خروج الوافدين وهجرة المقيمين
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

هناك مطالبات لم تتوقف يوماً، وغالبيتها من سذج لا يعرفون ما يطالبون به، أو من الباحثين عن الإثارة، للتخلص من المهاجرين أو العمالة غير الوطنية، والكويت ليست استثناء في هذه الظاهرة المخجلة التي تشمل تقريباً كل دول الخليج، مروراً بأستراليا وسنغافورة وهونغ كونغ، وكل الدول الأوروبية الغربية وأميركا، مع فارق في الدوافع والأسباب.

ليس هناك أسهل من إصدار قرار بالتخلص من «الوافدين أو المقيمين»، وليس هناك أكثر صعوبة من العيش من دونهم، مع استحالة إحلال «مواطنين» محلهم، وحتى مع افتراض وجود هذا الاحتمال فوجود «الغرباء» في غير أوطانهم ظاهرة بشرية لم تتوقف على مر التاريخ، ووجودهم ليس ترفاً، بل ضرورة، فلا يمكن مثلاً تخيل الكويت، بوضعها الحالي، بغير هؤلاء، فمن دونهم ستنهار «كل مقومات الدولة الحديثة»، وليس في ذلك أية مبالغة. فنسبة الكويتيين لا تزيد على %30 مقارنة بغيرهم، إلا أن نسبتهم في القطاعات الحيوية من صناعة نفطية فعلية، وليس إدارية، بما في ذلك الكهرباء وتكرير المياه، وغيرها تقارب الصفر، هذا غير أنشطة التمريض والحراسة، وكم هائل من الأعمال الإدارية المهمة والبسيطة والمتواضعة الأخرى! كما يلاحظ أن حصة المواطنين من الجرائم الكبرى أعلى من نسبتهم من السكان! وبالتالي من الحقارة التعامل بدونية مع الوافد، ونحن في أمس الحاجة إلى وجوده، هذا فوق حقه في المعاملة الكريمة كإنسان. فقد ترك الكثيرون الكويت وفي نفوسهم غصة من المعاملة غير اللائقة التي وجدوها منا، وسوء المعاملة هذا دفع الكثير من الكفاءات، حتى الكويتية، إلى الهجرة. فما فائدة فوز متاحفنا بجائزة «أوسكار المتاحف»، وبناء المطار الأحدث والأجمل والأكبر إن كنا لا نرحب بزيارة أحد، فمن سيستفيد من هذا التسهيلات؟

الوافد، والمقيم لسنوات طويلة، هو شريكنا في بناء الدولة، ويستحق بعد عقود عمل طويلة معاملة أفضل. فعندما قمنا في جمعية الصداقة بتكريم مجموعة من المقيمين ممن أمضوا أكثر من نصف قرن في الكويت، ومن مختلف الجنسيات، كانت ردود أفعال غالبيتهم الشكر، ولكنهم تمنوا، والعبرة تخنقهم، لو كان التكريم الحقيقي من الدولة التي لم تحترمهم، وتعفيهم من بهدلة البصمة وذل مراجعة الإقامة!

***

فوجئت، وأنا أعود مريضاً في مركز «حسين مكي الجمعة للسرطان» بوجود لافتة تبيّن قيام الصديق «بشير ناشي»، وهو أسترالي من أتباع طائفة المندائيين، العراقية الكريمة، بصرف مبلغ كبير تبرعاً منه لإعادة تأهيل وتأثيث عيادة الأمل في المركز!

لفت الأمر نظري، وتساءلت عن سبب هذا القصور الواضح والكبير الذي نراه من مجموعة كبيرة من الوافدين الذين نجحوا في تحقيق ثروات خيالية يقارب بعضها المليار دينار، ومع هذا لم يعرف عنهم صرف فلس واحد على أي مشروع تنموي أو خيري داخل الكويت. أكتب هذا وأنا ممتن لعدد من الوافدين الذين لم يترددوا في التبرع لمشاريع مماثلة، ومنها التبرع لجمعية الصداقة، من دون منّة، بمبالغ كبيرة! فمتى نرى معاملة إنسانية ومنصفة للوافد والمقيم، من قبل الحكومة والشعب؟ ومتى نرى مقابلها مقيماً يقدّر فضل الكويت عليه، ويبادرها بعمل كريم؟

زر الذهاب إلى الأعلى