ملح الرّياشي وانتظار الصَلب
يوسف طراد
النشرة الدولية –
للسياسة في بلدنا لغة، لكن لأسلوب ملحم الرّياشي مفردات لها لحن خاص!.
كم من الأشخاص يفهمون هذا الأسلوب؟. مدرسته حواريّة حضاريّة، لا تحدد الفرق بين النّقائض، ولا تظهر التّباين بين الأضداد، بقدر ما تسعى إلى زيادة مقدار الحريّة، وكميّة الشّجاعة، وحجم الثّقافة، وسمو الوطنيّة، وجعل الكيانيّة اللبنانيّة هدفًا.
لماذا أقدم على الترشّح، هل ليخترق التعاسة بسهام الكياسة؟ وهل إنّه واثق بأنّ مساحة التّعاسة ستتقلص، ولن تسخر من حجم تفاؤله؟ نعلم بأنّ له ذراع سبّاح، اعتاد الموج، والرّيح، وأنواء بحور السّياسة. ونعلم معنى سعيه الدّائم إلى السّلام، وتشرّده الطّويل في موانئ التّجارب. ونعلم أنّه يحارب هزيمة وانكسار وطنه بالصّدق، أيضًا وأيضًا نعلم بأنّه يتقن هذه الحرب، بأسلحته المبدعة التي تجعل منهجه يرقى إلى مستوى الوطنيّة الحقّة. لذلك أصبح ملحم لُحْمَةً لنقائض لا تلتحم.
لماذ قاد مظاهرة حوارية هزّت الوجدان، وحرّكت النّفوس الرّاكدة، وأقام حوارات مع عقول مشتعلة، وقودها المواقف المبهمة؟
هل يعلم ماذا ينتظره؟ وهل يعلم من صُلب قبله على صليب النّسبيّة؟ الذي صُلب هو الفنّان الذي تناول بأغانيه قضايا الفساد، وانتقد المسار السّياسي. هو الذي تكلّم في نهاية أغنية “لسه فاكر” عن نهب الأموال، وعن وراثة الورطة الكبيرة في أغنية “صارت سنة الألفين”، هو الذي غنّى لطريق المطار شجوًا، قبل إنشاء الأوتوستراد، جاهلًا أو مدركًا، بأنّ طريق المطار الجّديدة، سيمر عليها صادرات تخفي ممنوعات، وتجعل خلافنا مع أخواننا مستفحلًا. هو الذي صُلب عل صليب الوعي المفقود، بغض النّظر عن مذهبه والجّهة السّياسية التي ترّشح من قبلها.
بالمفهوم العام، الفن الهادف الذي اتّبعه الفنّان غسّان الرّحباني، يتآلف مع الصّدق إلى السّعي الدّائم نحو السّلام، الذي هو خيار وحيد عند الرّياشي، فهل سيكون سقوط خيار السّلام مدويًا لا سمح الله، كما سقط الفنّان واستمرّ نهجه، وبقي “كلّ يغني على ليلاه”؟
ملحم الرّياشي الباحث في شؤون الشّرق الأوسط والدّين المقارن، يعلم حقّ العلم، بأنّ المجرم “باراباس” قد فاز بأول انتخابات علنيّة جرت بتاريخ الكنسية، برفع الأصوات والأيادي. فإذ لم يفز بالانتخابات النيابيّة، يكون بانتظاره صلبة أولى من أجل حياة وطن. وإذا قُدّر ونجح، سيحمل صليبه إلى داخل البرلمان، وتكون المرحلة التي سبقت النجاح، سديمًا مضيئاً ملتهبًا قد اخترق جدارات الجهل، كشفرات مروحة سماويّة الدّوران، واستقطب جميع المواقف الوطنيّة. وتكون أحلى وأصدق لحظات قبل العبور إلى ساحة الوغى من أجل الدّيمقراطيّة السليمة.
ملحم الرّياشي الذي هو من رجال السّلام، لكنّه من صقوره لا الحمائم، يعلم حقّ العلم، أنّ صليب الذّل الذي زُرع في ساحة النّجمة، تحمل قائمته تدجينًا نهائيًا لمجتمع تضمحل قِيَمَه. وتمتد على عارضته خيانة الأصوات الدّاخليّة للجالسين على كراسي البرلمان.
ملحم الرّياشي يعاني عذاب الإحساس، بوجود هوّة بين الفكر السّياسي الراقي والسّائد حاليًا. ويكافح بضراوة وسلاحه الصّفاء الذّهني، والمهارة الحواريّة المكتسبة، كونه أستاذًا محاضرًا في مادّة جيوستراتيجيا التّواصل، وهذا الكفاح يصّب في مجال التّآلف دونما تنافر أو اختلاف بين شرائح الوطن.
يا معالي الوزير، سامح بوحي، فإنّ أمورًا كثيرة تغتال صفائي: أي صلبة تنتظر؟ لكن مهما يكن الصّلب قاسيًا، ونوع الصّلبة مختلفًا، فالعطاء بصدق هو وليد الألم.