أنوار تأبى أن تنطفئ لفنانين لبنانيين وعالميين

ثنائية الأسود والأبيض وبضعة أطياف ملوّنة في صالة أليس مغبغب

العرب – ميموزا العراوي –

النشرة الدولية –

أثرت الأوضاع الصعبة في لبنان في نفوس الفنانين التشكيليين وصالات العرض على حدّ السواء، فخلقت أعمالا ومعارض ثائرة وغاضبة، تحاول التمرّد على ضوابط السلطة الفاسدة والتأسيس لمساحات إبداع فني حرة من كل القيود اللونية والأكاديمية وتبعث في النفوس أملا في أن أنوار الغد ستشرق معلنة عن أمل جديد.

تقدم صالة أليس مغبغب الفنية في بيروت معرضا يحمل عنوان “أنوار” ويضم مجموعة أعمال لفنانين لبنانيين وعالميين. يستمر المعرض حتى 13 من شهر مايو القادم. يتميز هذا المعرض بكونه الأول بعد غياب قسري فرضته الصالة على ذاتها بسبب تردي الأوضاع اللبنانية.

“أنوار” هو معرض فني له مناسبة خاصة، فهو من جهة احتفال بيوم المرأة العالمي ومن جهة أخرى يمثل عودة الصالة إلى العمل الفني بعد غياب دام شهورا عديدة.

وذكرت صاحبة الصالة أليس مغبب في أكثر من مناسبة، إضافة إلى بعض ما ذكرته في البيان الصحافي للمعرض، أن الصالة “واجهت انفجار مرفأ بيروت مثل كل المدينة. واستطعنا الاستمرار رغم الصعوبات الجمة. خلال شهر يوليو من السنة الماضية رفضت التعاون مع أصحاب المولدات الكهربائية بعد أن قطعت شركة كهرباء لبنان إنتاجها للطاقة وأغرقت البلاد في ظلام دامس. وكان علينا الخضوع لحسابات رجال المولدات الكهربائية. وأقفلت الصالة تأكيدا على مبدأ عدم الانكسار تحت أثقال الأمر الواقع. وبقي الحال على ما هو حتى أنجزنا تركيب جهاز الطاقة الشمسية البديلة. كما أنني رفضت التعامل مع صناديق المصارف التي حلت مكان اقتصاد الدولة”.

وتضيف أليس مغبغب قائلة إنها استطاعت أن تعيد فتح أبواب الصالة بهذا المعرض غير التجاري الذي يدعمه فرع الصالة الذي افتتح حديثا في بروكسيل ويعمل بحيوية كبيرة. وهي تعتبر أن هذا المعرض هو تعبير عن رفض الخنوع لضغوط الفساد وخطوة نحو فن يحافظ على تواصله مع الناس، ونحو أمل بحياة أفضل و”أنوار” تأبى أن تنطفئ.

حين نقرأ أن عنوان المعرض هو “أنوار” أول ما يتبادر إلى ذهن معظمنا، سيل من الألوان والضجيج المشبّع بحياة ساطعة كصباح شديد الإشراق والبياض، غير أن هذا ليس ما سنعثر عليه في المعرض. ثنائية الأسود والأبيض حاضرة بقوة إضافة إلى بعض ما نحب أن نسميه بخيالات لونية تطرح السكينة في نفس كل من نظر إليها.

كيف لغزارة اللون الأسود في الأعمال على تنوعها وكثرتها والبياض الملحق به، أي باللون الأسود، قادر على أن يكون ناطقا بالأنوار التي تتحدث عنه صاحبة الصالة أليس مغبغب؟

هذه الأجواء المتقشفة لونيا والغامضة التي أرساها المعرض بمجمله تأخذنا إلى مبدأ المهندس المعماري “لويس كاهن” القائل بأن “كل الموجودات المحسوسة في الطبيعة، الجبال، الأنهار، والهواء، ونحن أيضا، مصنوعون من الضوء الذي يتدفق. وكل الأشياء التي نصفها بالمحسوسة تلقي بظلها أينما حلّت. وهذا الظل المعتم لا ينتمي إلا إلى النور”.

