يدبك ساهراً في الليلة التي يستباح فيها الاقصى ؛ ويكتب تجار الدم على صفحاتهم نصرة لفلسطين والقدس فيما يوقعون ليلاً صفقات التجارة الملبوسة بدم الأشقاء؛ ويبقى ضميرك عنواناً للرفض المطلق والحرمة الأبدية ….
أحياناً يا والدي الطيب احمد الله على نعمة رحيلك قبل ان تدرك هذا الزمان الصعب ؛ الذي اصبح فيه الحق ” وجع راس ” والظلم عنوان الناس ؛ والاعتقال على النوايا ؛ واغتيال الشخصية أسوأ من تصفية بالرصاص !
مرت ثلاثة عشر عاماً ؛ ولعل أصعبها العامين الأخيرين ؛ كنتُ فيهما بحاجة لقوتك ؛ لعفتك؛ لصمودك ؛ لقيمك ؛ لقدريتك المتناهية…. لتدعمني وتبقيني واقفاً؛ وان خذلني القدر برحيلك قبل ان احتاجك فلم تخذلني سيرتك أيها الضمير ؛ وبقي رأسي مرفوعاً بك متزاهياً بشرفك ؛ مفتخراً بأبوتك ؛ متباهيا بإرثك الكبير : سمعتك التي لا تقدر بأي ثمن! وعهداً علي يا والدي الطيب ان يبقى ضميرك حياً فينا أنا ومحمد : ضميراً ممنوعاً من الصرف !