الحكي والبكى.. بفلوس
بقلم: إيمان حيدر دشتي

النشرة الدولية –

تنهي صديقتي المكالمة قائلة: «آسفة ضيقت خلقك كل سوالفي سلبية».

قد أستخدم أنا أيضا هذه الجملة أحيانا، لكنها باتت تتكرر في الآونة الأخيرة من عدد من المقربين، صرنا نلاحظ أنهم يتحاشون التواصل مع الآخرين خشية أن يقال عنهم أشخاصا سلبيين، أو أحاديثهم تأتي بطاقة سلبية! لا أعلم كيف قاطع أمثال صديقتي الفضفضة بالهموم ومشاكل الحياة لأقرب الناس لهم، هل هي دعاوى أن تلك الأحاديث طاقة سلبية وخشية أن يتناسى الناس الجانب الإيجابي فيهم وهم في هذه الظروف، أم فعلا تهرب وابتعد الأصدقاء والأقرباء عنهم بحجة أن أحاديثهم سلبية ومواضيعهم نكدية!

كيف اختلط لدى الطرفين مفهوم الطاقة السلبية مع الهموم والأحزان والعثرات؟ كيف تم مسح السين من العلاقات الإنسانية فتحولت إلى الأنانية، دائما نردد «الصديق وقت الضيق» لكن يبدو أن الصديق صدره يضيق وبمشاعر الدعم والتفهم، كأن يربت على كتف أخيه أو يطبطب على قلب صديق، فلا متسع من الوقت للاستماع أو السؤال، بالرغم من سهولتها وتوافرها في عصرنا الحالي عما كان في الماضي، حينما كان تفقد أحوال الناس يكلف عناء الانتقال ورسوم الاتصال، الآن مع توافر كل وسائل الاتصال والتواصل ومجانيتها، قد لا يخطر لأحدهم تفقد من غاب فجأة أو تكالبت عليه الهموم.

ربما يعود ذلك لانتشار بعض مقاطع الفيديو على منصات ووسائل التواصل الاجتماعي لبعض المدربين في تنمية بشرية أو الأخصائيين النفسين وملخصات نصائحهم، التي تحدد الطريق للسعادة أو راحة البال وهي الابتعاد عن الأشخاص السلبيين مع ضبابية هذا المفهوم والتركيز على «الأنا»، هل هذا ترويج لمكاتبهم ومنصاتهم وحساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي حتى تكون وجهة المحتاجين؟ حيث أصبح في عياداتهم الحكي والبكى بفلوس وبعد أن كان «ببلاش»، إذن كيف يتعافى الحزين والمتعثر؟ من لهؤلاء إذا انسحب الأقارب والأصدقاء؟ تذكرت عصفورين عندي في المنزل توقفا عن التغريد لمدة يومين كاملين بعد أن مات صديقهما البلبل الثالث، لاحظت العاملة صمتهما، فتوجهت لقفص العصافير وحدثتهما بتلك الكلمات فقط: «أعلم أنكما حزينين على فراقه، فعلا انه أمر صعب ومحزن، لكن تلك هي الحياة وهي الآن في مكان أفضل» وقبل أن تدير ظهرها لهما بدأ العصفوران بالتغريد من جديد، لا يحتاج المحاصرون بالأحزان والغموم إلا أن يحسوا بوجود أقرانهم حولهم، فقط يحتاجون مساحة للكلام والبوح وربما فنجان قهوة.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى