فايننشال تايمز: بعد 4 سنوات… ما الذي تغيّر على على التسهيل الكمي؟

النشرة الدولية –

قطعنا شوطا طويلا منذ تطمينات ماريو دراجي بشأن “فعل كل ما يلزم” لمنطقة اليورو. ومع أن نوبة الغضب الناتجة عن أزمة الديون في المنطقة مرت، إلا أن منطقة اليورو تُعاني تباطؤ آفاق النمو، ومعركة إيطاليا وبروكسل حول الميزانية، والقادة الجرحى في ألمانيا وفرنسا. أما بريطانيا فهي بالكاد تساعد في هذا الوضع، كونها أمام خطر الخروج بطريقة سيئة من الاتحاد الأوروبي في آذار (مارس)، أو ربما حتى عدم التوصل إلى صفقة.

شهد الأسبوع الماضي نهاية حقبة من السياسة النقدية مع إيقاف البنك المركزي الأوروبي رسميا برنامج شراء السندات البالغ حجمه 2.6 تريليون يورو. ومع أن هذا يعد لحظة تاريخية، إلا أن حقيقة أن البنك المركزي الأوروبي خفض أيضا توقعاته للنمو والتضخم لعام 2019 ينبغي أن تكون ذات أهمية أكبر للمستثمرين.

مرّت أربعة أعوام تقريبا على إعلان البنك المركزي الأوروبي عن خطته لبرنامج التسهيل الكمي في أوائل عام 2015، وعندما ننظر إلى وضع الاقتصاد والأسواق اليوم، فإن السؤال الذي لا يُمكن تجنبه هو: ما الذي تغيّر فعلا؟

خلاصة القول هي أن التضخم ينخفض وعلامات الانتعاش المستدام لا تزال بعيدة المنال. ولأن أوروبا مُقيّدة بقواعد الميزانية، وأسعار الفائدة لا تزال سلبية، فليس هناك مجال يذكر للتقدم في حال أصبح الاقتصاد ضعيفا في المرحلة التالية.

وكونها لا تعتبر محركا قويا للاقتصاد العالمي، فإن أوروبا والبلدان المُصدّرة فيها تعتمد على الطلب العالمي للمساعدة في تعويض عوامل التركيبة السكانية الضعيفة. في الوقت نفسه، لا تزال تكافح مع “حجم واحد” من السياسة النقدية لجميع المقاسات.

هدنة حقيقية في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين من المؤكد أن تجد لها صدى في أوروبا، مثلما يمكن أن تفعل أي علامة على تحسّن اقتصاد الصين. كلا الأمرين نتيجة محتملة في عام 2019، لكن لا يُمكن الاعتماد على أي منهما. الأمر الذي خفف بعضا من الألم الاقتصادي في المنطقة هذا العام كان اليورو الضعيف، لكن بمجرد أن يوقف الاحتياطي الفيدرالي التشديد النقدي ويتحوّل التركيز إلى عجز الميزانية الأمريكية المرتفع، يعتقد كثيرون أن اتجاه ضعف اليورو سيكون في حالة من عدم اليقين.

أهمية ضعف العملة الموحّدة واضحة بالنظر إلى توقعات أرباح الشركات في العام المقبل. تُشير CFRA إلى أن المحللين لا يزالون يرون ارتفاعا في نمو أرباح مؤشر “ستاندرد آند بورز يورو 350” يصل به إلى 8.5 في المائة عام 2019، صعودا من 7.1 في المائة عام 2018. ويرجع ذلك أساسا إلى ضعف اليورو الذي يُعزز قيمة الإيرادات المتولدة من خارج أوروبا. هذا التوقع الوردي من الواضح أن السوق لا تتفق معه بالنظر إلى أن المؤشر يتداول حاليا بانخفاض نسبته 6 في المائة عن متوسط معدل السعر إلى الأرباح على المدى الطويل الخاص به.

