المنتصرون بخسارة مارين لوبان الرئاسة الفرنسية
بقلم: فارس خشّان
النشرة الدولية –
نظرة لوبان الى الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وسوريا وإيران وغيرها قريبة جداً من نظرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
بقاء إيمانويل ماكرون في الرئاسة الفرنسية، لولاية ثانية تمتد على خمس سنوات مقبلة، بات شبه مؤكّد.
استطلاعات الرأي التي أعقبت المناظرة الرئاسية التلفزيونية بين ماكرون ومنافسته مارين لوبان، تبيّن ذلك.
وتتمتّع استطلاعات الرأي الفرنسية، خصوصاً بكلّ ما يتّصل بالدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، بتاريخ يُثبت دقّتها، بحيث يأتي هامش الخطأ فيها ضيّقاً للغاية، الأمر الذي يحول دون وضع التوقعات في خانة الخطر إلّا إذا جاءت النتائج متقاربة جداً، أي بفارق لا يتعدّى نسبة الثلاثة بالمائة.
ووفق هذه الاستطلاعات التي سوف تتوقف كما الحملات الانتخابية، بدءاً من منتصف ليلة اليوم، يتقدّم ماكرون على لوبان بأكثر من عشرة بالمائة.
ولعلّ تسليم “حلفاء” لوبان بخسارتها المحتملة، في الانتخابات المقرّرة بعد غد الأحد، دفعهم إلى إطلاق مبكر لمعركة الانتخابات النيابية المقرّرة في 12 و19 يونيو المقبل.
وكان جميع متابعي مسار الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وهم ليسوا قلّة على امتداد الغرب والشرق، ينتظرون انتهاء المناظرة التلفزيونية وما يمكن أن تتضمّن من مفاجآت من شأنها إحداث تغييرات في المزاج الشعبي الفرنسي، لكنّ ذلك لم يحصل، إذ إنّ ماكرون الذي كان التعادل يكفيه في هذه المناظرة، سجّل في مرمى منافسته أكثر من هدف، إذ تمكّن من النيل منها في نقاط القوّة التي ترتكز عليها، كالقوّة الشرائية والعلمانية والحجاب الإسلامي، الأمر الذي دفع الجميع الى التسليم بأرجحية بقائه في قصر الإليزيه.
وقد تكون مجريات الحملة الانتخابية تركت آثارها على ماكرون، في أكثر من مسألة تُعنى بإدارة شؤون فرنسا الداخلية وشجونها، ولكنّها لم تمس مطلقاً مسار سياسته الخارجية، فطريقة تعامله مع الحرب الروسية على أوكرانيا، على سبيل المثال لا الحصر، لم تحظ بقبول منافسته فحسب، بل بإشادتها أيضاً.
وهذا يعني أنّ سياسة فرنسا الخارجية، في حال ترجمت صناديق الإقتراع التوقعات الانتخابية إلى وقائع، لن تتغيّر، وتالياً فإنّ المخاطر التي كانت تحوم، منذ أسبوعين، بعد إقفال صناديق اقتراع الدورة الأولى للإنتخابات الرئاسية، بفعل التقارب الكبير بين ماكرون ولوبان الذي سبق أن سجّلته استطلاعات الرأي، قد تلاشت.
ونظرة لوبان إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وسوريا وإيران وغيرها قريبة جداً من نظرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
البعض يعيد ذلك إلى نظرة اليمين الراديكالي الأوروبي الى الأمور، بدليل التوجّهات التي يحملها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان، ولكنّ ماكرون لم يتردّد في إبلاغ لوبان في المناظرة التلفزيونية، وأمام أكثر من خمسة عشر مليون مشاهد، أنّ السبب في ذلك يعود الى ارتباطاتها المالية بروسيا، من خلال قرض بقيمة تسعة ملايين أورو حظيت به في العام 2014، من مصرف روسي مقرّب جداً من الكرملين، ولم تُسدّده بعد.
وإذا كان ماكرون لا يحمل أجندة “عنيفة” ضدّ فلاديمير بوتين، إلّا أنّه، في المقابل ينتهج مساراً واضحاً، يصب بالمحصلة ضد محاولات بوتين المتكرّرة من أجل ضعضعة “الإتحاد الأوروبي” وإضعاف “حلف شمال الأطلسي”، ذلك أنّ ماكرون الذي يؤمن بضرورة إبقاء خطوط التواصل قائمة، حتى مع أكثر الأعداء ضراوة، يعمل في الوقت نفسه على انتهاج خط سياسي-عسكري-أمني-اقتصادي من شأنه، في المحصّلة، إضعاف سطوة هذا العدو.
