“جان بيار فيليو”: «الربيع العربي» فشل بمقارعة الدكتاتوريات

النشرة الدولية –

الجريدة –

حمزة عليان وربيع كلاس

اعتبر البروفسور في العلاقات الدولية والمتخصص في الشؤون الاستراتيجية والدبلوماسي الفرنسي السابق جان بيار فيليو، أن “ثورات الربيع العربي” فشلت في مقارعة الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية، مؤكداً أن نظام بشار الأسد لم يحقق أي انتصار على معارضيه، بل تحول نظامه إلى “دولة الكبتاغون” تحت إشراف ماهر الأسد والفرقة الرابعة، بعد أن دمر بلده وهجَّر نصف شعبه، وعليه لا أمل في هذا النظام، غير أن “الرهان على التغيير سيكون من برلين وعلى يد السوريين اللاجئين هناك”.

وفتح البروفسور فيليو، في حوار مع “الجريدة”، ملفات الشرق الأوسط، متطرقاً إلى الفرق بين سياسات أميركا وفرنسا تجاه هذه المنطقة، وكيف استبقت الدبلوماسية الفرنسية بتقديمها رؤية شاملة لحل النزاعات فيها قبل مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. وفيما يلي تفاصيل الحوار:

  • كيف ترى الديموقراطية في الكويت؟

 

– التجربة الديمقراطية الكويتية مهمة جداً في الخليج والعالم العربي، وعندما غزاها صدام، خرج الفرنسيون في مظاهرات في باريس دعماً وتأييداً للكويت.

 

  • ما الدور الذي قامت به فرنسا في حرب تحرير الكويت؟

 

– كنت ضمن فريق دبلوماسي متابع للعملية العسكرية التي ساهمت فيها فرنسا لتحرير الكويت عام 1991، ورافقت وزير الدفاع حينذاك في زيارته للكويت، وهي أول زيارة لوزير غربي يصل إليها مباشرة بعد التحرير، والتقينا بالمسؤولين الحكوميين الكويتيين في مدينة الطائف.

 

وتعتبر حرب التحرير، التي انتهت بالانتصار بعد 100 ساعة، قياسية في تاريخ الحروب، ونظرتي كدبلوماسي سابق ومؤرخ أنها كانت بداية للوجود العسكري الاميركي المباشر في الخليج , أثناء تولي الرئيس جورج بوش الأب السلطة.

 

  • كيف كان الموقف الفرنسي من تبريرات العراق لغزوه الغاشم للكويت؟

 

– أي احتلال مرفوض، ولا يجوز تبريره بأي حال من الأحوال، وكان الصوت الفرنسي عالياً بهذا الشأن، لا سيما عند التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 686 والمطالبة بسلام شامل، إلا أن السلام الذي تحدثوا عنه لم يصل إلى نتيجة، فما يحدث في فلسطين كاف لمعرفة الفشل في ذلك، بل على العكس تم إنتاج متطرفين من المعسكرين.

 

الزيارة الثالثة للبروفسور فيليو للكويت

 

كان اللقاء مع البروفسور الفرنسي «فيليو» في المركز الفرنسي للأبحاث، الذي يقوم بمجموعة أنشطة ثقافية وفكرية بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين للعلاقات الكويتية- الفرنسية، والتي يديرها د. مكرم عباس.

 

وتعد هذه الزيارة هي الثالثة لفيليو للكويت، بعد الأولى حينما كان ضمن وفد فرنسي برئاسة وزير الدفاع السابق، بيار جوكس بصفته دبلوماسيا محترفا، وذلك بعد التحرير مباشرة وعقب العملية العسكرية الفرنسية المعروفة باسم «داغي»، والتي كان لها دور حاسم في المعركة.

 

وأصدر عدة كتب منها كتاب بعنوان «وسط العالم» تحدث فيه عن تاريخ المنطقة، ولديه اهتمامات واسعة «بثورات الربيع العربي»، لا سيما الملف السوري، وهو ما يقدمه من خلال صفحة يكتبها بجريدة «لوموند» على مدى سنوات.

 

الملف السوري

 

  • ما تقييمكم للملف السوري والدور الذي يلعبه النظام برئاسة الأسد؟ وهل هناك أمل في التغيير؟

 

– لدي كتابان حول سورية، أصدرتهما عن طريق دار نشر للمعارضة السورية في إسطنبول، تسمى دار ميسلون، وللعلم فميسلون لها رمزية تاريخية، وسفارتنا في دمشق كانت قصراً للملكية العربية أيام حكم الملك فيصل، والكتاب بعنوان “مصير العرب ومصيرنا… تاريخ تحرر” صدر عام 2017، والكتاب الثاني “مرآة دمشق” عام 2020.

 

شهدت سورية انتفاضة شعبية في إطار ما سُمي “ثورات الربيع العربي”، وإن كنت لا أحبذ هذه التسمية وأفضل استخدام “الانتفاضات الديموقراطية” لأن “الربيع” و”الخريف” و”الشتاء” مسميات لمواسم تتبدل وتروح وتأتي، لكننا أمام أزمة أنظمة دكتاتورية ممتدة وبنيوية، ومن وجهة نظري قد فشلت هذه “الانتفاضة” لكن النظام لم ينتصر، فأي انتصار هذا الذي نسمع عنه، ونصف السكان مهجر، والاقتصاد ميت، والبلد تم تدميره؟! هناك “دولة كبتاغون” يقودها ماهر الأسد والفرقة الرابعة، فأول مصدر لنظام الأسد هو الكبتاغون، وبالنسبة إلى هذا النظام، فأي يوم إضافي هو انتصار له ولبقائه.

