لبنان للجميع
بقلم: ميسون نويهض

النشرة الدولية –

لا شك أن مشهدية النواب الجدد كانت مؤثرة وحصدت تعاطفا شعبيا لكنها لم تسلم من الانتقادات، وهذا أمر طبيعي، لأن المواطن اللبناني ما زال يرزح تحت أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية وحتى اجتماعية بسبب الانقسام العمودي الذي طغى على المشهد منذ 8 و14 آذار مرورا بثورة 17 تشرين وصولا إلى الانتخابات النيابية.

الثورة وصلت إلى المجلس النيابي، ما خلق أملا لدى الكثير من المقيمين والمغتربين بأن التغيير وضع المدماك الأول للوصول بالوطن إلى بر الأمان.

لكن خطوة الألف ميل ما زالت في بداياتها والنواب الجدد لا يحملون عصا سحرية، والمأمول منهم أن يحملوا برامج تساعد بإنقاذ البلد من الانهيار وقدرة على إعادة الثقة بالحياة السياسية في لبنان.

ولكن أن يسكر اللبناني بهذا النجاح فهو الخطأ الجسيم الذي سيرتكبه، لأنه سيؤثر على تقييمه لأداء النواب الجدد، وسيمنع محاسبتهم، وعندها نعود إلى خلق أجواء وأفكار مماثلة للتي حكمت البلد ثلاثين عاما.

حذار من الشعبوية والتعصب والانغلاق وعدم تقبل الآخر، فيجب احترام شريحة كبيرة من الناس ما زالت تؤمن بمبادئ وأداء أحزاب تقليدية في البلد والتي معظم اللبنانيين كانوا ينضوون تحت لوائها، وبعضهم قرر الوقوف بوجههم لمحاسبتهم وعاقبهم بالانتخابات.

هذا أداء صحي ويوضح أن التغيير بدأ في الأفكار وغيّر القناعات، لذلك رمى فلان عباءة حزب ويحاول أن يختار أداء جديدا من الممكن أن يفشل ونأمل أن ينجح. المطلوب اليوم واقعية والبعد عن الوعود والأوهام وبيع الكلام، لأن سياسة لبنان معقدة وهناك عوامل إقليمية ودولية تؤثر برسم تلك السياسات، ومن ينكر ذلك ينقصه الكثير من النضج السياسي.

لا شك أن الأحزاب السياسية بنسب متفاوتة ساهمت بوصول البلد إلى هذا الحائط المسدود بسبب الفساد أو الخطط الاقتصادية الخاطئة أو الارتهان إلى محاور لكنها موجودة ولا يمكن إلغاؤها، بل تجب محاسبتها وحثها على تغيير أدائها والإيمان بقدرات المؤسسات التي تبني دولة، من خلال خلق كتلة تغييرية تحفزها على المنافسة معها بالعمل بجدية وشفافية لمصلحة الوطن والمواطن أولا وأخيرا.

التعصب وتأليه الزعيم أوصل البلد إلى جهنم.

الثورة قبل أن تكون سياسية ومعيشية يجب أن تكون ثورة فكرية تتقبل النقد والرأي الآخر وتعترف بنجاح رؤية أو مشروع، حتى لو كان مقدما من قبل خصم وتحاسب على الأخطاء حتى ولو كانت صادرة عن حليف.

الفكر هو أقوى الأسلحة وبه تحارب المجتمعات وتواجه وتبني أوطانها.

إذا استطعنا بناء جيل يتحلى بهذه الأفكار والرؤى بعيدا عن المحاصصة والفساد واحترمنا الكفاءة وفكرة الشخص المناسب في المكان المناسب، عندها يتحوّل الأمل إلى واقع والوعد يصبح حقيقة، فنحن بحاجة إلى بناء وطن للجميع لأن ترابه سيغمرنا في ثناياه ولن تأبه إذا كنت حزبيا أو تغييريا، فأرض الوطن ستحضنك ابنا لها وستغرسك في باطنها لأنها الأم، وقلب الأم يضخ محبة تجاه الأبناء دون تفرقة.

زر الذهاب إلى الأعلى