هكذا يصبح معرض “أنوار” لائقا بأن يكون الأول بعد حلول ظلام ألقى بظله حتى أعماق الأماكن والبشر على السواء في لبنان بشكل عام وفي بيروت بشكل خاص فالظلام هو تحت سلطة النور وينتمي إليه وليس بالعكس.

وهكذا أصبحت ظلال الأشجار التي التقطتها المصورة اللبنانية هدى قساطلي في ربيع 2020 على طريق الشام لا تنتمي وكما ذكر البيان الصحافي “إلى فئة المشهد الطبيعي، أو المديني، كما يُخيل للمرء، إذ لا نرى طريقا أو بيوتا، بل أوراق غصن شجرة جاكارندا، أشبه بتلك الزخارف البرّاقة التي تنير الشريان الرئيسي لبيروت. استخدمت قساطلي الأسود والأبيض، ضمن تأليف محكم شبه متناظر بين شقيه، ومن وراء الأوراق يبرز الضوء، وكأنه يتسلّل من خلال ثقوب أملت الطبيعة أشكالها”.

ويمكن اعتبار هذه الصور الفوتوغرافية هي في الصالة من أهم ما حضر وذلك لزخمها الفلسفي في زمن ما عاد يطيق الثرثرة المجانية ولا ألوان البهرجة الكاذبة.

Thumbnail

وإلى جانب المصورة هدى قساطلي حضرت أعمال لخمس فنانات أخريات وتنوعت أعمالهن ما بين لوحات ومنحوتات وصور فوتوغرافية. هؤلاء هن إيتيل عدنان وجانين كوهين ومالغورزاتا باشكو وكليمانس فان لونين ولي واي. كل هؤلاء قدمتهن الصالة إلى الجمهور اللبناني بإسهاب ومما ذكر نختار بضع كلمات.

تقدم في الصالة الفنانة مالغورزاتا باشكو “عملا لونيا ذا بعدين: جذع شجرة كستناء في المقدّمة، تنبت منه أوراق خضراء ذات حجم كبير، يمكن من خلالها تلمّس أشعة الشمس، المنبعثة بقعا وظلالا زرقاء مع أطياف وردية..”.

أما الفنانة اللبنانية – الأميركية إيتيل عدنان التي توفيت السنة السابقة ففي الصالة لها مجموعة مميزة تشبهها كثيرا وهي مجموعة نفّذتها قبل وفاتها بوقت قليل”. بينما قدمت الفنانة لأي واي مجموعة من المشاهد الطبيعية المرسومة بالحبر الأسود المخفف على الحرير الأبيض حيث يطغى الرمادي بتدرّجاته اللانهائية على المشهد، مع نقاطه الصغيرة وخطوطه المتقطّعة التي تظهر وتختفي”.

أما مجموعة الفنانة جانين كوهين فشاركت في تجهيز فني “استخدمت في صناعته قضبان خشبية مسطّحة، بعضها مطلي باللون، وبعضها الآخر بلون الخشب الطبيعي. التجهيز معلّق على الجدار، ما يجعله أشبه بإطار للوحة لا وجود لها، أو إطار لنافذة بلا أفق”.

وظهر عمل الفنانة النحاتة كليمنس فان لونين من خلال “منحوتة من البورسلين، مع قطع من النسيج، ومرصعة بالصدف. ويضيف الضوء المنعكس على الميناء الزجاجي الرمادي اللامع، على العمل بريقا خاصا، وخصوصا لدى معاينة العمل على الخلفية السوداء”.

تؤكد أليس مغبغب، صاحبة الصالة أن الأعمال الموجودة في الصالة تُعرض جميعها للمرّة الأولى كذلك هي مجموعة إيتيل عدنان التي أنجزتها قبل وفاتها، ما عدا بضعة أعمال قد سبق أن عُرضت.

المعرض بمجمله مؤثر لأنه شبيه بعالم الأطفال حين يبصرون أحلاما بالأسود والأبيض. أي أن الأسود “معفو عنه” إذا صح التعبير لأنه حاضر ليزيد من ألق الأبيض، ذلك الألق الشبيه بنور القمر بصمته ونفاذه العميق.

Thumbnail
Thumbnail
زر الذهاب إلى الأعلى