و كان البحر …. مأواهم
بقلم: فلك مصطفى الرافعي

الشراع –

النشرة الدولية –

…اخيراً استسلم غرقى مركب الموت لمقابرهم في قاع البحر بعدما يئسوا من مقابر  تحت ثرى الوطن المهزوم بمعادلة ” غض النظر ” …

… مقابر على مدى الازرق الممتد من انين الخوف الى الاسر ، بين ضلوع الزورق المنكسر ( و خاطرنا المكسور ) … الذي ارشدنا  لإقامة      ” صلاة الغائب” و هي فرض كفاية  بينما هي على المسؤول   ” فرض عين ” لا يسقط عن كاهل الحاكم.

ربّما كنّا بحاجة  الى عصا موسى التي ابتلعت عصىّ و حبال سحرة فرعون ، فالعصا ما كانت لتكون الّا بيد نبي و ليس لمجرّد صبي يحكم الشاطئ الحزين ، و ” تسعة رهط” من “شبيّحة” قوم النبي صالح عليه السلام نحروا ( ناقة الله ) و رهطنا نحروا العشرات في عز ايام رمضان الرحمة ..

و يروي كتابنا المنزّل ان النبي زكريا عليه السلام كانت آياته بعد معجزة  وهب الولد من شيبة و امرأته العاقر تلد فكان الامر ( ان ْلا تكلّم الناس َ ثلاث  ليالٍ سويّا ) ، فكان الصوم عن الكلام . و كذا فعلت  السيدة الطاهرة مريم فأتاها الوحي ” اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلّم اليوم انسيّا” ،  و كان ايضا الصوم عن الكلام .

و طرابلس المنكوبة كانت على صيام عن الطعام و الحرام ،  و ليست بصوم عن الكلام ، بكت بتشنّج مرير و قهر كبير بكى فيها المبصر و الضرير ، و حتى اليوم حدادها ليس له جغرافيا؛  فالبحر يحدّه من الرياح الاربعة ، تلكؤ المسؤول و صمت الحاكم و عجز المتولّي و ظلم المعني بالأمر ….

لا شرق يحدّ طرابلس حتى شروق الشمس مال للسواد ، و لا شمال بخاصرتها بعدما فقدت بالمسؤولين حسن الشمائل،  و لا غرب في أدبياتها لانها في عزلة و غربة ، و لا جنوب يعاصرها بل الجيوب و العيوب و الكروب …

كارثة قاربت حزن بيروت يوم تفجير  المرفأ و ايضا ( حُفظت القضية ) لعدم وجود البيّنة و القرائن،  فالبيّنة على من ادّعى و لا دعوى للمظلوم ، و جارور الحاكم يتّسع لألف قضية برسم العفن و التلف ، و الغبار الآثم و تجهيل الفاعل ليس جهلا و انما افتراء على *الله* سبحانه و عباده …

غرقى القهر لم يفطروا و لم يسمعوا مدافع العيد ، لم يلبسوا الجديد و لم يذهب أطفالهم الى اراجيح ذكريات الماضي الجميل..

طرابلس تعيش تكرار قصة مفترضة ربما كانت من أدبيات المرويّات الهادفة و التي تحمل اليوم ” بصمات قاتل حقيقية ” ..

يُروى و الراوي دمعة حارقة و قلب ملتهب و جوع قاتل و فقر مدقع و امن مستباح و مال مسروق منهوب   ” و على عينك يا تاجر ” …

يٌروى ان والياً مرهوب الجانب اتاه قومه على عجل و لهفة لحل معضلة ان الثور الوحيد في الناحية ادخل رأسه عنوة في عنق الجرة المستخدمة لجلب الماء من عين نضّاحة .. فكّر الوالي ملياً و هم ينتظرون الوصفة السحرية من خاتم سليمان المزيّف ، الى ان أمرهم بقطع رأس الثور ففعلوا و هم صاغرون ،  و ظنّوا من سلاسل قيدهم الفكرية ان المعضلة قاربت النهاية وحاولوا اخراج رأس الثور المبتور من عنق الزجاجة و كان الفشل حليفهم و عادوا ( لمسيلمة عصره بنبأ جديد) ..

اطرق المتولي ثانية ثم صاح كتيس تفلّت من عقاله مقارباً نظرية ( *ارخميدس* ) وجدتها ..وجدتها ، فأمرهم بكسر الجرة ، لا ثور يحرث و لا جرّة تحمل الماء ثم طلبوا من        ” اخوانهم ” العون بالتبرع لشراء ثور و جرّة فكان التكافل الاجتماعي و حصلوا على مبلغ من الدراهم، واتوا به سيدهم ” *عشاء يضحكون*” ، فقال لهم دعوا المال عندي سأستورد لكم عجلاً له خِوار مثل عجل السامري ( اليهودي ) من بلاد مشهورة بثيرانها القوية و جرة مطاطية لا تنكسر …

و بعد مرور الزمن الطويل اخبرهم ان الباخرة التي تحمل طلبهم قد غرقت …

و اسألوا مصارف البلد ان كنتم ايايَ تكذّبون …

*غرقى  طرابلس الصائمون عن الطعام صياما، و هم وحدهم اليوم الصائمون عن الكلام  صوما*…

نرتقي بالصيام و صومنا صوتاً قارعاً مزلزلاً  مرتلاً  ؛ ” تبّت يدا ابي لهب و تبّ ” ….

زر الذهاب إلى الأعلى