 

الحل السوري يأتي من برلين

 

  • برأيكم هل هناك أمل في الوصول إلى تسوية أو التغيير في سورية؟

 

– ما يشغل بال الأسد هو كرسي الحكم، وأن يبقى عليه، والثروة الحقيقية لسورية هي الإنسان، والتي قام النظام بتدميرها، فلم يعد هناك طبقة وسطى ولا عقول تفكر لتبني مادام الأسد بقي على كرسي الحكم، ولا أمل يرتجى، وأعتقد أن الحل سيأتي من برلين، فهي عاصمة مستقبل سورية الحقيقية، ليس فقط لوجود المعارضة هناك، بل لوجود آلاف السوريين الذين يملكون القدرة على التغيير وسط البيئة التي يعيشون فيها. وهناك فرق بين مصلحة الدولة العليا ومصلحة النظام في إطار العلاقات الدولية، فالكثير من المجتمعات يجهلون أو لا يعرفون حقيقة النظام الاستبدادي.

 

«الشرق الأوسط»

 

  • برأيكم ما أهمية منطقة الشرق الأوسط؟ وكيف ترون سياسات الدول الكبرى فيها؟

 

– موقع “الشرق الأوسط” الجغرافي بين ثلاث قارات، و”الشرق” بالمفهوم الفرنسي هو وسط العالم، وفي التاريخ كان هذا “الشرق” مهد الحضارات وملتقى طرق القارات، وقد حمته الإمبراطوريات الموجودة في هذه المنطقة من موجات التتار وما تعرضت له من هجمات، وألوم كثيرا من يردد مصطلح “الشرق الأوسط” دون وعي وإدراك، وإن كان أول من نادى به الأميركي “ألفريد ماهان” عام 1902 واعتبره “مُولّد الكيانات الكبرى”.

 

ولذا فالدول الكبرى ترى أن لها كثيرا من المصالح في هذه المنطقة، ولكن تختلف سياساتها فيها، فأميركا مهووسة بقوة العسكر وتستمد نظريتها هذه من القوة العسكرية، لكن لا بديل عن هذا الوجود، في حين تنزع الصين بسياساتها نحو الاقتصاد، أما الروس فتحكمهم العقيدة العسكرية، وبالتالي ليس هناك مشروع بديل يأخذ بكل النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية معاً.

 

  • وماذا عن سياسة فرنسا تجاه المنطقة؟

 

– هناك فرق شاسع بين فرنسا وأميركا في السياسات الخارجية المتبعة بمنطقة الشرق الأوسط، إذ إن الأميركي تقف نظرته عند حدود “دولة الأزمة” أو “موقع الحدث” فما أقدم عليه عند بناء نظام دولي جديد جعله تحت إشرافه ومن يرد اللحاق بهذا القطار فعليه أن يدفع ثمن التذكرة.

 

وأما الدبلوماسية الفرنسية فكانت ترى الشرق الأوسط وما يتخلله من احتلالات، سواء “احتلال” سورية للبنان أو احتلال إسرائيل لأراضي عربية، وفي حينه استبقت فرنسا غيرها من الدول العظمى بتقديم مشروع شامل ومؤتمر إقليمي لحل النزاعات بالحوار والطرق السلمية.

 

وقبل اتفاق أوسلو ومؤتمر مدريد تبنّت الدبلوماسية الفرنسية مشروعاً شاملاً، يقوم على فتح حوار بين الفلسطينيين وإسرائيل أولاً، وإعلان مبادئ حل النزاعات والدفاع عن سيادة الدول الشرق أوسطية دون اجتزاء أو تحيز لهذا الطرف أو ذاك.

 

جان بيار فيليو يحاضر بالمركز الفرنسي عن مساهمة بلاده في تحرير الكويت

في إطار الاحتفال بمرور 60 عاما على الصداقة الفرنسية – الكويتية، استقبل المركز الفرنسي للأبحاث في شبه الجزيرة العربية جان بيار فيليو، للحديث عن المساهمة الفرنسية في تحرير الكويت عام 1991.

 

وعقدت المحاضرة على مدرج مكتبة الكويت الوطنية، بحضور سفيرة فرنسا لدى البلاد كلير لو فليشي، ومدير المعهد الفرنسي بينوا كاتالا، وعميد كلية الآداب بجامعة الكويت د. عبدالله الهاجري، إضافة إلى عدد كبير من المسؤولين المحليين والدوليين.

 

وتطرق فيليو إلى الموقف الفرنسي من غزو الكويت، مؤكدا أنه كانت لدى فرنسا رؤية استراتيجية للصراعات في المنطقة، تختلف اختلافا كبيرا عن الرؤية الأميركية، ورغم ذلك كانت فرنسا جزءا من التحالف، وساهمت في تحرير الكويت عبر عملية Daguet في فبراير 1991.

 

وروى فيليو ذكرياته كدبلوماسي ومختص في التحليل التاريخي والجيوسياسي، وبالتالي جمع بين التجربة الشخصية والثقافة الأكاديمية في عرضه لهذه الحلقة المهمة في دراسة تاريخ البلدين.

 

يذكر أن فيليو أستاذ زائر في جامعتي كولومبيا وجورج تاون، وترجمت كتبه بالفرنسية أو الإنكليزية إلى أكثر من 15 لغة، بينها العربية، وكتب أكثر من 20 كتابا عن الدول العربية، وأنظمتها السياسية، وثورات 2011 التي هزت المنطقة، ومسألة العنف وحقوق الإنسان، وكان دبلوماسيا لمدة عقدين من الزمن، وشارك بنشاط في المساهمة الفرنسية في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991.

زر الذهاب إلى الأعلى