ليندزي بيل، من شركة CFRA، تُحذّر قائلة “مع استمرار البيئة الاقتصادية بالتباطؤ، فإن نمو الأرباح سيكون في خطر. من المحتمل أن يستمر عدم اليقين السياسي وعدم وجود إصلاح هيكلي لبلدان مثل إيطاليا وفرنسا في زيادة الضعف في كافة أنحاء منطقة اليورو”.

في الواقع، ارتفعت العوائد على السندات لأجل عشرة أعوام في فرنسا إلى أعلى مستوياتها فوق السندات الحكومية الألمانية منذ أيار (مايو) 2017، عندما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن انقلاب تام في موقفه فيما يتعلق بضرائب الوقود وتدابير الإنفاق الجديدة التي من المتوقع أن تدفع عجز الميزانية في البلاد العام المقبل إلى مستوى أعلى من سقف الاتحاد الأوروبي البالغ 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

بالنسبة إلى الذين يبحثون عن القيمة، الأسهم الأوروبية تحمل بعض الجاذبية السطحية. لكنها رخيصة لسبب وجيه جدا. وكما أظهر هذا العام، فإن أوروبا معرّضة للخطر من حرب تجارية طويلة الأجل، وضعف النمو العالمي، ومع دخولنا في عام 2019، مهددة كذلك بأي علامات تؤكد تباطؤ الاقتصاد الأمريكي.

أحد العناصر المهمة لأسهم منطقة اليورو هو الشركات المالية. مع انخفاض بنسبة 25 في المائة، فإنها تتنافس مع شركات صناعة السيارات باعتبارها المجموعة الأسوأ أداء هذا العام في مؤشر ستوكس 600. لكن إذا كنّا نبحث عن علامة على انتعاش مستدام في الأسهم، فإن الشركات المالية بحاجة إلى عكس المسار. هذه مجموعة قيادية مهمة لكثير من أسواق الأسهم، خاصة في أوروبا. وفي حين إن المصارف في منطقة اليورو بالتأكيد تبدو رخيصة من حيث السعر إلى القيمة الدفترية، إلا أنها بحاجة فعلا إلى مستوى من النمو الاقتصادي الذي يدفع البنك المركزي الأوروبي إلى رفع أسعار الفائدة. مع ذلك، كانت سوق السندات تميل إلى عدم تشديد سياسة أسعار الفائدة من البنك المركزي الأوروبي حتى عام 2020.

ما لم نشهد تحسنا قريبا في أوضاع الشركات المالية، فالسوق الأوسع ستبقى تحت الضغط وعالقة في منطقة التصحيح.

في حالة مؤشر البورصة الألمانية، فهو يوجد منذ مدة في منطقة السوق الهابطة هذا العام بعد انخفاض يزيد على الخُمس عن ذروته في كانون الثاني (يناير). عوائد السندات الحكومية الألمانية لأجل عشرة أعوام تبقى عند نحو 0.25 في المائة، أدنى مستوياتها منذ صيف عام 2017، في الوقت الذي يعاني فيه أهم اقتصاد في منطقة اليورو تركيز الصين على الرفع المالي المُفرط والحمائية التجارية.

مع إطلاق البنك المركزي الأوروبي تشديده النقدي فعليا، الحل بالنسبة إلى المنطقة هو مزيج من التحفيز من المالية العامة والإصلاحات الاقتصادية، التي في فرنسا الآن يبدو أنها في حالة من عدم اليقين. للأسف، الاتحاد الأوروبي الممزق يعني أنه ليس هناك أمل يذكر في مناورة أكبر فيما يتعلق بالإنفاق في الوقت الذي تطالب فيه ألمانيا بالانضباط في جانب المالية العامة.

إيثان هاريس، من “بانك أوف أمريكا ميريل لينش”، يقول “إن هناك جانبا واحدا مشرقا: “الصين تبدو مستعدة، وراغبة وقادرة على عكس تباطؤ نموها مع تقييد ثابت للتحفيز”.

هذا يجعل الحجة لمصلحة شراء الأسهم الأوروبية تعتمد على دورة الأخبار والقرارات التي يتم اتّخاذها في بكين وواشنطن ولندن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button