جنازة شيرين .. الفارق بين البطولة والعمالة
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

 

جنازة مهيبة، الرؤوس فيها مرفوعة صوب السماء، والأكف تتضرع لله العلي القدير، جنازة قلما شهد العالم مثلها، هي أطول جنازة لصحفية في العالم، وهي أطول رسالة في تاريخ البشرية، فقد كتب الفلسطينيون بفعلهم أروع رسائل الوفاء والإخلاص لإنسانة أحبت وطنها وعشقت ترابه فعشقها الشعب وبادلها الحب بالحب، هي شيرين أبو عاقلة التي ضحت لأجل وطنها، فرافقها الوطن بشعبه، بفلسطين التاريخية والضفة الغربية وغزة والشتات حتى مثواها الأخير، بكاها الجميع ونزلت دموع الرجال على سيدة بألف ألف رجل، لم تحتمل السيدات المشهد لإنسانة عاشت معهم الحياة بهمومها وإنكساراتها وإنتصاراتها، سيدة دخلت الأبواب عبر شاشة واستقرت في القلوب للأبد، هي السيدة التي صلى عليها المسلمون صلاة الغائب، وصلى عليها المسيحيون في كنائسهم، وحتى المعتدلون من اليهود بكوا الفعل الصهيوني وترحموا عليها.

هذه بطلة فلسطين التي وقفت لفلسطين فوقفت معها فلسطين، ليكون أروع وداع بين عاشقين، فقد احتضن المعشوق عشيقته وأسكنها في قلبه وبين جنباته، حضنها تراب فلسطين بحنان وسكينة وهدهد على كتفها ليشعرها بالأمان، هامساً لها:”فأنت يا زهرة الدحنون ستنبتين من جديد وستنتشرين يا شرين في كل منزل ومزرعة وطريق، وستسكنين كل قلب وعقل”، هذا يا سيدتي وعد العاشقين الذي لا ينتهي، ليكون وداعك هو الأصعب والأكثر وجعاً لعشرات الاف من الرجال والنساء رافقوا جثمانك، حتى مثواك الأخير رغماً عن أنف المحتل الذي راقب ضحيته وهي تعلوا حتى غدا لا يطال قدمها.

تخيلوا معي الجنازة والحب الكبير لمن ماتت لأجل فلسطين، وتخيلوا معي كيف تم ردم التراب على عشرات العملاء والخونة الذين عملوا لأجل الكيان الصهيوني ضد بلادهم، فهؤلاء نبذتهم الأرض ولفظهم الشعب فماتوا بطريقة مهينة وتم دفتهم بطريقة تتناسب مع سوء أفعالهم، والأدلة كثيرة في هذا المجال، لكن إحترماً لعائلاتهم التي خرجت أيضا الشهداء والابطال سأحجم عن ذكر اسمائهم وأسماء دولهم التي أعدمتهم وقتلت سيرتهم السيئة، وجعلتهم عبرة لجميع العملاء.

وأدرك ان مقارنة جنازة شيرين أبو عاقلة المناضلة الفلسطينية بجنازات العملاء لهو تقليل من قيمة شيرين العظيمة، لكن حتى يدرك البعض عظمة شيرين ودونية هؤلاء كان علي أن أقارن بينهم، فجنازة شيرين طافت فلسطين وحاربت الصهاينة حتى وصلت قبرها وخرجت الجماهير تتحدى الصهاينة حباً بشيرين ، فيما جثث العملاء تم نقلها على عجل حتى لا تقتل رائحة عفنهم الشعوب الشريفة، ليدفنوا كما الحيوانات دون شاهد يشير إلى قبورهم وتُخرج لبعضهم الجماهير بالإكراه ليتسرب الحضور في الطرقات هرباً من هول فضيحة تواجدهم، بل ان عائلات العملاء تكون خجلة منهم ولا تريد لأحد أن يتذكر سوءاتهم وفضائحهم، فيما عائلة شيرين تتقبل التعازي بهامات تُعانق السماء وينظر العالم لأبناء أسرتها بإكبار، لتبكي اليوم عائلات العملاء ابنائهم لضلالهم عن الطريق الوطني، فجنازة شيرين جعلت الجميع يعشق فلسطين أكثر لأن الوطن العزيز سيحبهم أكثر.

آخر الكلام:

قال نابليون بونابرت للرجل النمساوي الذي خان وطنه لصالح فرنسا مقابل المال وأراد مصافحة نابليون: ” لا يشرفني أن أصافح خائنا لوطنه مثلك”، ولكن لو نابليون بيننا اليوم لسارع لمصافحة شيرين أبو عاقلة ولقبل يهدها ولقال لها: ” مثلك تكون النساء وإلا فلا”.

زر الذهاب إلى الأعلى