العبادات والتناقضات
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
طلب رجل دين معروف، ومنغمس حتى أذنيه في السياسة، من زعيم دولة عربية كبيرة ومجاورة، ومن باب «الميانة»، أن تقوم حكومة الأخير بإعادة الاعتبار لقبور بعض الرموز الدينية والأولياء في دولته، وترميمها تبركاً وتقرباً إلى الله! ويقال إن الزعيم رد عليه بتهذيب جم قائلاً بأن سياسة حكومته، منذ عقود، تعتبر التعلق بغير الله أمراً غير مقبول، وأن بناء الأضرحة ومزارات الأولياء لا يؤدي إلى غير سرقة أموال الفقراء، من قبل المشرفين على تلك المزارات، أو تنتهي إلى جيوب السياسيين الذين يوفرون الأمن لتلك الأماكن، مع صرف جزء من الأموال التي تجمع على استمرار جهل العامة ليسهل التحكم بهم وبمجتمعاتهم، لكي تستمر عملية تدفق الزكوات والصدقات والتبرعات ولتزداد أعداد زائري تلك الأماكن، تبركاً وطلباً للصحة وطول العمر والشفاء من الأمراض، ومعالجة العقم، وغير ذلك من أمور لا تنتهي إلا لتكريس أعمى للجهل واستمرار أطول للتخلف! وبالتالي من الأفضل صرف الأموال على بناء بيوت للأحياء، بدلاً من كل هذا الاهتمام بقبور الأموات، والاهتمام ببناء البنية التحتية، وشق وصيانة الطرق، وتوفير الخدمات الضرورية كالكهرباء والماء لبيوت الأمة، بدلاً من الأئمة، والأهم من كل ذلك الصرف من دون حدود على تطوير التعليم!
خرج رجل الدين والسياسة من اللقاء «خالي الوفاض»، من دون أن يضيف شيئاً لأرصدته الضخمة في مصارف الدول الأوروبية!
***
يلاحظ أي زائر للمزارات والأضرحة، وفي عشرات المدن، الإسلامية بالذات، افتقادها إلى النظافة، بشكل مرعب، وهي سمة عامة تصدم العين والعقل منذ لحظة ارتياد تلك الأماكن. كما يكثر فيها المتسولون، ومن أصحاب العاهات الجسدية الصارخة، التي تُفتعل عمداً أحياناً لاستجداء المال من السذج والباحثين عن الأجر. كما نجد نساء يستجدين وهن يحملن على أذرعهن أطفالاً رضعاً، نياماً غالباً، بسبب حقن التخدير التي يتلقونها عمداً، والتي تجعلهم معاقين ذهنياً إلى الأبد، وهذا موثق في سجلات شرطة تلك المدن!
المؤسف أن على الرغم من كل ما يجمع في هذه الأماكن من صدقات وزكوات وتبرعات ضخمة، فإن لا أحد من «جباتها» فكّر يوماً في كنس شوارع تلك المدن وجمع القمامة المتراكمة فيها بصورة منظمة، أو بناء مرافق صحية بسيطة فيها، ومنع التسول في شوارعها، مع العمل على إيواء المعاقين من المتسولين في دور رعاية، وهذا أقصى ما يحلم به زائر هذه الأماكن. أما التساؤل عن سبب عدم توافر المدارس والكليات فهو ترف وقريب من الخيال، والأغرب منه التساؤل عن سبب عدم وجود جامعات، حتى المتواضع منها في هذه الأماكن، فالسبب معروف، والقصد واضح.. والله من وراء القصد، كما كان المرحوم «محمد مساعد الصالح»، ينهي مقالاته الرائعة!