ويتجسّد هذا النهج السياسي في طريقة التعامل مع فلاديمير بوتين، فهو في الوقت الذي كان قد حافظ على “دبلوماسية الهاتف”، قاد، بصفته الرئيس المرحلي للاتحاد الأوروبي، مساراً يهدف الى تعزيز قدرات دول الإتحاد الأوروبي العسكرية، من جهة أولى وتوفير إستقلاليتها، بأسرع وقت ممكن، عن مصادر الطاقة الروسية، من جهة ثانية، وتزويد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية والإنسانية العاجلة ، من جهة ثالثة، وفرض ما يُمكن من عقوبات على نظام بوتين، من جهة رابعة.
لو وصلت لوبان إلى رئاسة فرنسا، لكانت بلادها التي تشكّل أهم ركن من أركان الاتحاد الأوروبي، قد خرجت من هذا الإتحاد، ولكان الثنائي الفرنسي-الألماني قد انتهى لمصلحة بروز ثنائي جديد هو الثنائي الفرنسي-المجري، ولكانت القيادة المركزية ل”حلف شمال الأطلسي” قد خسرت الحضور الفرنسي، أي حضور القوّة النووية الأوروبية الوحيدة، ولكانت باريس أضعفت “الضغط الأوروبي” على نظام بشّار الأسد، وأعادت العلاقات الدبلوماسية والسياسية معه، من دون أن يلتزم بموجبات القرار الدولي 2254، ولكانت أوكرانيا التي يبدو أنّها ستخوض مقاومة طويلة الأمد، قد خسرت المساعدات الدفاعية الفرنسية ومعها الزخم الأوروبي.
ولا يستبعد متابعو مسيرة لوبان وحزبها الذي يحمل إسم “التجمّع الوطني”، لو فازت لوبان، أن تنضم فرنسا إلى الدعاية الروسية-الصينية التي تحمّل الغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً مسؤولية ما يحصل في أوكرانيا، لأنّ هذا التحالف يوفّر للجيش والشعب الأوكراني ما يلزمه للصمود في مواجهة الغزو الروسي.
ويمكن إدراج هذه الدعاية في إطار الكوميديا السوداء، إذ إنّها تربط انتهاء الغزو بإضعاف المقاومة الأوكرانية، الأمر الذي يؤدّي، في هذه الحالة، الى استسلامها التام والناجز.
وهذه الدعاية تُذكّر بمسلسل “احتلال” الإسكندينافي الذي يتخيّل تواطؤاً أميركياً-أوروبياً مع روسيا ضدّ المقاومة الناشئة، لتمكين موسكو من بسط احتلالها للنروج، في مقابل توفير مصادر الطاقة وإبقاء أسعارها العالمية منخفضة.
وأقوى موقف سبق أن اتّخذته لوبان في المسألة الأوكرانية، بعد ضمّ شبه جزيرة القرم-وهي تتباهى به في آخر أيّام حملتها الانتخابية-أنّها كانت قد دعت، منذ العام 2014، الى أوكرانيا مستقلّة عن روسيا والإتحاد الأوروبي والولايات المتّحدة الأميركية.
وهذا الموقف هو نفسه الذي كانت قد حملته الدعاية الروسية، تحت عنوان “الحياد”، وعادت لتبرّر به اجتياح أوكرانيا، في السابع والعشرين من فبراير الأخير.
وليس من قبيل الصدف أنّ المعارض الروسي ألكسَي نافالني قد وجّه من سجنه رسالة الى الشعب الفرنسي بالعمل على منع وصول لوبان الى الرئاسة والتصويت لمصلحة ماكرون، لأنّ لوبان “متواطئة” مع فلاديمير بوتين و”متورطة في فساده”.
ولا يمكن القفز، في هذه الحالة، فوق عشرات الدعوات الأوروبية والدولية التي تحث الشعب الفرنسي على منع وصول “اليمين المتطرّف” الى الرئاسة، وقد وقع المستشار الألماني ورئيسا الوزراء البرتغالي والإسباني أحدثها.
هناك كلام كثير يمكن أن يُحكى عن الشؤون الفرنسية الداخلية وشجونها، وفق ما كشفته الحملة الانتخابية الرئاسية، إلّا أنّ ما هو أكيد أنّ انتصار ماكرون المتوقّع من شأنه أن يريح الغرب لأنّه في غنى عن اختراق روسي، في هذه المرحلة الدقيقة التي عادت فيها الحرب الى أبواب أوروبا، وكما من شأنه أن يُريح دول الإعتدال في العالم الإسلامي، حتى لو كان بعضها على اختلاف مع بعض توجّهات ماكرون، لأنّها بغنى عن رؤية “اليمين المتطرف” الحاكم يتبادل الخدمات مع “الإسلام المتطرّف” الطامح الى التحكّم، في هذه المرحلة التي تسعى فيها الى بذل كلّ ما يلزم من جهود لاحتواء “الإسلام السياسي”.