رهان على الرئيس ماكرون لا على “الملك” إيمانويل
بقلم: رفيق خوري

مشكلة الرئيس الفرنسي أن قيادة بلاده على المسرح الدولي كانت أسهل عليه من إيجاد حلول للمشكلات الداخلية

النشرة الدولية –

الرئيس إيمانويل ماكرون حقق ما فشل فيه الرؤساء ديغول وبومبيدو وديستان وشيراك وميتران والرئيسان ساركوزي وهولاند: الفوز بولاية ثانية في الجمهورية الخامسة. لكن التحديات أمام ماكرون في الولاية الثانية أكبر من التي رافقت الولاية الأولى. وليس أصعب من المواجهة في الخارج سوى المواجهة في الداخل. فالتحديات الداخلية مسألة مصيرية بالنسبة إلى الحكم الشعبي وحكم التاريخ على الرئاسة.

والتحديات الخارجية قضية تتعلق برهانات “إكسترا” على دور فرنسا وطموحات الرئيس في عالم متغير. ومشكلة ماكرون أن قيادة فرنسا على المسرح الدولي كانت أسهل عليه من إيجاد حلول لمشكلات الفرنسيين. ومتى؟ حين صار الانشغال بمشكلات الفرنسيين أكثر إلحاحاً من الاشتغال بدور فرنسا في الخارج. وهذا هو السلاح الذي حاربت به مارين لوبن، زعيمة “التجمع الوطني” عبر التركيز على ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة ورفض الزيادة في سن التقاعد وقصة اللجوء والحجاب وإعلاء القانون الفرنسي على القانون الأوروبي.

وهي ربحت، وإن خسرت المعركة الرئاسية. فالناخبون الذين صوتوا لها وأعطوها نحو 42 في المئة من أصوات المقترعين هم في معظمهم يمشون وراءها وباقون معها. أما الذين أعطوا ماكرون 58 في المئة، فإن نصفهم تقريباً صوتوا له خوفاً من مجيء لوبن، ولن يبقوا معه. والمعادلة، كما قال الخبراء هي أن خيار الناخبين كان بين رئيس لا يحبونه ومنافسة لا يرغبون بها.

لكن التحدي الداخلي الأبرز والأقرب هو في الانتخابات النيابية المقبلة. فماذا لو خسر حزب ماكرون الغالبية الحالية وربح حزب لوبن؟ وأي نوع من “التساكن” بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة كما حدث بين ميتران وشيراك؟ ماكرون حفظ قول الجنرال ديغول: “فرنسا ليست دولة عظمى لا عسكرياً، ولا اقتصادياً، ولذلك يجب أن تكون لها سياسة عظمى”. وقوله: “أوروبا هي قضية الفرنسيين والألمان: فرنسا هي المحرّك وألمانيا هي الحصان”. وهو جرب أن يلعب دوراً ديغولياً في لبنان والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا وفي صراعات الكبار. لكن رهانه، مثل ديغول، على محور أوروبي – روسي من “الأورال إلى الألب” فشل. فلا روسيا تريد أن تكون مجرد دولة في أوروبا، إذ ترى نفسها القطب المقابل لأوروبا وكل الغرب. ولا اجتياح الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا ترك أمام ماكرون فرصة لتفاهم أوروبي مع روسيا، لأن الشرخ بينهما صار واسعاً. فضلاً عن أن بوتين لم يستجِب لكل مساعي ماكرون من أجل تسوية سلمية لإنهاء الحرب على أوكرانيا.

وليس غريباً أن يكمل ماكرون حلمه بدور فرنسي دولي مهم. فهو رأى دولاً إقليمية أقل أهمية بكثير من فرنسا تلعب أدواراً خارجية. وهو قال قبل الانتخابات إن “فرض الأمر الواقع صار العقيدة الجديدة لعدد من الدول، فروسيا وتركيا مثلاً تتصرفان كما تريدان خارج حدودهما من دون محاسبة، ويجب أن نجد آليات فاعلة لمحاصرتهما”. وهو يقصد ألا يذكر إيران وما تعمله لتوسيع نفوذها الخارجي.

 

أوروبا سعيدة بانتخاب ماكرون. كذلك أميركا. بوتين يهنئه. ولبنان يأمل في أن يكمل ماكرون دوره المهم في إبقاء البلد على جدول الأعمال العربي والدولي. ولا أحد يعرف إلى أي حد يمكنه تنفيذ ما في برنامجه الانتخابي: “أمة فرنسية أكثر استقلالاً في إطار أوروبا أقوى”.

لكن من الصعب تغطية المصاعب في الداخل بالدور الخارجي مهما يكُن مطلوباً. فماذا يفعل ماكرون بالمذكرة التي وجهها إليه 20 جنرالاً متقاعداً ومئات الضباط والقضاة والأساتذة، وفيها: “فرنسا في خطر، ولا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي. هناك تفكك يصيب الوطن وهو نذير حرب أهلية”؟، وما الذي تعلمه ماكرون من تجربته في السياسة المحلية بحيث سُمّي “رئيس الأغنياء”؟

 

يقول بيار روزافيون، البروفيسور في “كوليج دو فرانس” إن “لدى ماكرون أجندة واضحة في قضايا الاقتصاد، لا في القضايا الاجتماعية”. وهذه واحدة من أهم المواد في امتحان الولاية الثانية بعدما تحرر ماكرون من هموم التحضير للمعركة الرئاسية. ففي حديث قبل أعوام مع “دير شبيغل” الألمانية، قال ماكرون: “في السياسة الفرنسية صورة ملك لم يرِد الشعب الفرنسي موته”. لكن رهان الفرنسيين لمعالجة مشكلاتهم هو على الرئيس ماكرون لا على “الملك” إيمانويل.

زر الذهاب إلى الأعلى